جينيف بيت أجر للقضايا الميتة

إن الارتجالية والسطحية في اتخاذ القرار لدى المسئولين في المنطقه العربية هو أمر ممأسس من قرون خلت. وما زال هذا الأمر عصيا على التغيير لانعدام وسيلة التغيير التي تكون من نفس الطبيعة التي تسببت بنفس الداء . وهذا أمر يعبد الطريق للفشل في المحافل الدولية السياسية منها وغير السياسية . وأيضا في ساحات القتال . وما زال لدينا في الشعوب العربية من يصدق ما يسمعه ويراه ، ويصدق بأن له قيمة إنسانية أو سياسية . والمراهنة دائما عليهم . وما زال لدينا أيضا من لا يقتنع بأن كرسي السلطة هو غاية تبرر كل وسيلة وصولا للتضحية بالمواطن وبالدين والوطن . وهذا يعود الى أسباب تخص طبيعة وخصائص كرسي الحكم النادرة بأبديته وسعة صلاحياته المطلقه في بلادنا ، واختلافها عن طبيعة كرسي الحكم في الدول الديمقراطية ، وذلك من واقع اختلاف طبيعة وثقافة شعوبنا عن طبيعة وثقافة شعوبها . لا سيما من حيث قدريتنا وتمسكنا بموروثات نحتفظ بها نحن العرب أثارا وأطلالا تركتها البشرية ، ومن عدم وجود أي فضل أو دور لنا عبر التاريخ في اختيار حكامنا كشرط يحفزهم على وضعنا في سلة اعتباراتهم أو حساباتهم . اللهم إلا في حالة مرسي وكان حينها قدريا عندما اعتقد نفسه أمنا دون أن يضع بحسابه أن التغيير في بلادنا لا يكون ناجحا دون التغيير لما في عقولنا وثقافتنا ، ودون التغيير في ثقافة ودور قادتنا السياسيين والعسكريين وهيكلة جيوشنا وربطها بواقعنا السياسي وبمصيرنا السياسي كأمر حاسم لم يتغير منذ أن تغير حكم الخلفاء الراشدين المرتبط بالنبوة مباشرة وإلى يومنا هذا .

إنها لعنة لا حقت الانسان ما قبل التاريخ الميلادي الى القرن السابع عشر ميلادي . وتخلصت منها شعوب الديانات السماوية والوضعية ولم نتخلص نحن الشعوب العربية والاسلامية منها لليوم . إنهم ما زالوا عندنا آلهات يحيط بها الجاهزون للفتاوى . لقد خضنا الربيع العربي لوحدنا وكنا نحسب أن المعركة هي بيننا وبين شخص الحاكم ، وأن تغييره هو بحد ذاته كفيل بتغيير حالنا . وفعلنا ذلك بمعزل عن ثقافتنا الموروثة والمكتسبة وبمعزل عن المتربصين بنا ، وبمعزل عن جيوشنا وطبيعة ثقافتها وهيكلتها ودورها الحاسم وهم في الواقع جند الفراعنة لا جند النورماندي ، والفراعنة آلهات أو نصف آلهات . بل هتفنا للجيش لعدم تدخله لقمعنا دون أن نربط هذا السلوك بطبيعة تكوينه وعمله ومرجعيته السماوية . وكانت النتيجة هي التي رأيناها ونراها في سوريا ومصر واليمن وليبيا .

لعلي هنا اتكلم عن المثال اليمني . وأقول بداية أنه وبعد مرور سنوات على انتهاء حكم صالح واستبداله بهادي في اطار تفاهم محلي واقليمي ودولي يتفاجأ المواطن البريء والحاكم العربي أن هذا الامر كان شكليا وأن السلطه الحقيقه لم تنتقل وبقيت بيد صالح كونه بقي ممسكا بزمام الجيش وبحركته وضمان ولائه له . أما هادي فقد كان يعلم ذلك لكنه يعلم بأن تغيير هذا الوضع وإتمام انتقال السلطة هي مغامرة صعب حسابها . وراهن على الزمن وفهلوة أنصاره من خارج اليمن . أما أنصاره فهم كما هو، فإنهم يعلمون ، والبسطاء منا يعلمون أن من بيده الجيش في بلادنا يمتلك القرار أو السلطة حتى لو كان خارج الحكم . ولكوننا وحكامنا قدريين ، ونظرنا ينتهي عند انوفنا وخطتنا هي ليومنا فقط ، فلم نأبه بمثال نعايشه وهو مصر . وكيف أن صناديق الاقتراع لا تغير واقعا قائما في النفوس والعقول ومترجما على الأرض . وأن الديمقراطية ليست قرارا ولا عملا ينجز ويغلق ملفه . ومن هنا لا يكون البديل الا الجيش والعصا . فتحولت جيوشنا الى طبقة في الدولة . فكانت إما طائفية أو عائلية أو حزبا سياسيا مسلحا ومرشيا ، والحزب له رئاسة من نوعه .وما زلنا نتكلم عن عقيدة قتاليه

