ما كان للصهيونية ولا لأي قوة غاشمة أن تُحقِق ما حققته في فلسطين والوطن العربي، ولا للشيطان أن يجرأ بالقول بسلخ القدس والأقصى عن تاريخنا وعقيدتنا لولا غدر وشراكة حكامنا. وما كان للحكام هذا لو كان لشعوبنا وزن سياسي أو قيمي أو مادي في ميزان الحكم. يهوداً كان هؤلاء الحكام أو عرباً متصهينين، خوناً من تحت الطاولة كانوا أو من فوقها، إنهم ركَّاب حصان طروادة في وطننا فأعداؤنا في أحضاننا يحكومننا. ولم يعد أمام أي عربي أو صادق في اسلامه وأميناً في علاقته مع ربه ووطنه إلا أن ينسى ماضي صمته أو استغفالة ويتخذ موقفا عملياً في تلبية النداء. والبداية في أن يعتبر بقاء أية علاقة تطبيعية لمسئول أو حاكم لقطر عربي مع العدو الصهيوني اليوم على أي مستوى علامة صارخة على أنه شريك أصيل ويدٌ صهيونية يهودية في ذبح الوطن العربي وشعبه وذبح فلسطين والفلسطينيين والقدس والأقصى، وجزء أساسي من نفير المغضوب عليهم.
لتسمع تركيا وإيران وكل دولة اسلامية. فما يجري في بلادنا اليوم هو فوق التفسير بغير أنه الحكمة الإلهية والامتحان لنا. شعب فلسطين خيار الله في الواجهة والاستشهاد، وقدَّم ما لم يقدمه شعب في التاريخ وبما تنوء بحمله الجبال نيابة عن الأمتين. كفانا خذلانا وكفرا، لنكن كلنا فلسطينيين. ولا كلام بغير المقاومة ولا جهاد إلا في فلسطين. حشدكم وقواتكم لا تعنينا اليوم إن لم تتراجع وتصبح وجهتها فلسطين. لا نريد عطفا ولا تعاطفاً ولا تمنيات، نريد فاتورة القدس والمقدسات تدفع دماُ على ثرى فلسطين الوقف الاسلامي. نريدها معركة حسم على ثرى الأقصى. وللعرب أقول نعم إن تلبيتنا كشعب للنداء واجب وفرض وصحوة وموقف نُسأل عنه، وفيه إفشال وخذلان للعدو وتراجع. إلا أننا وفي كل الحالات لا نستطيع فصل واقعنا المر عن أسبابه.
وهنا أتي لمسار المقال، فأمرنا شورى بين أعدائنا. ولا بد من أن نضع الآية في مسارها الصحيح. المشكلة التي تواجه شعوبنا هي افتقادها لسلطتها على نفسها ووطنها وقرارها. وإن فشلها في مسعاها للتغيير واسترداد حقوقها تلك تقع على مستويين ولا بد من التعامل معهما. الأول، هو افتقاد شعوبنا وخاصة في دول الطوق لبديل سياسي وطني جاهز أو مؤهل للحكم، فجُل جهد ووقت الحكام مستمر في محاربة كل الاسباب والمنافذ لذلك. أمّا على المستوى الثاني، فهو افتقاد شعوبنا لمرجعية وطنية شعبية موازية. وهذان السببان يجعلان من انتفاضات شعوبنا ضحايا بلا ثمن وتُبقي على الحاكم الخائن موضع ثقة لسيده الأجنبي ومختزلاً للشعب في شخصه. وتجعلان من الثورة الشعبية مغامرة عبثية تنتهي بدكتاتور أكثر مناعة وقسوة. وإن عدم اختراق الحالة في المستويين يعني بقاء الشعب يعيش حالة شرذمة وطنية وانتماءات ضيقه وفاقد التماسك وغير ملتئم حول فكرة الوطن وحمايته، ويلغي بالتالي خاصية الشعب، ويصنع من بيننا خونة ً ومتعاملين وحملة أجندات خارجية وبما يشكل جسم النظام.
نحن نتكلم عن الديمقراطية كمسألة حياة أو موت للدول ضمن النظام الدولي القائم. فهي ركيزة حماية للوطن والمواطن ولحقوقه، ووسيلة نماء وتطور للدولة بشعبها. ومن هنا جاءت الرؤية الاستراتيجية الصهيو أمريكية في تحريمها على أقطارنا وجاء ما ترتب على ذلك من مستحقات، ولعل من أخطرها سعيهم لصنع دكتاتورين عملاء لهم ملئ اليد فكانت سياستهم في تربية ورعاية مشاريع عملاء في بلادنا والعثور على يهود فيها وتجنيدهم في مواقع سياسية وعسكرية وإيصالهم للحكم. ومن يدعي من حكامنا بأنه عربي وأنه فعلا كذلك فهو إذاً خنزيرُ خيانة. وأسأل بالمناسبة شعب السعودية والإمارات بل ومصر، هل هم من خرج عن ملة العرب والمسلمين أم حكامهم، نريد أن نسمع جوابا منهم في الشارع.
