يجتمع العالم اليوم بشرقه وغربه على قضية واحدة تشغله، وهي ما يجري في المنطقة العربية وسوريا منها المركز.
وتشكلت أمامنا ثلاث كتل سياسيه . تتكون الأولى من ايران والنظامين السوري والعراقي وحزب الله وجيوب في دول عربيه . وطبيعة هذه الكتله طائفيه واصطفافها طائفي بدا عمقه يتشكل بعد ثورة الخميني وتخندق نظام الأسد الأب مع أمريكا لاحتلال العراق. وقيادة هذه الكتلة ايرانيه وهدفها المعلن يأخذ دائما شكل الدفاع عن حقوقها . أما غير المعلن فيختصره المراقبون العرب برغبة ايران في تحقيق اطماع قومية استعماريه في الوطن العربي . ويختصره من غير العرب في تحقيق مصالح استراتيجية من خلال خلق اوراق ضاغطه . وهذه الكتله تأخذ وضعا هجوميا في كل الحالات.
اما الكتلة الثانيه فهم السنه العرب دولا وشعوبا ومنظمات وتنظيمات بعيدا عن استخدامنا هنا لمصطلح الارهاب وممارسته على ساحة الكتلتين وهو المصطلح الذي عرقلت أمريكا تعريفه وتحديده في الامم المتحدة ليكون لعبة فضفاضه بعد انتهاء فترة ثنائية القطبيه . واتخذت هذه الكتله صفتها ككتله من كونها المستهدفه فقط. فهي غير متصالحه مع نفسها على مستوى الانظمه والدول والتنظيمات . وشعب أي دولة منها غير متصالح مع نظامه . والولاءات فيها متشتته ، ويحكم أنظمتها سياسة القطرنة غير الراشده باستخدام شعار القطر أولا بصورة غير متوازنه ليفصح تطبيقه عن شعار النظام أولا . وذلك ما يمنع تشكل موقف وطني أو قومي كما يمنع وجود قيادة لها .
أما الكتله الثالثه فهي المعسكرين الغربي الاطلسي وحلفاؤه التقليديون من جهه وروسيا وحلفاؤها أو اصدقاؤها من جهة أخرى . وهذه الكتله هي الاقوى في السلسله الغذائيه البشريه وصراعها ليس للنيل من بعضها بل على مصالحها الحيوية والاستراتيجية في المناطق ومنها اليوم المنطقه العربيه . وليس من المنطق ولا من سلامة التفكير أن نعتقد بأن أيا من معسكري هذه الكتله يخسر مالا أو ارواحا قلت او كثرت من أجل مصلحة أي من الكتلتين الايرانية والعربية بل من أجل هدف تحقيق او حماية مصالحهما الاستراتيجية . وأن مصالح اسرائيل وامنها وحمرة خطها هي من الثوابت المشتركة بين معسكري الكتله . ومناصرة أي منهما لإحدى الكتلتين الاقليميتين ليس استراتيجيا .
علينا أن نتفق بأن فلسطين ليست هدفا استراتيجيا لأي من الكتلتين العربية والايرانية على المدى المنظور ، ومواجهة اسرائيل ليست على أجندة أي منهما ، فكليهما لا يسعى الى سراب وهو يعرف بأنه السراب .فالأنظمه العربية تعلم يقينا بأنها لا تمتلك أيا من اسباب ومقومات هذا الهدف ولا التحالف اللازم له ، وإيران لا تجعل من تحرير اراض الغير اولوية لها . وهي تعلم أيضا أن ليس هناك من نصير او حليف دولي لها ولغيرها في مواجهة اسرائيل أو إيذائها لاسيما روسيا . وما صراعها مع اسرائيل والغرب الا من قبيل المزايده والتهديد بهدف الابتزاز وتحقيق مأربها الخاصة بها.وما دون ذلك هو توكؤ وخداع . أما الدين على الجانبين الشيعي والسني أصبح ضحية سوء الاستخدام على مذبح اغراض سياسية.
