ثورة فلسطينية من رماد العرب

إن تصريح نتنياهو التهديدي من على ارض الولايات المتحدة ومن باحة الامم المتحدة بقتال الفلسطينيين حتى الموت، وهم الواقعين تحت احتلاله والمحميين باتفاقيات جينيف، يحمل من المعاني والرسائل السياسية والجرمية ما يكفي. ولم يلتقط هذا التصريح الارهابي والخارج عن القانون والسياسة وعن منطق الدول أي مسئول عربي او غير عربي ، والتقطه الشبان الفلسطينيون وواجهوا التحدي بكل ممارساته النوعية المستجدة بعزيمة وتصميم يعجز عنه أي شعب عبر التاريخ . وما زلت أقول لو كانت مشكلة اسرائيل مع أي شعب أخر يعيش ظرف الفلسطينيين البيني والعربي والاحتلالي المتسلح بأمريكا وسكوت العالم وغياب مفهوم الأمن الجماعي لأنهتها لصالحها بزمن قياسي . وقذ ذكرت توراتهم بأنه شعب الجبارين . وليس هذا بيت القصيد من المقال
اجتمع العرب على وقع الممارسات الاسرائيلية الخارجه عن سلوك البشر واللا مثال لها بالتاريخ سوى سرديات التوراة، وكرروا عجزهم باجترار كلامهم على مدى سبعين عاما . ومع أن الامين العام للجامعه حرك في كلمته موضوع طلب الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الا أن تفعيل هذا الطلب الذي تجاوزته الظروف مرتبط بطبيعة التعامل الدولي والعربي الفاشل والمتراجع مع اسرائيل .بل أن الاردن تقدم به عام 95 من خلال كلمة مندوبه في مجلس الأمن على خلفية مذبحة الحرم . وخرج قرار المجلس يشير للحماية الدولية ولم يتابعه أحد من العرب وكأنه نكته .
إن العالم كله يعرف بأن الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين او للضفة والقطاع ( كما هم يعتبرون )هو االاحتلال الوحيد الباقي على وجه الارض . وأن لجنة تصفية الاستعمار في الامم المتحدة أنهت عملها منذ عشرين سنة ولم تعد موجوده . وإن العالم كله يعلم بإن إنهاء هذا الاحتلال هو الذي ينهي اضطراب المنطقه وينهي تهديد السلم والأمن الدوليين الى حد بعيد ، لكنه يتغاضى عن هذه الحقيقة مرغما . ولا شك أبدا أن ليس هناك من قضية يستعصي حلها إذا ما كان أصحابها أمينين عليها ويسلكون الطريق الموصله وليس المضلله . وهنا نأتي تاليا لبيت القصيد
إني أستحضر هنا مستبقا ما سأقوله ، قولا لنتنياهو موثقا في كتابه السلام بين الأمم ،قاله في وصف الانتفاضة الأولى ونصه هو إنها كانت للفسطينيين بمثابة ( GOD SENT ) . علما بان ذات الشخص تجرأ بالأمس متخبطا ومستغلا خديعة العصر وملهاة الشعوب وهي الحرب على الارهاب حين صرح ما نصه إن الارهاب هو وراء الانتفاضه . وعلينا ان ندرك هنا بأن الصهيونية تدرك بأن أي ضغط مباشر على اسرائيل دون غيرها هو ما يشكل الخطر على نهجها ويفقدها توازنها ، وبهذا أقول
لا أدري كيف يفكر الساسة العرب والاستراتيجيون منهم وكيف يقرأون التجارب ، وعما إذا كانت سبعون عاما من الكفاح السياسي والتنازلات والتعاون بلا حدود مع بريطانيا وامريكا واسرائيل ، تردفها سبعون عاما من النهج السياسي التفاوضي على الطريقة نفسها ، أتساءل إن كانت غير كافيه للتأمل بنتائجها الفاشله ومردودها العكسي وبخدمتها للاحتلال وتكريسه ، وعما إذا كانت التجارب الميدانية المزمنه غير كافية لأن تؤكد لهم بأن اسرائيل هي وحدها صاحبة القرار السياسي فيما يخص ملفي فلسطين والشرق الأوسط وأنها وحدها محل الضغط المجدي .. وأن كل ضغط اقتصادي أو عسكري او سياسي لا يستهدف اسرائيل وحدها دون غيرها هو عمل سلبي لنا وإيجابي لاسرائيل . فهو لا ينتج سوى مبرر لمن لا مبرر له في مواجهتنا وبالطبع لحساب اسرائيل . إن الدعم الامريكي لاسرائيل لا يخضع اطلاقا لميزان الربح والخسارة ولا لميزان المصالح المادية او الاستراتيجيه ولا لتحالفنا معها وإغداقنا المادي والجغرافي والسياسي عليها
إن الدور الأمريكي بملفي فلسطين والشرق الأوسط لا يتعدى عمليا إلا تأمين الغطاء السياسي والعسكري للسلوك الاسرائيلي. وليس هناك من ادارة أمريكية قادرة على أن تكون وسيطا أو الضغط على اسرائيل باتجاه خيار ما. وإن روسيا وقبلها الاتحاد السوفيتي وأيضا اوروبا يفهمون تماما بأن المس باسرائيل أو بخيارها على أي صعيد هو خط أحمر داكن، وتدخل مباشر بالشأن الأمريكي. وكل المسئولين العرب يفهمون ذلك ويفهمون بأن المواجهة العسكرية الكلاسيكية مع اسرائيل غير ممكنه، وأن محاولة تحدي اسرائيل او مصالحها باتت تهدد بفقدانهم لسلطتهم.
