عاصفة اليمن …. إلى جينيف رقم 1

لقد دلت الشواهد التاريخية قديما وحديثا أن العدو أو المستهدف لمكون عربي ، جغرافي أو سياسي او ثقافي ، يعمد الى أن يضع في تخطيطه الاستراتيجي هذا المكون في إطاره العربي الشمولي وليس بمعزل عن الجسم العربي ككل . ومرة أخرى أما آن لنا أن نتعامل مع مع نظرته هذه لنا ، كجسم واحد بمصير واحد . لعل الأحداث الجارية في الجنوب العربي ونتائجها الأولية تفرض علينا أن نراجع الاستراتيجية العسكريه والسياسية للحرب المجزوءة التي تخوضها السعودية نيابة عن العرب . نحن لا نريد أي استنزاف للسعودية ولا لليمن ولا نتائج يتوخاها الغير من هذه الحرب ، فالحلقة تتوسع في مشرق جسمنا ومغربه وتضيق على رقابنا .

. إن ما يقيم الحروب أوالمعارك يتعدى تحقيق أهدافها المعلنة الى النتائج السياسية غير المحسوبة التي تنتج معها وعنها فيما إذا كانت مواتية ومرغوبة أم لا . فالأمر لا يقف عند عدم تحقيق الاهداف المعلنة للعاصفة أو جدليتها ، بل تخطى ذلك الى النتائج السياسية التي تولدت على الارض والتي تبدو مواتية للحوثيين وصالح ، وشكلت لهم ولرعاتهم نصرا لا يبدو كافيا لهم ولا هو المقصود بحجمه . فمع بدء عاصفة الحزم تنفس العروبيون والوطنيون واليمنيون واستبشروا في نهوض عربي من تحت الرماد . واحتسبت العاصفة مصدر فخر لأن السعودية والعرب قد مارسوا لأول مرة حقهم الطبيعي في الدفاع عن النفس وعن الارض العربية من واقع ميثاق الامم المتحدة دون اللجوء لمجلس الأمن. وكان هذا هوالاجراء القانوني والصحيح كقرار من الناحية الشكليه قد اتخذناه . وعزز من التفاؤل أن استمعنا الى الإعلان عن حشد عربي مقاتل بكل وسائل القتال وليس عن دولة واحدة . ومع بداية القصف الذي افترضه الجميع مقدمة للحرب سارع صالح هلعا يطلب وقف العاصفة مقابل تنازلات سياسية وسارعت ايران والحوثيون بكلام كله على استحياء مبطن من خوف ومخاوف لم يتوقعوها . وسارعنا نحن في صدهم .

وقد كانت ايران وحلفاؤها كما كنا نحن معهم نتوقع أن الولايات المتحدة قد أعطت الضوء الأخضر المدعوم لتأديب ايران والحوثيين وإعادة الشرعية اليمنية والاستقرار لليمن ، وليس الضوء الأخضر لتوريطنا بحرب سترعى ديمومتها ووصولها لنتائج معكوسة من خلال حرب استنزاف . وبدأت العاصفه وبدأت معها انشقاقات في الجيش اليمني، وتهيأت الشرعية للانتقال لا لعدن فحسب بل الى العاصمة صنعاء .

لكن ، إن ما شاهدناه ، قد تكلم وقال ، تقدرون والأقدار تضحك ؟ . فلم تكن الحرب عربية بل سعودية . والدول العربية التي اعلنت الاشتراك لم تصل مشاركتها درجة الرمزية . والحرب اقتصرت على طلعات وغارات جويه محدودة على نسق واحد لم يتغير، وعلى مساحة جغرافية صعبة وواسعه ، والبيانات العسكرية بقيت على نسق ومضمون واحد أيضا. قصف جوي على ابر في اكوام قش ، معزول عن العناصر الميدانية المكملة لعنوان حرب تؤدي لغرضها ، والمقاومة الشعبية اليمنية بقيت مشتتة بمعركة غير متكافئه ، لست خبيرا عسكريا لكن المنطق يقول ، إن الحرب لم تكن يوما إلا على الارض، وما الحرب الجوية إلا لدعمها وتعبيد الطريق أمامها. والنتجة كانت أن الضربة التي لا تميت العدو فإنها تقويه. وهذا ما كان فقد استكمل الحوثيون احتلال اليمن وموانئه وتحكموا بمنافذه وأصبحوا مهاجمين ونحن المدافعين واستخدموا الصواريخ مقدمة لاستخدام الطيران . ولم نستطع تحرير بلدة لتسكن فيها الشرعية مع أن تحرير عدن ومينائها والدفاع عنها ضرورة الضروريات . وأصبحت رئاسة هادي هي أشبه برئاسة عباس ، يفصح عن شرعيته بتعيينات وإقالات لا عبرة منها ولا فيها . فهل علينا مجرد رمي الحجر في البئر .

