نحن امام شخصيتن جدليتين نرجسيتين وربما شوفونيتين، على راس دولتين تمتلكان القدرة على تدمير الحضارة وترك من يتبقى من البشر لحياة بدائية، خطوة بسيطة غير محسوبة قد تكون قاتله، ماذا لو تعقدت العلاقات بين روسيا وامريكا ودار الصراع البارد بينهما فوق سورريا، فكيف عندها يكون التصور للتسوية السلمية في هذا البلد، وماذا اذا تطورت الامور الى صدام مباشر محدود بين الدولتين فوق الأراضي السوريه، فهل سيتطور وكيف، أم يمكن السيطرة عليه او احتوائه.
يعتقد الكثيرون خطأ بأن هناك فرصة لحرب عالمية تجد إن وقعت من يسميها بالثالثه، إن أية حرب عالمية جديدة لا تساوي عبارة الحرب العالمية الثانية او الأولى . انها الحرب الأخيره ،بكل أسلحة التدمير الشامل لا تبقي ولا تذر، ولن يكون فيها منتصر، لقد قال روبرت مكنمارا وزير الدفاع الأمريكي قبل عقود باننا لو فاجأنا الاتحاد السوفييتي ودمرناه ، فسيدمرنا من خارج حدوده.
إن احتمالية حرب عالمية جديده كانت وما زالت ضربا من الخيال وما يجعلني التحدث بها الأن أني اضع لها احتمالا لا يزيد عن الواحد بالترليون، هو استلام زمام الأمر في الدولتين شخصان بمواصفات ترمب وبوتين ويتجهان للسلوك الدكتاتوري، ولكن اذا علمنا بأنهما يعلمان أن بأن هذه الحرب بمثابة انتحار لهما ولدولتيهما، وعلمنا أن اوروبا ذات المثل وامريكا المتسيدة حضاريا وعسكريا واقتصاديا وفيها نظام ديمقراطي موثر على رئيسها، لن تقبل الفناء بالمجان، وعلمنا أن حق روسيا القطب الاضعف بالتلويح احيانا بالردع أمر يمكن تفهمه، فإني أراهن على سقوط هذا الخيار المدمر.
ان حالة الاحتكاك البارزه حاليا بين الدولتين تقوم على التنافس على قيادة الازمه في سوريا بعد تدويلها وبعد استغلال الدول والتنظيمات لها لاجنداتها الخاصه، وما كان لهذا التنافس الساخن أن يقوم ويتطور لو لم تجد روسيا نفسها فجأة الجهة الصانعه والموجهه للحدث العسكري والسياسي في المنطقه وبقرب اسرائيل، واكتسابها اعترافا دوليا بذلك في منطقه حيويه لأمريكا، فروسيا احتلت وضمت القرم ولم تتطور الأمور لمثل ما تطورت اليه الان من الحدة لاختلاف.
لقد اصبحت الرياده في التأثير العسكري والسياسي في الازمة السوريه الممتده في المنطقه الى روسيا أمرا واقعا لم تسْعَ اليه ، بل جاءها في لحظة غياب للسياسة الامريكية التقليدية في المنطقه، ودخلت سوريا بنية حماية مصالحها بعد ان شارفت دشق على السقوط بأيد مجهولة، والأن اصبحت امريكا بحاجة للتنسيق معها لاستعادة دورها الذي اصبح ضرورة ملحه لاسرائبل ايضا، ورسائل البلدين مفهومة لكليهما لكن روسيا دفعت ثمنا باهظا للنقطة التي وصلت اليها ولن تسلمها بالمجان، وبالمقابل انها تعيش كابوس سقوط الاسد قبل تأمين دويلة سوريه تؤمن مصالحها والا سيبقى خيارها عسكري لعدم وجود أي فصيل سوري معها؟
ستعود امريكا لريادتها في المنطقه وتدخل سوريا وغيرها من بوابة الارهاب المفتوحه وحماية المدنيين، وتجهد لهذه الغاية، فالوضع في سوريا فرصة ذهبية لاسرائيل تضغط فيها من خلال ترمب للتخلص من النفوذ الايراني في المنطقه وصولا لرأس حزب الله والملف النووي، ومسألة القصف بالكيماوي كانت بمثابة بالون اختبار روسي في سماء أمريكا ترمب، والضربة الامريكه كانت فرصة لرسالة امريكيه لروسيا التي تراوغ في التقاطها.