ونستمر مع اليمن . والقصة هي ، احتلال حوثي طائفي لليمن ونفوذ ايراني ، يتبعه استنكار عربي وتدخل عسكري مقعد لا أعرج رسخ الاحتلال . أنتج استسلاما عربيا تمثل بالعودة لحضن الغول في مجلس الأمن ، ثم يتبعه ضغط الصديق الوفي على الصديق اللدود ليصدر قرارا تحت الفصل السابع . صدر القرار وصياغته تصرخ بأن لا تطبيق له إطلاقا ومع ذلك زغردنا . ثم يصبح البديل هو طلب أمريكا من الأمين العام أن يستبدل تقريره المطلوب منه عن تنفيذ القرار ، بالدعوة الى جينيف وكر الغول . وجينيف هو مسلسل الموت، وبيت أجر للقضايا الميته .

وهنا اترك الأسئلة تواجه المسئولين على الساحة اليمنية الخليجية . وأترك الاجابة للمواطن العربي . والنخب تعرف أن حكامنا ليسو بساسه ويهابون الاستعانة بالسياسيين . وليسو بعسكريين محترفين ويهابون الاستعانة بالعسكريين المحترفين . ذلك أنهم لا يبحثون عن الحقيقة لأنهم ليسو قادرين على اتخاذ قرار بها . فهي ليست دائما في مصلحتهم . لكن المواطن العربي الذي أصبح له الحديث في السياسة قوته اليومي وتسلية يتندر من خلالها ، وإذا تعدى الامر ذلك فإلى نوع من العصف الفكري يمارسه ، أقول أن هذا المواطن يبحث عن جواب من باب الاستغراب والعجز عن تفسير لسلوكهم السياسي بشأن قبولهم لمؤتمر جينيف ويقول .

ألا يعني القبول بمؤتمر جينيف تجاوزا و إلغاء ودفنا لقرارات مجلس الأمن وخاصة للقرار قم 2216-تحت الفصل السابع ؟ وألم يكن بالإمكان مخاطبة الامين العام بأن القرارات تطبق بتسلسل فقراتها لتكون منتجة والعربة لا تكون امام الحصان ونحن امام قرار تحت الفصل السابع

ألا يعني الذهاب لجينيف دون مرجعية محددة ومتفق عليها من واقع قرارات الشرعية الدولية ، سوى عمل عبثي لنا ولا يتمخض التفاوض فيه إلا عن فشل المؤتمر وتأطيره في مسلسل ( جينيفات ) من شأنها أن تسيس الاحتلال الحوثي وتكرسه.

الا يعني الذهاب لجينيف هو ذهاب الطريد المساق لطاولة التفاوض بلا أوراق ، مع من يمتلك الارض والسلطة ، ضربا من الاستسلام وشرعنة الاحتلال وقبول الأمر الواقع . وأقول الاحتلال وليس الانقلاب لأن القلة الحوثية الضعيفة لا تستطيع أن تحكم اليمن بنفسها ولحسابها بل هي مخلب ايراني في الجسم الايراني

ربما يقال أن وعودا في الكواليس كانت وراء الذهاب لجينيف . إن كان ذلك صحيحا فهو رهان على عدم ابتلال الغريق . ومآسي الأمة في العصر الحديث كلها وراؤها الوعود . وما هي وقبولها إلا كلام يصرف إحماء للوجوه ولحساب الشعوب فقط . أمريكا ماضيه وايران ماضيه والمحل هو تقاطع المصالح ، ومصالح الضعفاء تقطع ولا تتقاطع . عظم الله أجرنا .