ولم يعد هناك في الكون من لا يعلم أن ليس هناك من قادر على قلب المعادلة إلا الضغط والاستهداف الشعبي الفلسطيني والعربي لاسرائيل بشتى الوسائل المتاحة مباشرة دون غيرها. فهي صاحبة القرار بالتنازل وبطبيعة التسوية وزمنها وكيفيتها لا أمريكا ولا غيرها .ولنا عبرة في ثلاثة أمثلة عشناها وكانت كافيه لتكون حدا فاصلا بين نهجين، أمثلة تستصرخ العرب بتغيير استراتيجيتهم وترك الاعتماد على امريكا، والتوجه لاسرائيل والضغط عليها بكل وسائل السياسة والمواجهه المشروعة والأمنه. ولدينا شعب فلسطيني يتوق لذلك
المثال الأول هو في الانتفاضة الأولى حيث كانت الوسيله الوحيده عبر تاريخ القضية التي اجبرت اسرائيل على التنازل لأول مرة بل والمرة الوحيدة. لكن تسرع المفاوضين الفلسطينيين وخوفهم من تشكل قيادة جديدة من رحم الانتفاضة مكن إسرائيل من إسالة لعابهم سريعا، فكانت شروط المقايضة على وقف الانتفاضة قاتلة للقضية الفلسطينية.
المثال الثاني هو قرار مجلس الامن رقم 425 لعام 78 الخاص بانهاء احتلال اسرائيل لجنوب لبنان فرغم أنه اتخذ باجماع المجلس فإن اسرائيل التي لم تنفذه ولم تتعاطى معه على مدى عشرين عاما وخذلت جهود ووساطات امريكا والسوفييت واوروبا والعالم التي لم تتوقف، قد اضطرت الى تطبيقه وانسحبت بقرار منها وبصورة مذله تحت ضغط المقاومه وميزان الربح والخساره الذي لا تفهم اسرائيل سواه . وكان من المفترض أن يكون هذا المثال الحد الفاصل بين حقبتين مختلفتين للتعامل مع اسرائيل. فهو يؤكد بالوجه القاطع أنها لا تخضع لأي ضغط دولي وأنها فوق المساءله وأنها وحدها من يقرر أي شأن يخصها وعلى طريقتها. كما يبين بشكل حاسم بأن الجهود الدبلوماسية الدولية والوساطات والقرارات غير مجديه مع اسرائيل، وأن التفاوض معها في هذه البيئة توسل فاشل لنيل الحقوق، وأن الضغط العربي المباشر عليها وجعلها في حالة استنزاف وحده هو المجدي..
المثال الثالث نمن المفترض أن يكشف هذا المثال للعرب عن مدى العجز الأمريكي وحجم الرئيس الامريكي المتقزم والمهان أمام القرار الاسرائيلي حتى لوكان هذا القرار سطحيا وإجرائيا وتافها بالنسبة لاسرائيل عندما يتعلق بشأن عربي. ويعود هذا المثال الى عام 98 عندما بكى الرئيس كلنتون على وقع بكاء وتوسل طفلة فلسطينية لاخراج والدها من الحبس . حيث قام كلينتون أمام القيادة الفلسطينية والعالم بإعطاء وعد للطفلة باخراج والدها خلال شهر.
لكن طفلة مخيم جباليا نهاد ابنة السنتين كبرت وتزوجت وانجبت ولم تر والدها إلى ان عاد في صفقة تبادل. وحينها سئلت نهاد عما قد تقوله الى كلينتون لو قيض لها رؤيته ثانية ، فقالت أنا لا أحقد عليه، وأشعر أني سامحته. لكني لو رأيته في هذه اللحظة لقلت له إن ما عجزت عن تحقيقه حين كنت رئيس أكبر دولة بالعالم تمكن من تحقيقه فلسطينيون عاديون ليست لهم دولة بعد.
لعل المطلوب اليوم من العرب والقيادة الفلسطينية بالذات أن يستبدلوا الاعتماد على امريكا وملهاة التفاوض بالاعتماد على سواعد الشعب الفلسطيني في انتفاضته الحالية ويمدونه بالحماية والدعم السياسي والاعلامي والمالي. وأن يبدأوا باتخاذ مواقف سياسية حازمة إزاء اسرائيل وممارساتها ووقف كل تعاون معها دعما للانتفاضة واحتراما لدماء المدنيين الفلسطينيين التي تسفك في الشوارع ، وتقديرا لمن يدافع عن نفسه وعن شرف الأمة والأقصى بسكين مطبخ هي اصدق واقسى على اسرائيل من كل اسلحتنا.. بل ودعما يوازي موقف وقرار جيل بالغ الثقافة والانفتاح على ما يجري وعارفا بواقعه وحقوقه.
فهل نفعلها ونجعل التفاوض مطلبا لاسرائيل؟