خدعتان يعيشهما الأردنيون… الدولة والهوية… خيارنا إما مواجهة الجرح بمكون أردني واحد نبنيه.. وإما البحث عن مبكى

هو الأردن مكونان وملك، ثلاثتها في حالة دفاع فاشلة عن مصالح النفس لا تلتقي، لتكون جميعها بالضرورة في حالة فقدان الوزن، ويكون الوطن مرعىً طاردا ينضب عشبا وماء وأمناً، وفي الرجس مقيد إلى يوم التحرير.. شعب يخاف التأهيل توجسا ونظام غير مؤهل، فالجبهة الداخلية تشكل بيئة صالحة لأي مشروع تصفوي، ماذا تنتظر أمريكا وإسرائيل؟
إن أخطر خدعة يعيشها الشعب الأردني اليوم هي اعتقاده بأنه ما زال يعيش في دولة. لا أتكلم نظريا، فالأرض مطلوب رأسها، واليد الأجنبية موضوعة عليها، والسكان غائبة عنهم مفاهيم الدولة والشعب والمواطنة والرعية والرعايا، وفاقدون لحريتهم ولكرامتهم الوطنية ولكل اعتباراتهم القانونية والسياسية والإنسانية، ويعيشون حالة المواطن المستقر على الضيم والعبودية مقابل من يطعمهم ويجلدهم، في حظيرة مغلقة عليهم ومفتوحة لكل وحش.
والسلطة في الداخل لا تنتمي للأرض ولا للشعب ولا لقضيته وكل شيء يمكن أن يكون مرجعيتها إلا الوطن. مافيا تنهب السكان والارض وما بها أو عليها بقوة القانون والعسكر. وفي الخارج أسيرة تحت أشد أنواع الإبتزاز بتركيعها لا بمجرد ترحيلها بل أمام القانون والعدالة المزيفتين بما ارتكبته وترتكبه من أعمال المافيات بحق شعب ودولة مفترضة، إن لم توَقِع. مافيا غبية استنفذت كل الأقنعة وعادت تعيش مكشوفة.
ولكني أتكلم واقعيا، عن أية دولة نتحدث… وكل مقدراتها مبيوعة كبضاعة محروقه بحكم كونها مقدرات مسروقة، وخزينتها جاري –مدين over draft بمليارات تتعاظم أرقامها. وعملتها بجرة قلم تصبح ورق شده، أي دولة هذه ولا يوجد فيها مؤسسة واحدة ممأسسة، ولا مسئول واحد أكثر من مأجور بوظيفة ناطور أو سكرتير ينفذ برامج تدميرية للإنسان الأردني القابع في لا دولة، كيف هذه دولة وكل ما فيها مسميات وهمية بمضمون فاسد ومستقبلها مرتهن؟ ولا يجد فيها المواطن البسيط من يلجأ اليه بمحنة أو مظلمة سوى الملك يناديه ويتوسل اليه عبر الأثير، بينما الملك مشغول بنفسه بلا نظام ولا سلطة ذات سياده. وكل ما يعتقده في جيبه أو حسابه هو موضع نقمة عليه وعلى الأردن والقضية الفلسطينية والشعب، إنه عند أصحاب المشروع الصهيوني محل تفاوض عسير.
القضية الفلسطينية تصفى اليوم في الأردن، والأردن يلحق بفلسطين، فنحن في ساحة حرب باردة فاصلة غير متكافئة، نموت فيها أو نحيا. والظرف لا يتقبل إلا العمل الذي يستنهض الشعب بسواده ويخرجه للشارع. ظرف حصري للمقاومة السلمية العارمة وليس للأيدولوجيا السياسية والاقتصادية ولا للأحزاب ولا لصالونات التنظير. لقد فات زمنها كلها. بينما الشعب بمكوناته يتفرج ويرفض التعبير العملي عن النفس، ونخبه تعتاش على جراحاته في القيل والقال تتسابق.. والجبهة الداخلية فيه منهكة ومنقسمة في تطلعاتها وحسابتها وفي الرؤية السياسية الضيقة في داخل المكون الواحد من جهة وبين مكونيها الرئيسيين من جهة أخرى. فخطورة المشروع الصهيوني وجريانه بسلاسة في الاردن وفلسطين لم يغير من سلوك هذا الشعب شيئا. بينما تستغل اسرائيل الوقت الضائع باستكمال التطهير العرقي في القدس أولا وفي فلسطين، لا يقاومها في هجماتها سوى ردات فعل السكان في غياب رهيب للسلطة وانشغال المقاومة بالتحديات التي تواجهها.
ماذا تنتظر أمريكا؟ السهم الصهيوني الفتنوي المسموم ما زال غائرا في نفوسنا نحن الفلسطينيين والأردنيين في الأردن. ولن يخرج من أحدنا ما لم يخرج من الثاني. المشروع الصهيوني ترك فلسطين وراءه بشعب منقسم على نفسه ودخل ليعمل الأن في الأردن بشعب منقسم على نفسه أيضا. بصرف النظر عن اختلاف السبب، فالمتسبب واحد. ولن تكون مواجهة لهذا المشروع في الأردن إلا في الشارع وبالكتلة الحرجة ولن يحدث ذلك إلا بمكون شعبي واحد ومشروع واحد. من أين نبدأ لنصنع هذا المكون الواحد؟ ومن أين يبدأ الحوار والتلاقي ونحن نعلم بأن ليس لأي مكون من المكونين هوية سياسية جامعة له ولا رؤية سياسية مشتركة ولا ممثلين، ولا مشروع متعلق بمواجهة التحدي الوجودي الداهم الذي اقتحمنا ليصفي القضية ويفتك بالأردن وشعبه.