إن ما يهمنا هنا هي النتائج السياسية المتوقعة منطقيا لهذه الحرب إذا لم تتغير المقدمات ، وهي نتائج تترتب على الخلاصات العسكرية ، والتي كانت امريكا تقدرها ولا أقصد بأمريكا الادارة بل صناع القرار فيها ، ولا شك أنها عملت عليها. فمن شأن هذه الخلاصات أن تنزع الهيبة والسطوة السعودية والعربية على مجالها الجغرافي المائي والبري في تلك المنطقة الحيوية كعمق خليجي. وترسخ الوجود الايراني فيها مرحليا كوديعة أمريكية قيد إعادة الهيكلة في المنطقه ككل . وتصبح دول الخليج وعلى رأسها السعودية في موقف دفاعي استغاثي يستلزم الوقوع في حضن الولايات المتحدة ة كخيار قدري في مواجهة الغول الايراني الذي يختبئ خلفه الشيطان الصهيو امريكي . ليس في المنطقة بل في داخلها كدول كانت تعتبر نفسها في مأمن . حيث لا يتوقع من العقلية الايرانية الملاليه الغبية وضيقة النظرة إلا الاستمرار في السعي لتحقيق طموحات مقادة بموافقة تكتيكية أمريكية وليس بتقاطع مصالح استراتيجية . فستبقى يقودها غباؤها وأطماعها في تحطيم وتدمير الدول العربية. وستدخل السعودية في دوامة سوريا والعراق لا قدر الله ، ويليها آليا بقية دول الخليج .وهو ما علينا أن نحسب حسابه ونتداركه .وحيث أن أمريكا باتت تفعل أفاعيلها بأسلوب السحرة حين ينفذون خدعهم برفع أيديهم لأعلى . فسيكون التدخل والدعم الروسي لمساعدة الحوثي الايراني مرحبا به سياسيا في الأمم المتحدة وعسكريا على الأرض ، وستستأنف ايران تدخلها ودعمها لتوسيع مجال الحرب لخارج اليمن .

إن قرار مجلس الأمن الأخير تحت الفصل السابع والذي جاء بناء على إلحاح عربي خليجي فإنما جاء من واقع الضيق وليس السعة . بل ومن باب اللجوء لإعادة تدويل المسأله عسكريا لا سياسيا . وذاكرتنا تقول أن أمريكا والأمم المتحدة ومجلس أمنها لم يكونوا معارضين للعاصفة التي تكفلت بالأمر ، بل من المشجعين لها لأنهم يعرفون النتيجة فكيف لهذه السياسة أن تتغير في شهر . وصدع الحليف الأمريكي للطلب ، وصدر القرار تحت الفصل السابع بناء على اصرار العرب ، لكنه كان قرارا مخادعا وملغما وليس بنية التنفيذ . وكتبت في ذلك من واقع قراءتي له . ومع ذلك تم قبوله بتلك العبارات الشاذة عن سياق الفصل السابع والتي لا تبشر بخير ولا بجدية في التنفيذ. ولم يكن أمام السعودية إلا قبوله فرحة . كما لم يكن أمامها فيما بعد إلا الرضوخ لعدم تنفيذه وتجاوز استحقاقاته والذهاب الى مؤتمر جينيف الذي سيعطي مجرد انعقاده الشرعية للحوثيين وتكريس الأمر الواقع بكل ذيوله المحسوبة امريكيا وايرانيا .

ولا ندري كيف كان التخلي عن العمل السياسي العربي –العربي على قواعدنا السياسية نحن، وعلى أرضنا نحن، وكيف كانت الحسبة في المفاضلة بين جينيف التدويل ، بمستحقاتها السلبية ، وبين خيار الاعتراف بصعوبة الموقف في اليمن ومستحقاته، والجنوح نحو وقفة عربية يراجع فيها المشهد من منظوره السياسي الشامل العميق كمسئولية عربية ، فهدفنا سياسي ولا يتعدى هنا سلامة أراضينا وأمننا الوطني والقومي . أما إن تعذر ذلك بالوسائل السلمية ، فلا بد وأن يكون قرار الحرب قائما على أسس سياسية وعسكرية استراتيجية بشمولية عربية وزخم مصري وحذر دولي . فالأمر لا يحتمل مناورات واستعراضات جوية ولا مراشقات مدفعية ، فهذا لا يحرر أرضا ولا يعيد شرعية ولا يصنع استقرارا، بل إنه المطلوب للعدو. أما إن لم تكن هناك رغبة أوقدرة عربية أو وفاقا على المشاركة الجادة ضمن خطة محكمة، أو أن هناك رغبة سعودية خليجية بتولي المهمة ، فعليها أن تدخل حربا متكاملة بأركان وأسلحة الجيش كلها وعلى رأسها البرية لا بركن واحد . وعليها أن تضع بحسابها أن الموافقة الدولية على هذا التدخل العسكري والقائم حاليا ، لن تعود مقبولة أو قائمة بعد انعقاد جينيف . لأن جينيف هذه ستكون مجرد جينيف رقم 1 وسيستبعها جينيف 2 اثنين وثلاثه و………