إن وضعنا السياسي في الاردن ومواقفنا وقراراتنا وسياساتنا الخارجية والداخلية وكل ما نعانيه أو نغتبط به ليس له أن يكون بمعزل عن طبيعتنا ووضعنا الراسخ وسلوكنا نحن كشعب . وإذا افترضنا حسن النية فإن ما نعتقده أو نراه خطأ في سلوك النظام والحكومات ، فقد يكون الخيار الأفضل أمامهم من بين الخيارات السيئة ، نحن أجبرناهم عليه أو مهدنا له . وإن لم نفترض حسن النية نبقى أيضا بسلوكنا السلبي هنا شركاء في صنع المشكلة ومسئولين مباشرين عن بقائها وعن الخلل والمعاناة فيما نعيشه من ظروف في مختلف الحقول . إن الطريق الامن والواثق للإصلاح وللخروج مما نحن فيه واضح ويعتبر قاعدة تاريخية ومعاصرة مهما التففنا عليها وهي فكرة الحزبين ، وأشار الملك اليها مرارا . لكن للنظام الدور الأساسي في تنفيذ الفكرة ، أما الشعب فعليه لإنجاح الفكرة أن يحس ويعترف بالمحن التي يسلطها على نفسه وعلى غيره ولا يحلها سوى تنفيذ الفكره . وبدون دور النظام واعتراف مجتمعنا بمحنه التي أذكر منها تاليا ثلاثا ،لا نتقدم خطوه إلا للوراء.
الأولى أننا نتشتت متقوقعين حول هوياتنا الفرعية وننسى تماما شعاراتنا الوطنية والاجتماعية إلا حين استخدامها كعبارت للمجامله ، وننسى معها القانون المدني . ويغيب عنا مفهوم الشعب الواحد والمصير الواحد ومفهوم الشراكة في الوطن وأولويات الحفاظ عليه . ونتمسك بشعار( أنا وأخي على ابن عمي ، وانا وابن عمي على الغريب )، ثم تسحل حبات المسبحه ،لنرى أن العائله اولا والعشيرة ثانيا والقبيلة ثالثا . والشاهدين فيها هما البلدة اولا والمنطقة ثانيا . وتبقى المئذنه هي الوطن معزولا وليس في حساب أحد .
الثانيه هي أن طريقة تفكير الأردنيين وطباعهم واهتماماتهم ومشاكلهم مختلفة بين الشمال والوسط والجنوب لظروف طبيعية ومصطنعة . ويتحمل الجانب السيكيولوجي والموروثات المسئولية عن الطبيعية ، ويتحمل نقص الوعي العام والثقافة الوطنية وهوة الفروقات الفردية المسئولية عن المصطنعة . وليس من طبعنا تفهم اختلافاتنا مع الاخر ومتعلقاته .
الثالثه هناك فراغ سياسي محلي مزمن في البلد يتيح وصول الوصوليين ، وأتاح الظروف أمام لقيادات والزعامات التقليدية لفرض نفسها على النظام وعلى الشعب . الوصوليون والقيادات التقليدية المحافظة بطبعها تماهوا بفئة معينه ، ابتدأت وما زالت لا تأخذ دور الشريك والقائم بمسئولياته الدستورية ، ولا الناصح أو المقترح على الملك بل بدور هدام في سلبيته . وهو خيار طوعي لهم . وأصبحت هذه القيادات مع مرور الزمن معزوله عن هموم الناس والوطن ، وتكرس عملها الرسمي للاحتفاظ بالموقع والدور. حتى صارت تقنع نفسها والنظام بأنها طبقه تحمي نفسها وتحمي النظام . وتتمسك بعدم الاصلاح وبفلسفة الأخطاء والتقصير وقمع أدوات التطور التاريخي . وأشغلت أغلبية الشعب بالبحث عن حاجاته الانسانية الشخصية وعن حماية نفسها من أعداء يجري خلقهم . وتكلم الشعب والكتاب في هذا عقودا دون جدوى ، ليس عنادا من النظام بل من الفراغ السياسي . ومن الطبيعي أن انعزالية تلك القيادات عن الشأن السياسي العام يترك فراغا يجب تعيئته فيكون الخيار للنظام أجنبيا .
إن الحكام لا يملكون عصا سحرية يستطيعون معها فعل الصعاب بأريحية . فبعضهم يتعايش مع الواقع ويتعامل في ضوئه ، والقليلون يضحون بخطوات جريئة . وبصرف النظر عن مفهوم الناس للنظام ووعيه على كل ما يجري وعلى قدرة الملك في استدراك وعكس الكثير من همومهم إلا أنهم بأغلبيتهم الساحقه متفقون على الحفاط عليه . فهو الوحيد الذي يعبئ فراغا ليس في الافق من بديل له سوى المجهول أو الفوضى. والمطلوب هو الانفتاح على الحقيقة وعلى الشعب كله مباشرة .
إن الأساس في الحل الواثق نحو الاصلاح والاستقرار هو في الحياة الحزبية الحرة الفاعله . من خلال حزبين سياسيين رئيسيين برامجيين شعبيين ، فهي تاريخيا وحاضرا القاعدة الأساسية والوسيلة للتغيير وللوصول للحكومات الشعبية المسئوله. وننقلب بها على المحن الثلاثه بتفاصيلها التي تنتج بدورها الرجعية والفساد وتبقيهما . فالاحزاب البرامجية القائمة شكلية وغير شعبيه ووسيلة للإضرار بجدية العمل وتكريس الدجل السياسي . والأحزاب الايدولوجية ليست وطنية خالصه . ولنا عبرة من ماضي التاريخ وحاضره في الغرب والشرق . .. وأطرح تاليا رؤيتي في الحزبين من منطلق أن تأكيد الملك مرارا على فكرة الحزبين يفترض دعمه العملي للتغلب على صعوباتها وتهيئة بيئتها .
