حائط البراق “المبكى” هو الموقع الأكثر حساسية من بين المواقع المقدسة في القدس وفلسطين، إنه الموقع او الشئ المادي الوحيد الذي تجرأت الصهيونية للإدعاء بملكيته، ورغم أن المجتمع الدولي ممثلا بالامم المتحده قد وضع سابقا هذا الأمر للبحث والتحقق من قبل لجان متخصصة وقضت بملكية المسلمين للحائط كما سيلي، الا أن الصهيونية قد عادت اليوم على لسان ترمب تصر على الادعاء به وهذا التصريح نابع من البحث الواهم عن متعلق لليهود تاريخي لا ديني يسوغ به ترمب والصهيونيه قرارهم بشان القدس، وهناك ادعاء اخر بالمصلى المرواني قد يثار ثانية، وقبل الاستطراد بالحديث أرجو أن أوضح على سبيل الاهمية.
إن أي تنازل عربي او فلسطيني أومساومة في تفاوض ما او صفقة ما على السيادة العربية على الحائط او المشاركة بها في سياق تسوية ما سيكون تمريرا لملعوب كبير جدا وخطير، فبمجرد الاعتراف العربي بملكية اليهود للحائط او بسيادة مهما كانت منقوصة سيصبح هذا الحائط السند السياسي والمادي والتاريخي لليهود بملكية الأقصى والقدس وكل فلسطين، وسيتحول عندها البعد الديني الساقط قانونيا ودوليا والذي تعتمد عليه الصهيونية في دعواها بالقدس وفلسطين الى بعد تاريخي يعطيها حقا قانونيا او دوليا يشكل الأساس في امتداد ملكيته لغيره، وهو ما ينطبق أيضا على المصلى المرواني.
أبدأ بمختصر حائط “المبكى” والقرار الدولي بشأنه، فهو يشكل قسما من الحائط الغربي للحرم المحيط بالمسجد الأقصى بمعنى انه احد جدران المسجد الأقصى، ويمتد من باب المغاربة في الجنوب إلى المدرسة التنكرية في الشمال، وتقول الموسوعة اليهودية أن اليهود لم يصلوا أمام هذا الحائط إلا في العهد العثماني، والمراجع العبرية لم تستخدم عبارة حائط المبكى وإنما استخدموا عبارة هاكوتيل همعرافى بمعنى الحائط الغربي ولكن القاموس العبري الذي أصدرته وزارة الدفاع الإسرائيلية عام 1997 ظهر اسمه بعبارة هاكوتيل هدما عوت، بمعنى حائط الدموع.
وادعى اليهود من خلال بيان للجنة الدفاع اليهودية في خضم ثورة البراق 1929 بأن هذا الحائط يشكل الأثر المتبقي من الهيكل الثاني، وهو بعرفهم الذي بنى في عهد حكم الفرس بعد العودة من السبي البابلي ويعتقدون أن الحجارة الكبيرة الموجودة في أسفله تشكل دليلا على ذلك، وهو براي بعض الحاخامات يمثل اقرب نقطة من مكان الهيكل التي يمكن لليهود الصلاة فيها، والواقع أن تلك الحجاره هي جزء من أساسات سور هيرودت كما وضحت عالمة الأثار البريطانيه كاثلين كينون التي مسحت كامل منطقة الحرم على راس بعثة في الفترة من 1960 – 1967 وقضت بأنه لم يعثر على اي دليل على وجود هيكل.
تعود محاولات اليهود لجعل الحائط مصلى لهم الى بداية الحكم التركي والقرن السادس عشر إجمالا حين سمح سليمان القانوني بزيارة اليهود للحائط ولكن دون طقوس مادية أو القيام بأي عمل يمكن أن يتطور لإقامة مصلى، ولكن بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين بدأ اليهود بتكريس واقع جديد مثل جلب كراسي ومصابيح وحصر للموقع وهوما ادى لثورة البراق في 13 ديسمبر، وقيام الحكومه البريطانية بتشكيل لجنة للتحقيق في الاحداث، عرفت بلجنة “شو” حيث اوصت هذه اللجنه برفع أمر الحائط لعصبة الأمم التي شكلت بدورها لجنة دولية محايدة في أيار عام 1930 برئاسة وزير الشؤون الخارجية السويدي في حينه وعضوية نائب رئيس محكمة العدل في جنيف، ورئيس محكمة التحكيم النمساوية الرومانية المختلطة وحاكم الساحل الشرقي لجزيرة سومطرة السابق وعضو برلمان هولندا.
