حين تفتي العمامة بالسياسة

صدق الكثيرون من سواد العرب والمسلمين ما روج عبر السنين من أن اليهود القدامى قد أسسوا ممالك في فلسطين ذات سياده. وهي كذبة مدسوسة يفندها البحث البسيط في نصوص التوراة التي بين ايدينا وفي نصوص التاريخ القديم الموثق والتي تجزم بان كياناتهم المدعى بها هي كيانات اجتماعية لم تكن يوما تحت سيادتهم ولغاية 1948 م عندما احتل متهودو الخزر فلسطين.
ان فلسطين كغيرها من دول المنطقه القائمه اليوم كانت قديما تقع تحت سيادة الامبراطوريات اوالدول ا صاحبة الحضارات الأولى في وادي الرافدين وبلاد الشام ومصر التي تعاقبت على حكم المنطقه منذ القرن الإربعين ق م إلى القرن الرابع الميلادي وهو تاريخ اعتناق الامبراطورية الرومانية الديانة المسيحية رسميا وتحريمها على اليهود سكن فلسطين وكل انحاء الامبراطورية .
تذكر النصوص التوراتية أنه في الوقت الذي دخلت فيه جماعة اليهود فلسطين لأول مرة في القرن االثالث عشر ق م ، فانهم وجدوها تعج بالكيانات المحليه باسم ممالك . ومن يقرا في الاصحاحين 9 و 10 من سفر يوشع يقرأ ممالك حبرون وبرموث ولخيش والقدس واريحا وممالك الحثيين واليبوسيين والاموريين والفرزيين والحوريين وكلها في فلسطين . بل ان التوراه تذكر في سفر صموئيل الاول كيفية اقامة ما يسمونها مملكة اسرائيل ، اذ جاء في الفقره 4 من الاصحاح 8 ما نصه ، فاجتمع شيوخ اسرائيل إلى صموئيل وقالو له انت شخت فاجعل لنا ملكا كسائر الشعوب ، انتهى وتبعها في الفقره 15 من الاصحاح 11 ما نصه ، فذهب كل الشعب الا الجلجال وملكوا هناك شاول امام الرب انتهى وهكذا قامت ما يسميه كتبة التوراة مملكة اسرائيل على جزء من الهضاب الشمالية لفلسطين . وهي في الواقع منطقه يتواجدون فيها وعليها شيخ يدير شئونهمم ولا تخضع لسيادتهم ، وكان إلى جانبها عشرات الممالك مثلها والخاضعة أيضا سياسيا وسياديا لتلك الدول الكبرى التي كانت تضع حكاما أو مشايخ على مقاطعاتها بهدف اساسي هو جمع الضرائب والحفاظ على الأمن.
ومن المعروف ان كلمة ملك وكلمة مملكه كانت تطلق قديما على المدن وشيوخها في مختلف الممناطق وهو تقليد بدأ عند السومريين وشاع بعدهم لدى كل الحضارات اللاحقه . وإن ما أسموها كتبة التوراة ممالك لهم انما كان تقليدا قائما في القديم . واستمر هذا التقليد بشكل محدود في العصور اليونانيه والرومانيه ، واستمر خلع لقب ملك على حكام الجاليات والمناطق لاسيما حين كانت الفئات الاجتماعيه فيها تمنح حكما ذاتيا لرعاية شئونها الدينيه بنفسها . وكان الرومان في عهد الامبراطورية يعينون الى جانب حاكمهم العام مسئولا عن المنطقه من سكانها مثل الزباء مثلا كملكه من اصول عربيه اراميه واسمها اللاتيني Julia Aurelia zenobia وكانت ملكة لتدمر مع زوجها اذينه وثارت يوما على روما حتى اخضعها الامبراطور ،كما ثار اليهود مرة في فلسطين على الرومان وتم اخضاعهم واخراجهم .
