إن عوامل التحليل للتطورات في منطقتنا أضحت في دائرة السهل الممتنع . فهناك أكثر من مشهد مستجد امامنا وكلها تساقطت كالمطر لا كالغيث بعد الاتفاق الامريكي الايراني بشأن الملف النووي الذي مازال يخفي وراءه الكثير من المفاجأت . ويبدو أن سوريا والنظام السوري كانا محل مقايظه ووعود قبلت فيها ايران من خلال الخط الذي كانت تفتحه حينها مع روسيا ، الأمر الذي ساعد على وجود انفراجات وتفاهمات ما كان لها ان تكون الا على ثغرات وغموض في صياغات الاتفاق يفسرها كل طرف لصالحه ساعدت على اتمام الاتفاق . وهكذا هي طبيعة القرارات والاتفاقيات الدولية التوافقيه بشأن المسائل المعقده . ولا شك أن فك الحصار السياسي عن ايران ودخولها كشريك اساسي فيما يحدث بالمنطقه كان المطلب الاساسي لها ، وتحقيقه كان السبب والمحفز الاساسي لانضمام روسيا كشريك فاعل فيما يجري ،شراكة قد يتجاوز هدفها المقايضه على ملفات أخرى داخل وخارج الاقليم ، وهي التي لم تحصد من القطبية الاحادية التي قدمتها لأمريكا سوى حالة المهانة والعزل الاقتصادي والسياسي والطوق العسكري من الغرب كله .
. ومن خداع النفس أن لا نقر بأن البعد الطائفي هو سيد الاليات السياسية المستخدمه في حلف ايران – سوريا – حزب الله ، وسيد ألات الطرب عند الولايات المتحدة . ومن المكابرة بالمحسوس أن لا نقر بأن لحوم الذبيح العربي هي محل الحرب ومحل تنازع المصالح السياسية والاقتصادية لأطراف اللعبة الثلاث، امريكا وروسيا وايران . ومن المضلل أن ننسى بأن هذه المنطقه تتبع للنفوذ الامريكي وأن روسيا وايران تناضلان هذه المرة من أجل تأمين مصالح استراتيجية دائمه فيها ،وأن امريكا ستسعى بصعوبة الى تحجيمها لمكاسب سياسية او اقتصادية في المنطقه وخارجها في كثير من الملفات على قاعدة تأمين مصالح اسرائيل السياسية والأمنية ومصالح امريكا الجيو سياسية والعسكرية والنفطيه . بمعنى أن ما قد تحصل عليه روسيا من الورقة السورية( إن كانت فعلا مجرد ورقه ) وما تحصل عليه ايران من استعمارها للعراق، سيكون مشروطا بعدم التأثير على مصالح اسرائيل في المنطقه بل سيؤمنها ويحميها .
ومن هنا فإن استراتيجية اوباما والخطأ الذي ارتكبته ادارته عندما قدمت تنازلات ساسية غير محسوبة لايران وقبلت الاسد في المرحلة الأولى للتسويه قد قضم هيبة أمريكا و قزم وعرى الدور الامريكي في المنطقه. وسيجعل صانع القرار الامريكي مضطرا للمقايضة على تأمين الحل في سوريا دون وجود الاسد الذي إن بقي سيكون مرتبطا وملتزما كليا بروسيا ويؤمن لها قوة تفاوضية كبيرة وحقوقا في المنطقة أكبر من الحقوق القائمه حاليا ويضع روسيا في قالب الاتحاد السوفيتي على حدود اسرائيل . وعليه فإنه في حالة التوجه لإقامة نظام بقيادة سورية جديدة لا تغطي اهتمامات روسيا وايران فسيكون عندها من مصلحتيهما الدفع باتجاه اقامة دويلات طائفية في المنطقة تبدأ بالعلوية وينتشر المثال في المنطقه .وإن أمريكا لن تمانع في هذا ولكن على شروطها .إلا أن روسيا وفي كل الحالات لن تقايض على وجودها العسكري في المنطقه، والخلاف الامريكي الروسي على شخص الاسد إن لم يكن مجرد ورقه روسيه تفاوضية عابره فسيؤدي هذا من ناحيه الى صعوبة تحقيق حل يؤمن الاستقرار في المنطقه و سيقود من ناحية اخرى الى تعطيل عمل مجلس الامن الذي يمثل النظام الدولي القائم بعد انحلال الدوله السوفييتيه….. إيذانا بانتهائه.
إن الولايات المتحدة عندما أعلنت الحرب على داعش وبرمجت زمنها ومعاركها واستثنت ايران من التحالف رهن مفاوضات الملف النووي ، بقيت روسيا محجمه بسياستها التقليدية وبهاجسها في الحفاظ على وجودها العسكري في سوريا . وتأمين ذلك كان مرتبطا بحرصها على منع سقوط الاسد بالدعم العسكري عن بعد ، وبخيارات دبلوماسية .ونتذكر كيف تدخلت باللحظه الحاسمه وسلمت السلاح الكيماوي السوري ثمنا لوقف الضربة الأمريكية ولم تجرؤ على أكثر من ذلك حينها .