وفي هذا السياق لعل هناك سلاحاً استخدمه الغرب الصهيوني ضد شعبنا أكبر من سلاح الحكام العملاء، ورضخنا لهذا السلاح الذي نال منا في العمق، ألا وهو ثقافة القراءة والبحث. فلا أحد يمنعنا من القراءة، بل نحن أمة إقرأ، وكلمة إقرأ عنوان رسالة الاسلام ولم يكن ذلك عبثاً. لقد قرأنا ونشرنا الرسالة وسُدنا، وعدنا لا نقرأ وأصبحنا المستضعفين في الأرض. وأجزم لو كنا نحن العرب نقرأ الكتاب والمكتوب والمحكي، ونقرأ الحدث، لما تمكن منا العدو أياً كان لبوسه. فقد عدنا عُمياً مُستغفلين في ظرف نهضت به الأمم وكل قوى الشر، فظهر فينا حكاما متحالفين مع العدو أو منه، وظهر فينا الجهال وُعَّاظاً والرويبضة ولاة والحكام عملاء ً والدين تجارة رائجة والحج عكاظا سدنته كفار، والمجاهدون مرتزقة في جيوش العدو.
سنبقى بعيدين عن الديمقراطية ويبقى الإستهداف المباشر لفكرة الشعب والوطن قائماً ما دمنا نفتقد لحل في اطار المستويين المشار اليهما. وما دام العدو ناجحا في هذا. فلا وطن بدون شعب ولا شعب بدون وطن. لا أبرر في هذا فشل الشعب العربي في مواجهة العدو الخارجي من داخل عواصمه، ولكني أرى صعوبة أمامه ً في تحقيق الديمقراطية التي بها وحدها نصوب مسيرتنا، إنه يواجه استراتيجية محكمة لمقاومتها من عدونا، يعضدها ما هو أهم وأعمق وهو عدم قناعته بها كشعب عربي رغم أنها جزء من تعاليم عقيدتنا. مما يجعل منها مستعصية على المدى المنظور والمطلوب. فالديمقراطية ثقافة نفتقدها، إنها ليست من تكويننا الاجتماعي ولا من موروثنا الثقافي. ونحتاج لبناء فكرتها في عقولنا ونفوسنا أولا، ثم بناء أسسها وأطرها السياسية. بينما لا الجرس وحده مُنتِج ولا مُعلِّقه موجود. وثورة الشعب على حكامه في غياب البديل الوطني الجاهز للحكم قد تُنتج وعياً ولكنها تنتج معه مناعة للدكتاتورية أو كرسي شاغر ليشغله أخر أكثر مناعة وقسوة.
إلا أن لدى شعبنا الإمكانات لصنع مرجعية شعبية وطنية تأخذ على عاتقها دوراً تُنهي فيه اختزال الشعب وقراره بالحاكم العميل وبقراره في أعين وسلوك أسياده المستعرين، وتَصنع بوصلة وطنية تُبقي على تماسك الشعب على طريق التحرر وإعاقة المشروع الصهيوني، فهذا الشعب يمتلك من خارج النخب الصدئة والمدجنة والمتخنة، نخبأً سياسية شعبية مثقفة ومفكرة ومضحية مغمورة وقادره على حمل رسالة الوطن والمواطن.
نحن في دول الطوق الأكثر استهدافا وفي ورطة الدكتاتورية العميلة، ونعيش حربا وجودية علينا. ولا بد من مخرج للديمقراطية والتحرر. فهل يعقل أن نبقى ننتظر قدرنا ونخرج مع مرور الزمن من قيمنا وانسانيتنا وتاريخنا ؟ أم نبحث عن وسيلة غير نمطية ؟ إسقاط الحكام في حالتنا لا يحل لنا مشكلة بل يعمقها، وبالمحصلة نحتاج لحكم صالح فقط، ولا حكم صالح بدون حكم ارادة الشعب. فنحن لسنا في عهد الخلفاء الراشدين ولا عمر بن عبدالعزيز، ولا خصائص الحقبة الدولية ومفاهيمها عادت نفسها اليوم. فاين نبحث عن الأمل الديمقراطي في ضوء وضعنا.
أقول في هذا، حيث أن العرب يعشقون الدكتاتور ويسيرون خلفه ويسمعونه من واقع ثقافتهم الأبوية، وأن تطور سلوك الدكتاتور طوَّر لديهم الخوف من بطش السلطة، ويعشقون المؤامرة من واقع أن العربي دبلوماسي بطبعه بحكم قساوة الطبيعة وتحت هاجس النفعية والنجاة بالحياة، أقول إن هذا كله الى جانب واقعنا المر والصعب واستعصاء الديمقراطية بمثابة السم. فهل بإمكاننا استحلاب الدواء منه ؟. والتساؤل هنا في سياق الحيثيات والعصف الفكري المفتوح للقارئ. هو ألا يوجد في هذه الأمة من حكيم قاهر لهوى النفس يَلبس لشعوبنا ثوب الشيخ الدكتاتور ومتآمر بنفس الوقت على الدكتاتورية؟ يصل للحكم ويضع نصب عينه مهمة البناء الراسخ للديمقراطية في النفوس والعقول وعلى الأرض كأولوية تَسقط أو تتراجع أمام سلامتها المواقف والأولويات، ويسوق الأمة إلى الديمقراطية والحكم الصالح ؟.إنها وجهة نظر.