الأردن اليوم، ويوما بعد يوم، يُمسخ رسميا بكبت شعبي، ولم يبق مرفق في الدولة ولا منصب إلا ويجري تهزيئه وهدمه ولم تبق هيبة للدولة في نفس أي مواطن، والنيل من الدولة نال من العائلة والمدرسة وأهل الفكر والقيادة، المسئولون ما هم مسئولون، هم مسخ ويمسخون الدولة، ولم يبق معنى لملك أو لرئيس حكومة أو وزير أو مدير، إن عمق الاستهتار بالدولة وشعبها وبالمنصب العام يوحي بحالة دولة في انفلات عام أو براع يعمل لأخرته السياسية وكأن دنياها ستموت غدا، فالأردن كدولة يعاني من أزمة حكم وحاكمية، وكل حكومة تتشكل تولد مأزومة.
هناك أصرار لخلق حالة أمام الاردنيين تقنعهم بفك ارتباطهم بالدولة، والرابط بين الاردنيين والدولة مع كل الأسف هو الملك، والملك لم يعد قادرا على التعبير عن هذه العلاقة ولم يعد مقنعا للشعب، حتى بات السؤال من يحكم الأردن على الألسن، أعتقد أن الشعب الأردني يرفض هذا الواقع ويرفض كل مظاهره وسيضطر لرفضه عمليا، إنه واقع سياسي واداري واقتصادي أكبر من القدرة على التحمل وأقل من القدرة على الصمود.
وظواهر عمق الاستهتار والتخبط تبدو موجهة وواعية حين نقرأها في أجهزة معطلة أو محجمه وفي أخرى مستجدة تعمل بلا دستور، ونقرأها في حكومات كلها مأجورة بالمال وبجاه الذل لمهمات لا تلقى قبولا شعبيا فجاءت هزئة وأخرها وزارة الرزاز التي حصرت عملها في تسويق قانون الضريبة وفي استجلاب المنتفعين من أصحاب رؤوس الأموال والشركات ليعيدوا انتاجه بديكور من رويبضات الوطنية.
الحكومات التي سبقت حكومة الرزاز كانت شخصية الرئيس فيها طاغية على وزرائه وتمثل شخصية المعلم على الطلاب وكلها كانت تقوم على الجهل أو استجهال الشعب ولم نتفهم سلوكا واحدا لها أو قرارا، بينما الرزاز هو الوحيد الذي شخصيته غير طاغية على وزرائه،وجاءت لتمثل في مجلس الوزراء شخصية العريف أو المنسق.
ولذلك استطعنا أن نتفهمها عندما تجاهلت احتساب خط الفقر الحالي لقانون الضريبة واعتمدت الرقم القديم الذي كان قائما قبل سنين، حيث وجدنا أن خط الفقر الحقيقي الأعمق والأدق موجود في الحكومة وفي وزارائها، فكل من شاهد بعضا منهم في مقابلة على فضائية فإنه يقرأ ويشاهد خط الفقر في الذكاء والنضوج والثقافة العامة والوطنية لهؤلاء الوزراء، وخط خيانة الضمير والوطن والشعب لمن زكاهم،
إن هذا البعض أو الكل، عينة للفكر الذي يحكمنا ولا يعبر عن مستوى الشعب الاردني ولا عن مستوى خصوصية المسئولية المطلوبة في هذه الظروف،
وقدر هذه الحكومة أن الشعب كله رفض القانون وهو ما سينقذها أو يبكر في رحيلها، الا أن هذا الأمر مرتبط بموقف الملك شخصيا من الاستجابة أو عدم الاستجابة لهذا الشعب الذي حولته أولوية قروض السرقة والفساد الى شعب تجوز عليه الصدقة والزكاة ولا تجوز عليه الضريبه، وأقول مرتبط بموقف الملك شخصيا لا بالديوان الذي لا نعرف فيه الا المجهول والفساد والانسلاخ عن هذا الشعب، لأن ما يبدو لنا هو أن المصلحة الحقيقية لهذا الديوان متناقضة مع المصلحة الحقيقية للملك.
