كان استهداف روسيا بثقلها العسكري للجيش الحر والفصائل المعارضه قد ترافق في البداية مع إنكارها لوجود جيش حر او فصائل فاعله على الأرض. وكان إنكارا متعمدا من واقع إيمانها بقدرتها على تطويع أو تقزيم الجيش الحر وبقية الفصائل من أجل تحقيق هدفها المبكر والحقيقي وهو انقاذ الاسد وإعادة اعتباره وصولا لإسقاط فكرة جنيف 1 القائمة على هيئة حكم لمرحلة انتقاليه واستبدالها بحكومة وطنية برئاسة الأسد . ولا شك ان هذا الهدف كان يتفق تماما مع رغبات ادارة اوباما( وليس امريكا) ومع محور ايران . واستلمت اسرائيل تطمينات لا يستبعد ان تكون موثقة.
عندما فشلت روسيا في هدفها العسكري هذا ، سقط هدفها السياسي الذي كان يعتقد بأنه الأسهل ، وهو إعادة انتاج الأسد على أسس جديدة ، من خلال لعبة حكومة الوحده الوطنية ، . لكن هذا السقوط الذي اخذ شكل الانسحاب أو التراجع الروسي حمل معه عنوانا جديدا هو الإدعاء بأن المهمة قد انجزت بتحقيق هدفها الذي أسمته هذه المره، ” بناء وتحقيق ارضية للتفاوض السياسي” .
إلا أن هذا الهدف الأخير الذي عزت روسيا تدخلها العسكري إليه ، جاء بنتائج غير مواتية لها ولهدفها الحقيقي ، وذلك من واقع أن الضربة التي لا تميتك تقويك . فهذا التدخل عندما فشل في تطويع أو تقزيم المعارضة وفي تحقيق طموحات الاسد فإنه قد عزز من وحدة المعارضه ووجودها العسكري وحضورها السياسي وجلب لها الدعم العربي والاعتبار الدولي وبالتالي كان صحيحا أنه مهد أرضية للتفاوض ولكن غير تلك التي كانت تسعى لها روسيا .
تشير المعطيات بأن مفاوضات جنيف في هذه المرحلة لن تكون بأكثر من إجرائيه جدليىة تنصب على مرجعية التفاوض المختلف عليها بين النظام المتمسك بعدم دفنه لفكرة الحكومة الوطنيه الميته، وبين المعارضه المتمسكه بهيئة الحكم الانتقالي . والمبعوث الدولي لم يتجاوز قرار مجلس الامن 2254 ، وجينيف 1. حيث أعلن أن مرجعبة المفاوضات هي البحث في المرحلة الانتقالية ، لكنه يعلم بأنه لا يستطيع فرض رأي على أي من الطرفين المتفاوضين، وكان عليه كوسيط أن يضمن موافقة كلا الطرفين المسبقه على مرجعية للتفاوض قبل الدعوة للمؤتمر الذي سيكون بخلاف ذلك عبثيا للمعارضه ، أما للنظام والآخرين فسيكون واحدا من سلسلة مفاوضات مقصود فشلها .
، وبهذا فقد استمعنا الى ممثل المعارضة وهو يشترط أو يطالب بأن لا يكون للأسد وجود في المرحلة الإنتقالية وهذا مطلب منطقي ، ولكن عندما طالب بأن لا يكون لرموز النظام وجود فهذا يجافي منطق البحث عن سوريا موحده ومستقرة ويخل بمبدأ التسوية السياسيه . فالتركيبه السكانية والطائفية لسوريا ليست كما هي في مصر مثلا حتى نطالب باقصاء رموز النظام السابق ، لأن هذه الرموز تمثل في الوقع زعامة ومصالح طائفة كبيره هي العلوية ومعظمها ينضوي تحت زعامة النظام ، وتشكل الأساس لمقاتليه في الساحه . فالثورة السورية جاءت على النهج القائم في سوريا وليس على فئة من شعبها . ولا يستقيم أن تتبع المعارضه نفس هذا النهج . وبالتأكيد فإن اصرار المعارضة على هذا المطلب يصب في صالح الأسد ، حيث سيستخدمه للتطرف وفي افشال المفاوضات ويتيح له المجال للبحث عن السلطة في تقسيم البلاد في المحصله .
إن مجرد عقد المفاوضات على أساس مرجعية المرحلة الانتقالية حتى لو كان دون شروط من المعارضة هو أمر ليس سهلا على نظام الأسد وإيران ولا مقبولا لهم . فهو يعني بالنهاية انتقال السلطة وانتها ء النظام الطائفي وتضييق الحلقة على عنق حزب الله وانتهاء النفوذ الايراني في سوريا ولبنان . وعليه سيكون امام النظام السوري هدف واحد مع خيارات لتحقيقه .وهو السعي غير المباشر ، الى جعل سوريا دولة فدراليه كخيار دولي وعربي وليس كمطلب للنظام السوري الذي ما زال مستخدما ورقة القومية .
ومن هنا سيقوم مسعى النظام هذا على سيناريو من ثلاثة مرتكزات . الأول هو التصعيد العسكري على الارض السورية ، وبحيث يبقي على الحرب قائمة وربما الجنوح لإعطائها الطابع الطائفي والبعد الدولي الأعمق . والثاني هو السعي السياسي في الكواليس الدولية لخلق قناعة بصعوبة اطمئنان الطائفه العلوية على أمنها ومستقبلها وحقوقها ، وسيلقى هذا الحديث آذانا صاغية من الدولتين الكبرتين وايران واسرائيل ، ويشكل رسالة واضحة بخيار الصفر عند النظام . أما المرتكز الثالث والمكمل الأهم فهو افشال المفاوضات القائمه باسلوب ممنهج وعلى مراحل تبدأ بإعتماد التطرف في المفاوضات وإطالتها وعدم التوافق على مرجعيتها وتنتهي بإعلان ديمستورا بفشلها وانتهاء دوره ، لتعقد أخيرا مفاوضات على مرجعية المرحلة الانتقالية ولكن على خلفية التوافق الدولي المسبق على ان ينص الدستور الجديد على سوريا فدرالية
إن هذا السيناريو الذي سيقسم في المحصلة سوريا طائفيا وعرقيا وينهي القضية الفلسطينة ويثبت اقدام ايران في المنطقة ليس قدرا محتوما . فالخطط السياسية تفشل أو تنجح أو تتبدل وفق الأحداث والمتغيرات والموازين على الأرض. فتحقيقه يعتمد على السلوك العربي وتحالفاته . والنار لا تقف عند حدود سوريا . فهل يكون للعرب موقف وسلوك مختلف ؟ . نأمل أن يكون ما شاهدناه من تطور في العلاقة السعودية المصرية ومن موقف جديد للأردن أمرا استراتيجيا يبشر بالصحوة