المناطق الأمنه ومعركة الرقه هي الوسيله التي ستعود بها امريكا بقوة لسوريا كصانعه للحدث الذي يعيدها لمركزها ويحقق الاهداف الاسرائيلية ومخطط التقسيم ولن تبدأ اقامة هذه المناطق قبل التمهيد اليها سياسيا واداريا مع المنظمات الدولية . ومن المرجح وربما المؤكد أن يكون للأردن دور عسكري اساسي رديف للدور الأمريكي ، يقوم على تنظيف وتهيئة الارضية الملائمه للمنطقة الأمنه في جنوب سوريا الذي يتقاسمه الجيش السوري وميليشيات ايران وحزب الله والتنظيمات الارهابية من ناحيه ، وتنظيمات المعارضه والصديقة للاردن من ناحية اخرى . ولربما ايضا يشارك الاردن بدور في معركة الرقة لجانب قوات سوريا الديمقراطية التي يتزعمها الاكراد كبديل للمشاركه التركيه المشروطه.
وإن دخول الاردن مثل هذه الحرب البرية الجوية حتى لو سميت بعمليات عسكريه لن يتم بدون مساعده امريكيه، وسيستلزم ترتيبات داخلية جديدة تطال الادارة والاقتصاد والمراكز القيادية يحافظ بها على سلامة الجبهة الداخلية وهدوئها وانجاح المهمه، ومن المهم أنه في حالة اتخاذ هذا القرار فعلا، أن لا يفاجأ الشعب بذلك، وإن غياب ثقة الشعب بمجلس النواب يفرض على الحكومة أن تبرر للشعب خطوتها ليكون عضيدا اساسيا في حماية الأمن الوطني الذي سيكون عرضة للاختراق.
وعودة لسيناريو المرحله ، فلا شك أن الصراع الدولي فوق سوريا غايته في هذه المرحله حصول الاطراف الكبيرة على مكاسب نفوذ جغرافيه وقتاليه وتحقيق وجود نوعي كورقة يستخدمها هذا الطرف او ذاك على طاولة المفاوضات التي وحدها في النهايه تحدد المكاسب والاهداف في طبيعة التسوية، وهناك في الواقع طرفان رئيسيان هما امريكا وروسيا وما تبقى ضباع وفرائس، وسيتم في هذه المرحلة المحافظة على الاسد واخراج المنظمات الارهابية واخراج او تعطيل فاعلية ايران وميليشياتها عسكريا وسياسيا كمطلب امريكي اسرائيلي أساسي، فطبيعة التسوية لن تخرج عن اعادة هيكلة سوريا جغرافيا وسكانيا في اتحاد فدرالي ليس للاسم فيه نصيب ولا لايران فاعليه عسكرية ولا لتركيا القدرة على تعديله ولكن فيه حفاظا على مصالح روسي .
بقي أن نتلمس البديل الذي قد تلجأ اليه الدولتان من خارج التفاهم المار ذكره والاقوى احتمالا، نستثنيه هنا افتراضا على سبيل النقاش بالخيارات االسيئه في سياق تداعيات الضربه الأمريكيه التي فتحت نقاشا امريكيا روسيا بلغة تراشق الرسائل المشفرة على الهواء ، وهذا يكون في حالة رفض تعاون روسيا مع امريكا، ورغبتها بالتصعيد لاسباب قد تتعدى الاستئثار بالوضع السوري، ونستثني ايضا ما يسمى بحرب نوويه محدوده لأسبابها.
الاحتمال الأول، حربا بالوكالة على الساحة السوريه والعربية يعيدنا للشعور بحالة الحرب البارده والقطبيه الثنائيه مما يعني االعودة لتعطيل فاعلية مجلس الأمن، ومثل هذه الحرب لن تكون بالتأكيد خيارا لروسيا المنهكه الا كخيار الصفر، وليست ايضا خيارا تسعى اليه امريكا، وهذا الخيار يعني فشل الحرب على الارهاب وتراجعها لصالح تفعيل وكلاء الحرب على الساحة السوريه وكذلك تعليقا للتسوية السلمية وانخراطا أكبر للدول العربية يوصل النيران اليها، ومن هنا فهذا الخيار يبدو مستبعدا وما أن تدخل به الدولتان حتى يتراجع طرف عنه وبالذات روسيا.
الثاني، حرب اقليمية بالوكاله بين الدول العربية وايران تحركها امريكا وتدعمها انطلاقا من سوريا وتمنع فيها اسرائيل وتركيا من التدخل وتتكفل فيها امريكا بحماية اسرائيل فنيا وبتهديد ايران، إن مثل هذه الحرب التي تنهي ما تبقى لدى العرب وتدمر المقدرات الايرانية وتهدد موارد النفط لن تقبلها روسيا ولا هي حلا لأمريكا، فهي مستبعدة ايضا.
والخلاصه ليس أمام روسيا الا أن تتقبل عودة امريكا لمركزها في المنطقه حفاظا على مصالح القوتين، فالتراجع الامريكي شبه مستحيل.
كاتب اردني