وعقدت اللجنة 23 جلسة قدم فيها الطرفان العربي واليهودي 61 وثيقة منها خمس وثلاثون مقدمة من اليهود وست وعشرين وثيقة مقدمة من المسلمين واثبت العرب أن زيارة اليهود للحائط كانت مكرمه من الدولة العثمانية لم تشمل إزعاج وجلب أدوات جلوس أو ستائر، وبعد خمسة أشهر من الجلسات أصدرت اللجنة قرارها الاجماعي في كانون الأول 1930 جاء بفقرته الأولى ما نصه:
“للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي . ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزاءا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف . وللمسلمين أيضا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وإمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير .” وقد صدر الامر بوضع القرار موضع التنفيذ اعتبارا من 8 \ 6 \ 1931 . وتقبل اليهود القرار ..
إلا انه وبعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 استولت إسرائيل على الحائط وعلى باب المغاربة المجاور ودمرت حارتها وأزالوا الآثار الإسلامية من المنطقة وحولوها إلى ساحة للعبادة وأسموها ساحة المبكى. ومنذ ذلك الحين اتخذ الصهاينة الحائط والساحة المقابلة له منطلقا لحفرياتهم حول المسجد الأقصى .
أما المصلى المرواني فما زال بعض المسلمين البسطاء يروجون بأن من بناه سليمان دون وعي تاريخي أو اثاري او سياسي ، او بخطورة هذا الكلام . وأدى ذلك الى استغلال اليهود لهذا المفهوم حتى اصبحوا يدعون بالمصلى ويتطلعون لبناء كنيس مكانه . واقاموا درجا مقابل الباب الثلاثي المغلق منذ مئات السنين والذي يؤدي الى المصلى المرواني . والمعهد الجيولوحي الصهيوني استغل هذه النقطة واعلن في عام 2003 عن اكتشاف حجر اثري في المصلىى وان عليه نقوش تعود للقرن التاسع ق م . الا أن دائرة الاثار الاسرائيلية بعد مواجهتها بالتزوير اعترفت بان الحجر مزيف والنقوش كذلك . لكن الاطماع الصهيونية بملكيته تجددت منذ ان نشرت جريدة بديعوت احرنوت في 1 \ 4 \ 2004 بأن هناك توصيه من شارون بإغلاق المصلى . وتم تجميد الموضوع تحت ضغط الضجيج الاسلامي .
أما حقيقة المصلى المرواني الذي يقع تحت ساحات المسجد الاقصى الجنوبية الشرقية ويلتقي حائطاه الجنوبي والشرقي مع حائط المسجد الاقصى ، فهوجزء من المسجد الأقصى ويعرف بالتسويه الشرقيه . وقد بناه الأمويون اصلا كتسويه معمارية لهضبة بيت المقدس المنحدره للجنوب حتى يتسنى البناء فوق قسمها الجنوبي الأقرب الى القبله على ارضيه مستويه واساسات متينه ترتفع لمستوى القسم الشمالي . ويرجح انه بني قبل الجامع القبلي ولهذا السبب استخدم للصلاه ريثما يتم بناء هذا الجامع . وقد خصص هذا المصلى في زمن عبد الملك بن مروان كمدرسه فقهيه ، ومن هنا اكتسب اسم “المرواني”.
ويذكر أن الصليبيين حولوه الى إصطبل لخيولهم وأسموه اصطبلات سليمان . ولا نعلم اذا كان هذا فد جاء من اعتقاد بعض المسلمين بسليمانية المصلى أم العكس.
كاتب عربي