تُوضِح التطورات الاخيرة على صعيد الازمة السورية بجلاء أولوية روسيا في وقف نزيفها الاقتصادي على أسس تضمن مصالحها دون اعتبار لمصالح حلفائها الميدانيين بما فيه ايران ونظام الأسد. فروسيا لن تحتمل ولا تقبل الاستمرار بحرب مكلفة دون أفق لتسوية. وبالمقابل فإن الصهيونية الأمريكية، التي وفرت على نفسها الكثير من جراء قيام روسيا نيابة عنها في إبقاء توازن التدمير لسوريا وشعبها قائما، ستستجيب لحاجة روسيا على أساس من الشراكة في تسوية تؤمن المصالح والأهداف الامريكية \ الاسرائيلية.
طوَّرت الظروف عنوانا مشتركا للسياستين الامريكية والروسية للمرحلة القادمه هو “الإقتصاد”، فهذه سياسة أصلية لإدارة ترمب، قد تلاقت مع حاجة اصبحت ملحة لروسيا. وستسقط أمام هذا العنوان أو تُسوَّى مشاكل سياسية معقدة ، ولن يكون في الطريق كبير، بل سيكون هناك مهم، ولن يكون هناك حل سياسي في سوريا دون مباركة اسرائيل وتغطية اهتمام تركيا كدولة سيكون تموضعها السياسي القادم معيارا لتغيير خارطة العلاقات الدولية أو بقائها. ولن يكون تأمين مصالح روسيا في سوريا بمعزل عن أزمات اخرى في إطار صفقة، وستستوعب روسيا موقف ترمب من اسرائيل ومن ايران. فنحن أمام تفاهم امريكي روسي يقوم على تشابه المصالح ومقايضتها بعيدا عن المُثل.
إن اتفاق وقف اطلاق النار الأخير برعاية روسيا وتركيا هو اتفاق سياسي في واقعه، وُضِعت تفاصيله في اجتماع مسبق في موسكو حَضَرته ايران، وإن غيابها عن اتفاقية وقف النار يُفسَّر من قبيل عدم الرغبة بإلتزامها.
إن موافقة روسيا على اعتماد جينيف 1 وقرار مجلس الأمن (2254) كمرجعية للتفاوض المزمع، واعترافها بفصائل المعارضة التي كانت تعتبرها ارهابية، لا يمكن أن نفهمه كتحول صادق في السياسية الروسية، أو ايمانا منها بتلك المرجعيات، ولا بسلوك عبثي. بل ربما استدراجا لادارة ترمب إذا لم يكن في اطار تفاهم مسبق معا صريحا أو ضمنيا، وفيه أيضا جلبا لأطراف النزاع إلى الطاولة بلا اوراق ، ورسالة قاسية لحلفائها بانتهاء فصل. ولا شك أن امتناع بوتين عن الرد على امريكا في المواجهة الدبلوماسية الأخيره فيه رسالة لخطب الود وحسن النوايا.
من السذاجة بمكان أن نعتقد بأن طموحات السوريين نظاما أو معارضة ستكون محل اهتمام للروس والأمريكان في المفاوضات، بل ستكون محل استغلال لطرفين أسيرين ليس منهما قادرا على فرض نفسه أو تحقيق رؤيته السياسية، فالاطراف السورية المتقاتلة كلها ليست مستقله بقرارها وإمداداتها، ومدينة بوجودها وببقائها الى اطراف دولية واقليمية، وسوريا ونظامها محتلان عمليا من قبل روسيا بموافقة أمريكية، وشعبها أصبح بين لاجئ ونازح ومسجون في بلده مطلبه الخلاص بأي ثمن، وروسيا لا تحتمل إلا أن تكون شريكا لأمريكا في أية تسوية.
تمكنت روسيا بعد معركة حلب من جر طرفي النزاع السوري الى طاولة المفاوضات بلا أوراق، بترحيب دولي. مما يعني أن محصلة الحل ستكون امام خيارين ليس منهما ما يضمن سوريا موحده ولا سوريا قويه ومتآخية ولا ديمقراطية، فهذا كله لا يضمن مصالح روسيا والصهيونية الامريكية ولا أية دولة اقليميه. والخياران يؤديان لنتيجة واحده.
الأول، هو التفاوض العقيم وصولا لفرض الفدرالية كخيار يُجعَل وحيدا ، تتوزع على دويلاته نفوذ الدول ذات المصالح تحت ستار الحماية ، بحيث يكون نفوذا ضامنا لأمن واستقرار اسرائيل، وتبقى الجولان لمفاوضات الزمن. وسيكون هذا الحل نموذجا وسابقة لتعميمه على الدول المرشحة في المنطقة. فنحن أمام تطوير سايكس بيكو الى ترمب — بوتين .. الثاني، يأتي في حالة تمرد ورفض اطراف النزاع او بعضهم لفكرة التقسيم الفدرالي. وبهذه الحالة سيصار الى اخضاع كل الاطراف المتحاربه عسكريا بتعاون امريكي روسي وبالتالي اخضاع سوريا وإعلانها دولة محتلة من قبل دولة ما كروسيا مثلا أو توضع مباشرة تحت وصاية الأمم المتحده حيث تبدأ عملية التأهيل والبحث في التسوية السياسية مع مكونات الشعب السوري التي تقاد لتصل الى الخيار الأول.
وعلى جميع الأحوال فإن نجاح او فشل تطبيق وقف النار، ونجاح او فشل مؤتمر الاستانه سيكون مؤشرا على موقف حلفاء روسيا مبكرا. وسيكون ذلك نقطة تحول روسية امريكية مبكره.