حالة عربية بلا سابقة بين الأمم.. والعالم يشهد حربا عنصرية على ثقافة وأمة

ابتدأ العرب إثر انتهاء الحكم العثماني في مسار متصاعد لفترة بسيطة تلته مرحلة كالسيرورة نحو السقوط ماديا وقيميا حتى أصبح وجود دولهم اليوم على الخارطة افتراضيا وفي الحبر الأزرق. ولهذا سبب خارجي تزاوج مع سبب أخر داخلي ليس له سابقة بين الأمم. أما الأول فيتمثل في أن الاستهداف المبكر للعرب والذي عبرت عن طبيعته المدارس الغربية في بداية القرن الفائت قد تلاه استهداف تجاوز المصالح المادية والأهداف الاستعمارية والخوف من جغرافية العرب ونهوضهم. حيث كانوا يتكلمون عن العرب ويستهدفوهم بمعزل عن الاسلام متخذين من المشروع الصهيوني في فلسطين مشروعا لهم من قبيل تقاطع المصالح الاستراتيجية. ما أريد قوله أن مسألة إخ ضاعنا وتفتيت دولنا واستعمارنا كعرب تم البناء عليها في مشروع أخر أوسع وأعمق نعيشه. إنه مشروع إسقاط ثقافة وأمه.
ويلاحظ المتابعون للإعلام الغربي ولمفكريه وساسته أن مادة هجومهم وتركيزهم على العرب والدول العربية حل محلها خطاب ضد الاسلام ودوله يحمل من عمق السياسة والتشويه والكراهيه والعداء وقسوة التعابير والتحريض ما يسترعي الانتباه والحذر. فنجاحهم في تدمير المشروع العربي النهضوي في مهده واعادة العرب لنقطة الصفر ، كان من الأسباب التي حفزتهم على ربط ماض لهم مع مستقبل ينشدونه ويخافون عليه وهو ماض لتاريخ طويل. فهم لا يخافون على مصالحهم من الدين كعباده بل كثقافه. وقد راعني أن اقرأ عبارة في منهاج الصف السادس الابتدائي لعام 1985 في ولاية نيوجرسي الامريكية لما تحمله من تزوير وإساءة لهذه الثقافة وحشد أجيالهم ضدها. والعبارة تشير لرسالة هارون الرشيد الى امبراطور الروم ، وتقول حسب تعبيرهم بأن المسلمين شنوا هجوما على الامبراطورية وقتلو ودمروا كل ما أمامهم وأخذوا سبعين الف من النساء والاطفال سبايا وأجبروهم على الاسلام وجندوا كل الأطفال في الجيش..
إن الغربيين الصهاينة عندما جاؤا بمقولة صدام الحضارات إنما لا يعنون سوى صراع الثقافات في تلك الحضارات ، ولا يعنون سوى الثقافة الاسلامية التي تحملها الشعوب العربية. فالصهيونية تعلم كمنظور لها أن مشكلتها مع العرب هي في كون فلسطين التي تحتلها أرض عربيه محتلة وبأن هذه الأرض التي تضم القدس والأقصى كلها وقف اسلامي ، ولذلك تدرك بأن المحرك للشعوب العربية في مواجهة الاحتلال بالمقاومة معبر عنه بالجهاد كمسلمة دينية ممتدة مع امتداد الاسلام على وجه الأرض. ومن هنا جاء التحالف الصهيوني مع الغرب استخداميا في مضمونه بينما جاء تحالف الغرب الجديد مع الصهيونية من باب تقاطع المصالح الاستراتيجية له.
ذلك أن الدول الغربية أقامت حضارتها الحديثة السائده اليوم على المادة والمادية بعد أن اعتبرت ديانتها المسيحية داخل دولها عائقا أمام تقدمها وتخلصت منها بتحييدها واعتماد الديمقراطية نهجا. وكونوا نمطا من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فهذه الدول لن تقبل بحضارة تقوم على مزاوجة المادة بالروح كالإسلامية ، وترى في هذا مشروعا يقوم على ثقافة مغايرة ومعادية تتنامى على ابوابها وتخترقها بما يهدد مشروعها ومصالحها ونمط حياتها. وسيبقى هذا الغرب يحارب الديمقراطية في الدول العربية والاسلامية الى أن يضمن شيوع ثقافة غربية فيها وشعوبا مسلوخة عن عقيدتها وثقافتها. ولن يقبل حتى تحييد الأسلام في نموذج فاتيكاني قبل أن يضمن تشويه هذا الدين وتفريغه من مضمونه الإنساني في نفوس وعقول ناس الشرق الغرب.
فالتحالف الغربي الصهيوني قائم في هذه المرحلة على استهداف الإسلام الحقيقي كقيم ومثل وثقافة ، وصولا لشيطنته وتصفية انتماء المنتمين اليه وملاحقتهم بكل أشكال التضييق ،واستهداف رابطة العرب القومية وثقافتهم الاسلامية كهوية. ومن هنا نرى كيف استطاع هذا التحالف بما يملك من امكانيات أن يُحول عربا مسلمين الى مشايخ ارهابيين باسم الدين يهدمون قواعده وقواعد بلدانهم ، وأن يشوه مفهوم الجهاد المعمر زمانا والمتفق تماما مع أسس ومبررات المقاومة التي تقرها الشرعية الدولية وميثاق الأمم اليوم في هذا الزمن المتأخر خمسة عشر قرنا ، وكيف حوَّل هذا التحالف بوصلته الشرعية والمشروعة من فلسطبن المحتلة بقدسها ومقدساتها الى افغانستان مثلا ثم إلى الدول العربية المتهالكة. وهذا ما يفسر الصمت الغربي المجعجع بحقوق الانسان والديمقراطية عن المذابح الممنهجة ضد الأقليات المسلمة في الدول الأسيوية بالذات وتجاهل عمليات التطهير العرقي وإبادة الجنس والتهجير لها من أوطانها.
