حق تقرير المصير مرتبط بحق السياده.. وانفصال اقليم كردستان دون استفتاء يشمل كل الشعب العراقي عمل من أعمال الحرب الداخليه

أقحِم الحديث عن حق تقرير المصير في الازمة الكرديه العراقيه. ولم يكن حديثا في مكانه الصحيح ، وفيه سوء تفسير واستخدام. وبصرف النظر عن وجود حقوق بلا محددات، ولا حقوق معزولة عن حقوق أخرى، فإن حق تقرير المصير كمصطلح سياسي ساد في القرن العشرين ارتبط بالشعوب التي تقع تحت الاستعمار او الاحتلال. فهو حق متلازم ومرتبط بحق السيادة. وكلاهما حقان ثابتان في القانون الدولي ومكرسان في ميثاق الأمم المتحدة. وقد مارست كل الشعوب الواقعه تحت الاستعمار المباشر حق تقرير المصير في هذا السياق باستثنا شعب فلسطين.
وإن سوء فهم العلاقة الوطيدة بين حقي السيادة وتقرير المصير يؤدي الى طريق مسدود وبالتالي الى نتائج وخيمة. وأذكر هنا مثالا للتوضيح في مسألة جزر الفوكلاند بين بريطانيا والارجنتين ولا أساويها بالمسألة الكرديه العراقيه بل أساوي الأخيرة بمسألة اقليم كتالونيا الاسباني القائمه الان بالتزامن مع المسألة الكرديه .حيث في حالة أوكلاند اجتمع وتصادم حقا السيادة وتقرير المصير. فالاغلبية السكانية هي بريطانيه لكن السيادة التاريخية او ملكية الارض هي للارجنتين فتصبح في هذه الحاله ممارسة حق تقرير المصير لسكان الجزيرة تضليلا وتكريسا لاحتلال ارض الغير. فحق تقرير المصير مرتبط تفعيله بحق السياده. وليس العكس.
في المسأله الكرديه العراقيه نحن امام شعوب او اعراق اصيله تاريخيا في وجودها على اراضيها، ولكنها داخل دوله واحده تمثل وحدة جغرافية تاريخية وسياسيه واحدة وحدود معترف بها دوليا وراسخه في القانون الدولي. فهل السيادة تصبح هنا ملكا أو حقا للمجموعات السكانية العرقية والطائفية او لأقاليمها فرادى، ونصبح امام سيادات في دولة واحده أم هي حق للدولة وركن أساسي في مقوماتها؟ والجواب أن الشعب العراقي بكل مكوناته هو صاحب الحق في السيادة ومالكها على أي شبر في الدوله بأقاليمها، وأن السلطه موكله بإعمالها على كل اراضي الدولة وما فوقها وتحتها من بشر وموجودات، ويمكن لها حتى التصرف بملكية الاشخاص لاراضيهم ومنازلهم للمنفعة العامة وفق قانون.
نأتي حكما الأن الى نطاق أو حدود صلاحيات السلطة بالتصرف بالسياده على ارض الدولة كركن مادي أساسي غير عاقل للدولة بموجب وكالة الشعب. والشعب هنا هو شعب الدولة كله كوحدة واحده باعراقه وطوائفه ، إنه يفوض السلطة المركزيه بإعمال السيادة وبممارستة أعمالها بما يخص المحافظة على سلامة الأرض وسلامة حقوق المواطن داخليا وخارجيا ، ولا يفوضها بامتلاكها أوتمليكها أو التخلي عنها . ويصبح حق تقرير المصير في هذه الحاله حقا مرتبطا بصاحب السياده ومالكها الاصلي المتمثل في الشعب كله جماعيا على قدم المساواة. وفي كل الحالات لا يوجد للسلطة اوالحكومات حق في التفاوض او الاتفاق مع جهة اخرى على فصل اراض عن الدولة مسكونة او خالية دون الرجوع مباشرة للشعب. وبهذا السياق فان انفصال ارتيريا عن الحبشه وجنوب السودان عن السودان لم يكن إجراء صحيحا وبارادة شعبية بل بارادة انظمه.
السؤال الأساسي في المسألة الكردية العراقية يصبح، كيف المخرج القانوني والمنطقي لتنفيذ رغبة الأكراد او التركمان او أي مكون عراقي أخر في اقتطاع جزء يعيشون عليه ليكون دولة مستقلة لهم من اراضي دولة واحده بشعب واحد يمتلك بكليته كل الوطن وصاحب السيادة عليه كله؟ فآلية حق تقرير المصير للانفصال عن الدولة في هذه الحاله هو حق جماعي لا فئوي ، ويمارس جماعيا من قبل كل مكونات الشعب وليس من مكون واحد. وفي هذه الحالة تقف حدود الوكالة المعطاة من الشعب للسلطة بممارسة السيادة ويعود الأمر كله في هذه الجزئية لشعب الدولة لا لشعب اقليم او منطقة.
وإن انفراد سكان الاقليم بالاستفتاء باطل وغير مشروع، والمضي فيه عمل من أعمال الحرب الداخلية. ومن هنا وانطلاقا من ارتباط حق تقرير المصير بحق السياده فإن المخرج او المسوغ القانوني لتنفيذ رغبة الأكراد او اي مكون عراقي اخر في الانفصال عن الدولة بدولة مستقله لا يكون مناطا بهم او بذلك المكون وحده أو بموافقته وحده، بل هو حق وشأن مرتبط بموافقة الشعب العراقي بكل مكوناته ومناطقها كصاحب السيادة من خلال استفتاء عام يجري على مساحة الدوله.
وأخيرا ، لو أخذنا الموضوع بمعزل عن الجانب القانوني في سياق حقي تقرير المصير والسياده كما أسلفنا . فإن هناك مسوغا أدبيا وأخلاقيا موصولا بالتاريخ بحق ما يفوق الاربعين مليونا من الأكراد الموزعين في دول المنطقة الاربع وخارجها في أن يكون لهم دولة موحدة في اطار وحدة القضية . إلا أن هناك حساسية عربية واسلامية من شعوب دول الجوار تحمل من الخطورة ما يكفي ، وتتمثل في التحالف الكردي الاسرائيلي الممتد لعقود سابقه في كردستان العراق والمتغلغل فيها حاليا . وعلى الشعب الكردي العظيم أن ينسى حكامه وحكام العرب فهم عابرون ومأساتنا عابره ، وينتبه الى علاقته التاريخية مع الشعب العربي وتناقضه الأساسي المتمثل في اسرائيل . فلسطين هاجسنا وبوصلتنا ومحك صداقاتنا ومعيارها . واسرائيل سرطان يزرع في جسد الأمة فهل تقبلون أن يقفز من فلسطين قلبنا الى العراق ظهرنا؟.
كاتب اردني

Leave a Reply