خصوصية الفساد في الأردن.. وطريق المكافحة

إن للفساد قي الاردن خصوصية يندر وجودها في دولة نامية أخرى ، من شأنها أن تشكل خطورة نادرة عليه . فليس في الأردن مورد وطني أساسي كالنفط ليغطي كلف الفساد عندما يقضم مفردات الموازنة ومخصصات احتياجات التنمية والمشاريع الحيوية والنفقات المتكررة ، على عكس ما هو عليه لحال في الدول النامية . فتلجأ الحكومات الأردنية الى حلول سهلة عليها من خلال استخدامها لثلاث وسائل في أن واحد بغية استمرار الدولة على أسس مؤقتة . وكلها وسائل هشه وخطيرة على الدولة سياسيا وتنمويا واجتماعيا . وهيي الاقتراض الخارجي وسداده في وضعنا لا يكون ألا سياسيا ، واختصار المشاريع التنموية ، والتوسع المستمر في فرض الضرائب والرسوم غير المقنعة لشعب فقير ليس مسئولا عن هذا الفساد، ولنا أن تصور كيف يكون عليه الأمر عندما يصبح هذا الشعب غير قادر على دفع كلفة الفساد من شقائه .

ونبحث هنا في النيه الجادة والمنتجه لمكافحة الفساد والتي لا تقوم إلا على النهج الوقائي الذي يسد الثغرات القانونية والادارية والسياسية التي ينفذ منها ، وصولا لمنعه أو تحوله الى حالات فردية معزولة لا تشكل ظاهرة ولا خطرا من ناحيه ، ويسهل ملاحقتها من ناحية ثانية . ومعروف بأن مكافحة أي وباء اجتماعي وحتى بيولوجي لا يكون الا بالأسلوب الوقائي والاحترازي ، وتجاهل هذا ، يعني أننا نبقى في تراجع ننتظر المحظور ، ليصبح عدم اتباع هذا النهج بمثابة الفساد أو الاصرار عليه .وإن النهج الوقائي هذا يتطلب بداية توفر مستلزمين اثتين أساسيين .

يتمثل الأول بإحلال وتكريس هيئة لمكافحة الفساد بدلا من دائرة مكافحة الفساد ، وذلك على قاعدة انهاء سياسات ومصالح قائمة ووضع سياسات ومصالح وطنية ، وتتكون من خبراء ومختصين على صعد القانون والاقتصاد والادارة والسياسة، من خارج نطاق سيطرة وتوجيه الحكومات . وبحيث تعمل هذه الهيئة من خلال لجان فرعية مصغرة من مختلف الميادين في ظل نظام خاص يمنحها الاستقلالية الادارية والمالية والحصانة والتحرر من اي نوع من التدخلات . وبالتوازي ، أن تقوم هذه الهيئة بنفسها تحديد الجهات الدولية والشخصيات والمؤسسات التي ستستعين بها ، وذلك من واقع تجارب بعض الدول النامية التي نجحت في مضمار مكافحة الفساد ، وأن تسترشد بالاتفاقيات والتوصيات الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن مكافحة الفساد وخاصة اتفاقية مكافحة الفساد

تضطلع هذه الهيئة بمهمات تبدأ بمراجعة شاملة لنصوص القوانين والانظمة اوالتعليمات لادارية على صعيد كافة مؤسسات الدولة العامة والخاصة دون استثناء ، الغاء وتعديلا واستحداثا لسد كل الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها الفساد أو بسييها ومعالجة كل نص يقننن الفساد بصورة ما لا سيما العبارات الملتبسة كعبارة وللوزير أن ……. التي تذيل أو ما يشابهها الكثير من مواد الأنظمة . والتركيز في هذا على كل ما يسمح اويسهل فساد الصف الأول في الدولة لخطورته بسبب حجمه وحصانته وصعوبة اكتشافه ، وتحت أي مسمى كانت الوظيفة ومهما علت ، وتحت أي مسمى كانت الدائرة او المؤسسة مهما كانت حساسيتها ما دام الانفاق من المال العام . ويجب أن يكون العمل والانفاق كليهما ممأسسا وشفافا ضمن القنوات الرسمية ، ويجري ذلك في ظل حماية قضاء قادر على تحقيق العدالة وحماية حقوق الدولة في كل الظروف ومن كل الاشخاص ، وبما يطال الاصلاحات السياسية في الأمكنة التي يؤدي فيها الفساد السياسي الى فساد اداري فمالي ، ونظاما ضريبيا يعرف طريقه الصحيح يردفه نظام جباية فاعل ، فالتهرب من الضريبة سرقة مشتركة من خزينة الدولة ومن أكبر الجرائم وأعيبها في الدول الحديثة ، وكما يطال التعامل مع الشركات الأجنبية وفق المعايير الوطنية وتثبيت اجراءات مكافحة تبييض الأموال واسترداد قيم وعوائد الفساد ،وبما يشمل القطاع الخاص وعمله وتعامل الأخرين معه . ومن ثم التوصية بما يترتب على كل ذلك من استحقاقات لتعديلات دستورية

أما المستلزم الثاني فهو الارادة السياسية والتضحيات ونحن نتكلم هنا عن الدول غير الديمقراطية التي لا تحكمها المؤسسية المهيمنة بقوة القانون ، حيث يكون توفر الارادة السياسية لدى النظام أو قل صاحب القرار هي البديل في مثل هذه الدول ، وتصبح أمرا أساسيا في عملية اتخاذ القرار والقدرة على تنفيذه في مكافحة او إنهاء ظاهرة الفساد . فالقرار في هذا سياسيا ولكن الإرادة السياسية لاتخاذه تصطدم بمحذوريين أو عائقين لا بد من تجاوزهما .

الأول ، ان المكافحة الجادة للفساد على تلك الشاكلة ، سيرافقها إصلاحات يترتب عليها نتائج سياسية صعبه من جراء فقدان قطاعات متنفذة لامتيازاتها ومكاسبها وسلطتها القائمة على هامش كبير من حرية الحركة خارج القانون والمستندة الى غياب المؤسسية والقدرة على استغلال المحسوبية أو القضاء وتسخيره والتوكؤ عليه . إن هذه القطاعات عندما تفقد مكاسبها وسلطتها ستشكل من ناحية قوة شد عكسي قويه ، ومن ناحية ثانية سيفقد النظام بفقدانها أدوات أو حلفاء تقليديين . وهو الأمر الذي يجعل من توفر الارادة السياسية للتغيير ليس سهلا ويتطلب من النظام روح المواجة والتضحية

أما العائق الثاني أمام توفر الارادة السياسية فيكمن في صعوبات لها مساس في السياسة الخارجية لبلدنا ، وهي السياسة المرتبط تنفيذها بتطويع السياسة الداخلية لخدمتها أو عدم التعارض مع أهدافها . في حين أن الاجراءات المتخذة في مكافحة الفساد ومستحقاتها تتجاوز الخطر على المصالح والمكاسب الأجنبية ، الى احتمال أن تشكل خطوة أو سابقة تشجع أو تقود الى أصلاحات حقيقة وتعديلات دستورية من شأنها أن تشكل عائقا أم تنفيذ السياسة الخارجية وارتباطاتها التحالفية التي قد لا يستطيع عليها أو لا يرغب بها صاحب القرار ، وعندها سيكون هذا عائقا امام الارادة السياسية