ومن الأمثله التي توثق بان ما يدعى بمملكتي اسرائيل ويهوذا كانتا ضمن ولاية الدول التى حكمت فلسطين وأن حكامها كانوا تابعين لقادة تلك الدول ،هو أن قادة تلك الدول هم من كان يعين ويعزل ويستبدل ملوك المشيختين اليهودتين متى شاؤا ، فالاصحاح 24 من سفر الملوك الثاني يذكر ان نبوخذ نصر قد خلع يهوياقيم ملك يهوذا بعد ان غضب عليه وعين عمه متنيا مكانه وغير اسمه الى صدقيا . كما ان سنحاريب الاشورى في القرن الثامن ق م عندما غضب على حزقيا نتيجة تعاونه مع مصر خلعه وسبا اليهود الى شمال العراق . بل انه لم يكن بمقدور اليهود بناء معبدهم دون ارادة الدوله الحاكمه وسكان المنطقه الاخرين ومثال ذلك في الفقرة 3 الاصحاح 4 من سفر عزرا .ونصها ، فقال لهم زربابل ويشوع ورؤساء اباء اسرائيل ليس لكم ولنا ان نبني بيتا لإلهنا ولكن نحن نبنيه كما امرنا الملك كوروش ملك فارس , انتهى . ونحن هنا نتكلم عن الهيكل الثاني الذي بني في عهد الفرس عام 516 ق م حيث تعثر بناؤه سنين لرفض سكان القدس حسب التوراة وحتى لا يعود اليهود ويثيروا الفتن بصفتهم اغراب عن المنطقه. وللعلم كان السبي عقابهم وحدهم دائما لأنهم ليسو من سكان المنطقه الأصيلين .
إن الادعاء بتاريخ سيادي لليهود في فلسطين والمطالبه بدولة فيها هو ادعاء ومطلب معاصر جاء لأول مرة في اواخر القرن التاسع عشر م ، تبناه مؤسسو الصهيونية من احفاد يهود الخزر الذين تهودوا في القرن الثامن الميلادي بعد أن اخفوا خزريتهم الارية وسوقوا انفسهم كذبا كاحفاد لإبراهيم وبني اسرائيل بالتواطؤ مع حكام اوروبا لايجاد وطن بديل لهم بعد قرون من احتلال مملكتهم الخزريه وتلاشيها عن الخارطة في القرن ال13 ميلادي وتجزئتها الى دول مسيحية وفشلهم في العودة لاقامة دولة لهم على اراضيهم او في اي مكان اخر بالعالم . حيث تبنى حكام اوروبا الراغبين بالتخلص منهم مسعى الصهيونية الاستعماري في فلسطين الى ان تمكنوا من اقامة اول كيان سياسي مستقل ذو سياده في التاريخ لليهود او باسم اليهود في فلسطين عام 1948 م
ومن هنا ، فمن الخطأ الفادح والضار بعدالة القضية الفلسطينية أن نسمع رجال دين يقرون بحق االصهاينة الخزريين بشبر من فلسطين التي احتلوها على أساس عرقي وديني زائفين . فمن الناحية العرقية فإنهم لا يمتون بصلة باليهود القدامى ولا هم من أحفاد ابراهيم ويعقوب . أما الوعد الذي يخص اليهود القدامى فقد فقدوه بعد أن حل غضب الله عليهم وتشتتوا في بقاع الأرض وذابو بالشعوب واندثروا . فعندما يقف رجل دين مرموق في غزة ويصرح بأن لليهود الخزريين هؤلاء حق في فلسطين مستجديا شراكتهم فيها فهذا مما يؤكد خطر تدخل رجال الدين في الافتاء بالسياسة . وللعلم فإن الحكومات العربية تجهل او لا تجرؤ أن تدخل تاريخ الخزر الذين يحتلون اليوم فلسطين في مناهج الدراسة رغم أن التاريخ الاوروبي والعربي يوثق عرقهم واصولهم ويوثق مئة عام من الحروب بين الخلاقة الاموية ومملكة الخزر .