أمام استثناء أي هدف حقيقي لايران يتعلق بفلسطين وتحريرها أو بنصرة الدين ، وامام خمس سنوات من التدمير المتسرب لكل الدول العربية بأيدي ايرانية ومعها كل مأجوري العالم برعاية وحرص امريكي روسي على استدامته المتوازنه في غياب رؤية سياسية شفافه أمام العرب أقول ، بأن الدول العربية كلها في خطر . فلا نجسدن اللعبة بمحاربة الارهاب ولا نحجمنها بشخص الأسد فهو طرف سوري كغيره في الحرب والتدمير ولم يهزم لتكون المطالبة باستثنائه من مفاوضات جادة للتسويه مطالبة منطقية ، ولا بد من اشتراكه للمصادقة على سيناريو خروجه من الحكم ولعبة الموت ، وإبعاد شبح التقسيم عن سوريه . ان سوريه اليوم لم تعد حاضنة لموزاييك قومي وديني ومذهبي متحد وعروبتها على المحك وهو الأهم ،وليس هناك من قيادة عربية مفاوضة بعد أن كان لنا هذا حتى في الحرب العالمية الأولى .
وبعد ، ما الذي تريد أن تحققه أمريكا وإيران في وطننا العربي في ظل وضوح حدود التدخل الروسي المنحصر لو بحده الادنى في الحفاظ على وجوده التقليدي في سوريه وهو وجود ليس بأخطر من الوجود الأمريكي الاسرائيلي في المنطقة بل يحد من خطورته ؟ فإذا كانت طموحات ايران تقف عند فرض نفسها كقوة اقليمية فهذا حق لها وتستطيع تحقيقه من واقع ما تمتلكه من مقومات ذاتية . وهو أساس صالح ومتين لهذا الهدف . أما إذا اختارت أو اختير لها أن تحقق ذلك على حساب أشلاء جيرانها العرب فهذا سلوك من الماضي لا يدخل في أدوات العصر ولا مشروعياته ، ولا يشكل أساسا لبناء القوة الاقليمية الراسخه حيث أنه أساس قائم على ارضية رخوة وهشة يتمثل بأوراق ضاغطة مقتنصة تستهلك واحدة تلو الأخر . أما إذا كانت امريكا متفقة مع سلوك وهدف ايران هذا وبما يحقق المصالح الاسرائيلية فالأمر يصبح مختلفا جدا .
فأوراق ايران هذه لا تصلح إلا كأوراق للمتاجره وتحقيق غايات مرحلية ثم تمضي مع استنفاذ الغرض أو الصحوه . بدءا بحزب الله وسيطرتها على القرارين العراقي والسوري ، وانتهاء بالورقة الأخطر وهي تلك المنبثقة عن تنصيب نفسها مسئولة عن الطائفة الشيعية في الدول العربية ، تماما كمسئولية إسرائيل عن يهود العالم . وتتمثل هذه الورقه بتجييش واستخدام الشيعة العرب للثورة على دولهم بأنظمتها وشعوبها من بني جلدتهم . وخطورة هذه الورقه تتجاوز اختراق وحدة الشعب العربي لترتد بنارها على نفسها بعد استنفاذها ، وهو ما يفرض على عقلاء الشيعة العرب أن يحسبوا حسابه .
إن ايران هي الوحيدة من بين كل الأطراف التي ليس لها مبرر ولا مصالح تدافع عنها في بلاد الشام (مركز الحدث ) . ومن هنا ينطلق التساؤل فيما اذا كان هدفها يتخطى هدف فرض نفسها كقوة اقليمية الى تحقيق أطماع استعمارية كغايه، بواسطة خلق انظمة عربية عميلة لها في المنطقه ؟ وعما إذا كانت قادره على فرض ارادة 8 بالمايه من سكان سوريا ودول عربية اخرى على 92 بالمايه في هذا الجو المشحون طائفيا وقوميا في المنطقه
إن الأنظمة العربية وشعوبها وإخوتنا من الشيعة العرب مدعوون جميعا للتدبر فليس أي منهم في أمان ، فالتفاوض الحقيقي اليوم ينحصر بين معسكري الكتلة الثالثه ،والهدف الأمريكي غير واضح لأي طرف وهذا من أسباب تحوط روسيا وتدخلها القوي . والانظمه العربية مطالبة بفرض وجودها ككتلة مفاوضه أساسيه بتصور قومي واحد ، ورفض الانتقائية في إشراكها بالمفاوضات . ولتكن المسئولية جماعية ، وليمارس ما يقال بالعلن ولو مرة واحده على طاولة المفاوضات .