إلا أن اختلال ميزان القوة لصالح التنظيمات السورية المناوئه لدرجة التهديد الفعلي بإنهاء نظام الأسد في الوقت الخطأ لأمريكا التي يهمها وجود النظام كهدف مرحلي ، قد جعل من الطبيعي أن توافق ادارة بوش على التدخل الروسي تحت ستار محاربة داعش لحفظ التوازن بدعم النظام السوري عن قرب الى الحد الذي يمنع سقوطه أو سقوط العاصمه والمناطق العلويه ، ، وليس لقضم قوة الطرف السوري الاخر او استهدافه ، وليس حتى لمحاربة داعش من خارج الخطة الأمريكية . وما كان لروسيا أن تطور موقفها بهذا الحجم لولا استحقاقات الاتفاق الايراني الامريكي بشأن الملف النووي .
إن روسيا وبقية الاطراف تعلم أن داعش ليست النقيض الاساسي للنظام السوري لتكون هدفا روسيا إلا إذا كان لها ولحلفها الجديد خطة خفية عميقة البعد ورغبة في استباق المخطط الأمريكي الذي قد يهدد الوجود العسكري الروسي الحيوي للغاية في سوريا . بل أن داعش كانت الورقه الذهبية للنظام السوري ، ويحرص عليها لأنها تجر له الحلفاء وتبعد عنه الاعداء وتمنحه الخطاب السياسي المنطقي. وتعلم الأطراف كلها بأن بقية التنظيمات السورية المعارضة والمقاتله هي التي تشكل نقيضا للنظام ، وإن أي اختلال تصنعه روسيا بميزان القوة بين النظام وبين تلك المنظمات سيكون له أبعاد خارجه عن اللعبة لن تقبله امريكا .
ومع ذلك فإن أية مشاركه روسيه في ضرب داعش ستكون محل دراسه لصناع القرار الامريكي العميق وليس لأوباما ، وذلك بقدر ما يؤثرالأمر على المخطط الامريكي وقيادته للحرب ونتائجها السياسية المتوخاه . فأمريكا تقبل التدخل الروسي الى الحد الذي يبقي على التوازن والاستنزاف والمشاغله لعام كامل ريثما تأتي الادارة الامريكية المحافظه صاحبة القرار والفعل . فليست هناك للأن إشارة حقيقيه على قرب الحل السياسي ،ومع أن روسيا لا تعطيه الأولوية ما دامت لا تشترك في صنعه ،فإن فالاشاره الحقيقيه على قربه هي في اتخاذ قرار أمريكي حقيقي للتخلص من داعش والذي يقوم على خطة امريكية سياسية مختمرة مدعومة بخطة عسكرية أطلسية حاسمة تكون سيدة في تنفيذها .والحال يقول عجز الحمار عن الحمل فتركه للفيل يواجه به الدب.
لكن المستخلص المهم للتدخل الروسي هو في طبيعته وحدوده وبعدم الاتفاق مسبقا على تفاصيله مع ادارة وباما والغرب ،وبقيامه على تحالف مواز جديد ضد الارهاب استبدلت معه غرفة الموك الى فيلا تديرها روسيا ، . وهذا مؤشر على رغبة روسيا في العودة لثنائية القطبية تبقى فيها اسرائيل مصانه من القطبين ، أو التلويح بهذه العوده . وفي هذه الحاله سيكون لدينا تحالف استراتيجي لدولة عربية مع قطب محظي ، ثمنه استعمارها مباشرة مقابل تأمين الحكم لطائفة ، وفيه استنساخ للحالة الايرانيه العراقيه . وهنا يكون بوتين قد استثمر ضعف ادارة اوباما الى جانب الاتفاق النووي ، الأمر الذي قد يصنع حراكا وشيكا يقوم به المتشددون في أمريكا والغرب . ويعيد النظر في الاتفاق وطريقة تسويتة في ظل دخول روسيا على الخط واستعدادها لدعم ايران وتوفير حاجتها التكنولوجيه
امام هذا المشهد توزعت المواقف العربية بين من يرى أن ما يجري لا يعنيه إلا بقدر ما يصله من النار مباشرة . وبين من يوزع اشارات التعقل والحياد والنفاق على كل الفرقاء . وبين من همه وقضيته هي بقاء او رحيل شخص بشار . وهذه الفئات الثلاث غائبه سياسيا عن المشهد ومكشوفة لكل الأطراف ، والأدوار تمنح لها أو لا تمنح ، وخطابها السياسي جميعها ما زال محصورا في البعد الانساني والقيمي لما يجري ، وفي تلميع نفسها بسمفونية الاعتدال وشتم داعش والارهاب . ومن يقرأ خطاب اوباما في الجمعية العامة يجد فيه شهادة وفاة العرب دون تأبين، ويجد فيه لوما وتقريعا لأنظمتنا واتهاما لها . وكأنه يدافع عن نفسه تبريرا لما يفعله واستباقا لما سيحدث لدولها .
وكلمة غير معترضة أقولها ( شعوب تلتقي على وقع الدف وصلاة الجمعة فقط ، وتثور على رفع سعر الخبز وانقطاع الكهرباء ، وحكام يلتقون على مائدة الأجنبي فقط ويثورون على معارضة المعارضين من شعوبهم فقط ) . إنها الردة قد قتلتنا بعد أن أحالتنا جميعنا الى منافقين .ولم يترك عقلاء الامة اقتراحا للحل إلا واقترحوه ، سوى حجاب او عمل من شيخ مشعوذ….. فليكن…. .وعندها يكون المأتم وتتوجب قراءة الفاتحه.