من نعتقدهم يديرون الأمور في الأردن لا يقرأون ولا يكتبون، ينفذون ويقبضون وليس عندهم من شيء سوى الوعود والدجل والكذب، والأردن كأي دولة أخرى ليس أسيرا لصندوق النقد إلا بخياره، ولا صندوق النقد يضع سيفا على رأس مسئول أو دولة ليدخل الى وكر الماسونية، ولا يدخل ويخرج من هذا الوكر سالما الأ الأسود والأحراروالشرفاء لأوطانهم وشعوبهم، إنه صندوق لا يصطاد الا الدول الضعيفة أو المستهدفة، فالدول تلجأ له للاستدانة مقابل شروط يفرضها فقط على الدول الضعيفة والمستهفة، شروط تدمر ولا تعمر وليس منها مكافحة الفساد أو السؤال اين تذهب الأموال التي يزودها بها، بل يشجع على الفساد واغراق الدولة المستهدفة.
إن اصرار الصندوق على القانون والطلب بعرضه على مجلس النواب هو طلب لا غبار عليه بل الغبار فينا وعلينا. والرزاز يفهم جيدا بأنه طلب لا ينطوي فقط على ابتزاز الصندوق لطالب القرض بعدم منحه القرض المطلوب، بل أيضا على تداعيات عدم رضوخ المتورط في القروض لإكمال مسيرة التورط، ونحن كدولة كبلتها القروض حتى أصبحت تمثل نسبة 97 % من الناتج المحلي الاجمالي وأسهم تبخرها في تراجع واتلاف عصب الدولة والمواطن بالضرائب لتغطية كلفة الفساد، مهددين بالافلاس وتعويم الدينار إذا لم نستمر بالاستدانة والفساد، ويستمرون بالتضييق على الدولة وشعبها تمهيدا لفرض القرارات السياسية المطلوبة في البيئة الداخلية المناسبة، الا أن رضوخ الشعب لهذا الواقع ليس قدرا عليه،والحل دائما موجود.
ليعلم كل مواطن اردني أننا في أزمة اقتصادية ومالية لا حل لها لوهبطت كنوز الدنيا وعباقرتها علينا، لأنها أزمة قائمة على تزاوج الفساد السياسي مع الفساد المالي. فنحن مطالبون بأن نحمي انفسنا بمستقبلنا ودولتنا وقضيتنا، وإذا كان الجانب الاقتصادي طُبخ لنا لنكون مستعبدين ننجر للموت بلا حبل، فعلينا أن نعلم بأننا لسنا اليونان لتسعفنا أوروبا،ولن نجد الا من يتكالب علينا، نحن في وضع الدولة التي لم يعد أمامها إلا أن ترمي سهمها الأخير قبل أن يصلها سهم العدو الأخير.
على الدولة كضحية لمعادلات سياسية واقتصادية دولية ظالمه وفساد مرعي، أن تقف بوجه الصندوق والدول الدائنة المبتزة وتعلن العصيان عليه وعليها، وإذا لم تتوفر الارادة السياسية الاردنية لذلك سيجد الشعب نفسه محصورا في زاوية ولا يملك الا أن يعلن العصيان على الدولة نفسها حتى تفيء لأمره.
لا بد للملك الذي يعلم بأن المؤامرة هي عليه شخصيا وعلى الشعب والقضية معا أن يتعض من تاريخ الملك في الأردن، فيبدو أنه راضخ لنصيبه،وأقول له بكل أمانة، أن طوق نجاته ونجاتنا ونجاة القضية يكمن في تحالفه مع الشعب الذي لا يقبل للأن عنه بديلا، وأن لا مفتاح لذلك إلا بالانقلاب على الفساد السياسي الذي يستهدفه ويستهدفنا، وعلى الفساد المالي حتى لو كان متورطا فيه أو صامتا حياله كما يعتقد الجميع، فالشعب يريده سالما وموجودا وقويا والمراهنة على هذا الشعب نتائجها مضمونة.