لم يبق مجال للشك بعد مشاهدتنا لحيثيات مؤتمر لبحرين بأن ليس هناك صفقة فيها أخذ وعطاء بين طرفين، بل صفقة لا مال فيها ولا جاه ولا أرض، طرفاها أمريكا بمشاركة الحكام العرب العملاء المتعثرة بطريقة الإخراج فقط، والملك من جهة ثانية، قوامها التوطين الرسمي في الأردن وإنهاء مسألة اللاجئين. وهذا ما تنتظره أمريكا واسرائيل من الملك حصرا، فذلك ما تبقى على اسرائيل لإنفاذ واختتام مشروعها في فلسطين والأردن أو فشله. فالملك المكبل بمختلف القيود التي سلم نفسه لها هو الجهة المعنية بالصفقة وبإصدار القرارات المطلوبة لها. وليس أمامنا من أدنى مؤشر على أنه يفكر بالرفض وبالمواجهة، بل بالمقايضة الابتزازية التي لا نعلم تفاصيلها على وجه اليقين. لكنها بالتأكيد تتعلق بالمستقبل السياسي للأردن ونظام الحكم المطلوب وموقع الملكية من ذلك.
كفانا نحن الشعب بمكونينا سذاجة، فلن تكون هناك سيادة لدولة قادمة في الاردن ولا أرضا مصانة ولا وطن ولا مواطنه ولا هويه. الحقوق في الأردن القادم ستسلب والواجبات ستفرض. وستغزوه المستوطنات الاسرائيلية من شماله لجنوبه وتلحق بمستوطنتي الباقورة والغمر…
الهوية الوطنية الأردنية فصلها المستعمرون كما فصلوها في بقية الدول السايكوسبيكية العربية بالذات. سيسقط السؤال من هو الفلسطيني ومن الأردني حين تقابله أسئلة من جنسه تطال وتنال من هويات أصحاب السؤال أنفسهم في جنوب الأردن وشماله، وتنال من هويات كل المنابت والأصول من غير العرب.
وستجيب هذه الأسئلة بنفس الوقت على القبائل والعشائر الأردنية مهما صغرت أو كبرت والتي كانت تقطن أراضيها من مئات السنين بسؤال مقابل هو، هل كانت لكم هوية دولة وطنية أردنية قبل عام 1921 أم هوية جهوية مرتبطة بمدينة أو قرية مرتبطة إداريا بخارج الحدود القائمة اليوم. وإن كنتم تتمسكون باحتكار الهوية الوطنية الأردنية فالمستعمر سيقول لكم أنا صنعتها لكم كما صنعتها لغيركم وأنا من أنزعها. هذا المفهوم سنواجه به في الأردن رغم وجوده في كثير من الدول، بسبب دولتنا المنهارة وضعفنا وزيف وطنيتنا وتشتتنا وجهلنا وطمعنا وغياب الرؤية. وسيصبح شعار الجميع، تسقط كل المنابت والأصول وتسقط الهويات الوطنية المفصلة أمام هوية الوطن وقومية الأمة. ولعلي أتمنى بهذا من كل أردني أن يقرأ كتاب ( أثار استعمارية تشكل الهوية الوطنية في الأردن ) للمفكر العربي الأردني البروفسور في جامعة كولومبيا \ جوزيف مسعد..
نعود، من أين نبدأ لنصنع مكوناً أردنيا واحدا على قلب واحد مؤهل للخروج للشارع لمواجهة المشروع الصهيوني بالكتلة الشعبية الحرجة التي تفرض نفسها وتعبر لأمريكا وللنظام عن وجود شعب رافض لا يمكن تجاوزه. فهناك قدوات أردنية تحظى بثقة شعبية كبيرة، وشخصيات وطنية وسياسية وحزبية ونقابية أخرى من كلا المكونين لم يُختم على قلوبها وأبصارها بعماء العنصرية والإقليمية أو تقديم المصالح الذاتية على القضية والوطن. ولا بد من أن تلتقي لبلورة تصور وموقف سياسيين للقضية الوطنية حصرا، وأسس إقامة مكون أردني واحد مهيئ للمواجهة السلمية على قاعد قاعدة مشروع سياسي مستقبلي واستباقي لدولة بأي نظام ديمقراطي كان، بعيدا عن مصطلح الدولة المدنية المشبوه، يوضح الصورة المستقبلية المنشودة لنا جميعنا وينهي الشرذمة السياسية التي تصطادها الجهات المعادية. على أن يعطي المشروع الأولوية للملكية الدستورية لوجود بنيتها. وأن يراعي الحفاظ على الهوية السياسية الفلسطينية. وستتهيئ عندها الفرصة للتنسيق مع شعبنا وشريكنا في الاستهداف الواحد، في فلسطين.