إن قيام الحزب الأول ميسر جدا ، وإذا ما قام فسيكون على يد الشخصيات التقليدية المحافظه صاحبة المكتسبات وبشراكة أو دعم من أصحاب المال والمصالح الاقتصادية الكبيرة . إنه حزب يولد من بطن يمتلك البنية الكامله والامكانات على الحشد والتأثير دون مساعدة من النظام ، وما عليه ليقوم إلا تجميع لعبة أحجارها مبعثره . وإن قيامه تقليدا تاريخيا وواقعيا وليس من أحد يستطيع منعه ، كوسيلة للدفاع عن مصالح أصحابه ورؤيتهم في لعبة جديدة . ولكنهم لن يستطيعوا من خلالها تحقيق مصالحهم بمعزل عن مصالح الناس والوطن .
. أما الحزب الثاني ، فإن صعوبات قيامه هي المشكله ، والموقف من تذليلها يضع من يدعي الرغبة بالفكرة وبالاصلاح الحقيقي على المحك . فإنشائه وتمكينه من الوقوف هي المهمة الصعبة والمعيار لحسن النوايا .ويفترض لقيام هذا الحزب تجميع قيادات جديده تحمل فكرا حرا وبرنامجا في مواجهة ما تطرحه قيادة الحزب الأول التقليدية المحافظة من برنامج ، والتوجه لحشد الطبقة الوسطى والفقراء والصامتين وأصحاب الفكر الحر المتجرد ، وما تيسر من أصحاب المال وحتى من القيادات التقليدية المفكره التي تنسلخ عن طبقتها.. وهذه مهمة شعبية . لكن ذلك يتطلب امتلاك حرية الحركة ، وامتلاك الوسائل التي تمكنه من مواجهة ما يمتلكه الحزب الأول من وسائل التأثير بالناس . وفي هذه الحالة سيحتاج لدعم لوجستي مالي مرحلي من النظام من خلال قانون . لتغطية ما يلزم الحزب من جهاز إعلامي محترف يتوجه به لتلك الفئات لاقناعها ، وإلى مختصين ماليين وسياسيين واقتصاديين وإداريين وعسكريين وتهيئة دوائر حزبية لذلك كجزء من عملية انشاء الحزب يتم تطويرها لاحقا .
وهناك ضروريات لتحقيق وانجاح الفكرة تشمل عدم التدخل أو السماح بالتدخل بشئون العشائر وإلغاء كل مؤسساته الرسمية والمرتبطة . وجر أبناء العشائر والمناطق للترشح والانتخاب على أسس فكرية وحزبية يتضمنها قانون الاحزاب ، وإلغاء وزارة التنمية الساسية وأية مؤسسه تتعلق بالأحزاب . وتخصيص موازنة من خزينة الدولة لبناء الحزبين وتحديد سقف للدعاية الانتخابية . وتكريس الانتخاب كواجب تترتب عقوبة على عدم ممارسته ، وليس مجرد حق . وإلزام أو تحفيز موظفي الدولة للالتحاق بالأحزاب ولو في المرحلة الأولى على أن يتحولوا جميعا بعد كل انتخابات لخدمة سياسة الحزب الذي يكون في الحكم . ويفترض حيادية النظام ، وتحييد الجيش والعاملين فيه عن الشأن السياسي الداخلي ومنح هذا الحق فعليا الى العسكريين المتقاعدين . ونتذكر في كل هذا أن الملك قد عبر مرارا عن رغبته في حزبين ويفترض اهتمامه بتهيئة الظروف لولادة الفكره وهي بحد ذاتها تشكل الثورة البيضاء .
وحيث أنه ليس صحيحا منع قيام أحزاب أخرى صغيرة فإن مشكلة تبرز في بلورة وقيام الحزبين الكبيرين .الأمر الذي يستلزم اتخاذ خطوات تنظيمية تحل الأحزاب القائمة أو تلزم نسقا من الاحزاب على التجمع ، أو حتى خطوات راديكالية ولو مرحلية تشجع على انجاح المشروع في مرحلته الأولى .
ولاكتمال شروط عملية الاصلاح يجب مأسسة هيئه عسكريه حره وذات خبره ومحميه بالقانون تحت أي مسمى بعيدا عن الديكورية ، تضطلع بشئون الجيش الفنية العسكرية والادارية حماية للجيش نفسه وللوطن برئاسة القائد الأعلى وهو هنا الملك وتتحمل هذه الهيئه المسئوليه وتكون ملتزمة برأي الحزب الحاكم ومتعاونة معه ،
وهو ما ينطبق على بقية الأجهزة الأمنية دون حاجة لمشاركة الملك هنا ، والذي يبقى رمزا مصانا للبلاد وبكل حقوقه في الدستور الحالي كما أرادها المشرع مع تعديلات لبعض مواده في إطار ما ذكره عللامة الفقه الدستوري الاستاذ الحموري في كتابه الأخير .