وفي سياق هذا السبب الخارجي أقول علينا كعرب أن نفهم بأننا كنا وما زلنا أول وأهم المستهدفين من واقع الاستراتيجيتين الغربية والصهيونية اللتين لن تلتقيا عندما تنتهي نقطة تقاطع مصالحها في المحصلة. وإن تسييس الدين في بلادنا قد دعمه الغرب وغذَّاه وركب موجته ليحرفه ويشيطنه ويحاربه من جذوره. ولعل لحظة قيام الأحزاب الدينية في بلادنا كان خطأ استراتيجيا استفز الأوروبيون ثم استغلوه.
لقد كانت الممارسات الدينية في دول العرب حين أنشئت في القرن الماضي أكثر استقرارا وانفتاحا وتقبلا لحريات الناس وخياراتها وكان الدين أكثر بعدا عن الاستخدام المجتمعي وأقل ضجيجا ، وكانت معه المؤاخات بين الناس أكثر والطاقات منطلقة في مختلف الحقول والعدو واحد. وأتذكر في هذا أن الزي النسائي على سبيل المثال كان عادة وحرية شخصية ولم يكن الحجاب قضية مجتمعية ولا تعريفا أو عنوانا للدين ورسالته العظيمة. وكذا كانت بعض الممارسات الشخصية التي يركز عليها البعض اليوم لا تشكل كبيرة ولا تكفيرا. وكان هذا يتزامن مع تفعيل المناسبات الدينية. فالمولد النبوي على سبيل المثال كان عيدا شعبيا وحكوميا كبيرا تزين فيه الشوارع وتعقد الأفراح الشعبية وتطوف فرق موسيقى الجيش والأمن الشوارع. ألم نفكر لماذا يمر كيوم عادي عند الناس والحكومات ، والاحتفال به تهمة وتخلفا عند البعض بينما الاحتفال بمولد سيدنا المسيح تحضرا وحضارة مع أننا الأقرب الى قيم المسيح وإيماننا راسخا بمسيحيته التي ينكرها اليهود والصهاينة وطلقها الغرب ، وما أريد قوله أن لهذا المقاربة دلالات وأهداف سياسية بعيدة كل البعد عن الدين.
أما عن السبب الثاني (الداخلي ) الذي ينفرد العرب بتجربته ، أقول ، إن صعود الدول العربية لفترة بسيطة في بدايات تشكيلها في القرن الماضي ثم انحدارها للحضيض كان متزامنا مع حالة الضعف والسؤ للدول الاسلامية ، إلا أن الحالة الاسلامية هذه تلتها مرحلة طبيعية في الصعود لم تتوقف فيها عن النمو والتطور والصمود في وجه الهجمة الغربية الصهيونية. هذه مفارقة يجب التوقف عندها فهي تكشف أن العامل الحاسم في الحالتين العربية والاسلامية هو الحكام لأن الشعوب واحدة بثقافتها. فمأساة العرب متمثلة في طبيعة حكامهم السياسية. وأستثني هنا القول بأن الهجمة الغربية كانت أكثر تركيزا على الدول العربية ، فهذا ليس مبررا أمام ارادة الشعوب والقاده ، ولا ابرئ الشعوب العربية لكني أجد لها عذرا مخففا في تجربة سياسية يعيشونها لم يعشها شعب في العالم.
فالدول العربية وشعوبها التي تحمل أعدل وأقدس قضية في التاريخ تم اختراقها من قبل الغرب الصهيوني بحكام خون يعينهم ويحميهم ويستبدلهم حسب المرحلة التي يتطلبها المشروع الصهيوني. وهذه حالة فريدة لا مثيل لها بين الأمم ولا لاستقرارها بالتاريخ. وهؤلاء الحكام ليسوا في الواقع حلفاء كما يسمون أنفسهم بل هم عملاء. وليس لهم مهمة داخلية سوى تطويع سياسات دولنا المحلية لخدمة المشروع الصهيوني وإشاعة وتنمية التخلف والسقوط والهدم وكسر الحاجز التفسي العربي مع الصهيونية والمحتل وتسويغ الاحتلال ، وتحجيم جيوشهم وأجهزة أمنهم كما ونوعا وتسليحا لاستخدامات لا تتعدى حماية سلطتهم وإحكام القبضة البوليسة.
ما العمل ؟ العملاء مُسَيرون لا يأخدون مبادرات. والشعوب العربية هي التي تمسك الأرض والأمانة رُدَّت إليها. إنها اليوم وحدها المسئولة عن نفسها وأجيالها وأوطانها وثقافتها وعقيدتها ، فكله تحت خطر الزوال الى مقبرة التاريخ يُساق. ليس أمامها إلا خيار الإنتفاض على واقعها السياسي المسئول عما وصلت اليه وعما تساق اليه ، وأن تبدأ من الصفر بداية نظيفة واعية. بلادنا تحت أشنع حالات الاستعمار وفي كل منها مندوب سام أو طالب وظيفة مندوب سام. وعلى شعوبنا هذه أن تعلم بأن المشروع الغربي ضد الاسلام والمسلمين يستهدفنا والهجمة على دول المسلمين تستهدفنا وتستهدف عوائق الاجهاز علينا كعرب وركائز أساسية لنهوضنا.