فسادنا جزء من المؤامرة على الدوله

من خصائص الدول النامية التي يكثر فيها الفساد أنها تمتلك موردا ماليا أساسيا وثابتا تغرف منه لتسديد حجم الفساد لموازنة الدوله ، فلا تضطر لتحميله للشعب ولا لمشاريعها فتبقى الدوله متخلفة ولكن قائمة. أما الأردن كبلد نامي فإن قدره أن يُحرَم من موردا ماليا اساسيا ثابتا كغيره منالدول النامية ليغرف منه ويعوض ما يفترسه الفساد كشرط لبقاء الدولة قائمة .فتتجه السياسات لأسهل الطرق وهو المواطن والوطن لتنخر فواتير الفساد كل بيت وكل جيب وكل مؤسسه ، وستبقى تنخرها لو هبطت علينا المليارات ما دامنا مستهدفين ومحرومين من ابار النفط ومناجم الذهب بألوانه ، وما دام الشعب يتنفس بلا حراك ، حتى نصل للنقطة التي يرتد فيها الفساد عىلى الدولة لتنتهي لمصيرها.
إن الفساد بأنواعه هو حزمة متكامله ومترابطه. إنه منظومه، والدوله التي تنتهجه تحتاج لحمايته وتحصينه في كل الظروف قضائيا وإداريا وتنفيذيا ، فيمتد الفساد بالضرورة الى تلك الأجهزة . إن الفساد في دولة كالأردن لا تمتلك ذاك المورد الثابت الكافي فسيدفع بأصحابه الى بيع مقدرات الدولة قطعة قطعة ثم الى محاولة استعباد الشعب الى ما دون العمل بالسخرة ثم الى فرض الخاوات على فقراء الشعب ومن في دونهم بمسميات ضريبيه. فالفساد في الاردن له خصوصية لا يُبقي عليها قائمة ، ومن مآلاته ارتهان البلد وسياساته وتفهم الشعب لفشل نظامه ، ولحلول الاستعمار الخارجي .
لا أعرف من أخاطب ربما وحشا أو وحوشا هلامية بلا لون ولا مشاعر، بعيون ترى وآذان لا تسمع وسجايا لا ترحم . تختبئ في جيب كل مواطن وكل حنايا الدولة وكل شبر من هذا الوطن . نحن دوله يا صاحفقيرة ومستهدفة لا اقتصاد فيها ولا ثروة طافيه وصاحبة قضية سياسية معقده ، وطموحات شعبها وحركته وتفكيره أصبحت اليوم تقف عند حاجاته الأساسية .
لو كنا دقيقين في كلامنا عن الفساد في بلدنا كشعب وكنخبة سياسية لما طالبنا بمعالجته أو مكافحتة ولا باقتراح الحلول ، ففي هذا تضليل كبير وخلطا للأوراق وتحقيقا لمراد الفاسدين والمخططين ، بل الصحيح هو أن نطالب بالتوقف عن الفساد ، لأن من نطلب منهم مكافحة الفساد هم انفسهم من يمارسونه باصرار . فالفساد المدمر هو الذي يمارسه الصف الأول والطبقه المتنفذه وهو الفساد الأكثر خطورة لنوعيته وحجمه ولصعوبة اكتشافه أو اثباته أو وقفه فهومحصن بالقانون والإدارة والتعليمات في الغرف السوداء.
أما الفساد الذي يمارسه الموظفون العاديون في القطاعين وعامة الشعب فهو ردة فعل يائسه ومحاكاة واقتداء بالمسئولين . وأغلبه نابع عن الحاجة الانسانيه للأكثر فقرا بحكم قداسة الحياه والسياسات الاقتصادية والضريبية والادارية الفاشله . ويجب أن لا ينطلي على أحد أن ملاحقة هذا النوع من الفساد ما هو إلا تغطيه خبيثه على نهج الفساد والفاسدين الرئيسيين والمؤثر فسادهم . ومن العار التضليل بملاحقة مراسل على رشوة بدنانير تقوته في ظل الوضع القائم ، أو اتهام من يتوسط في وظيفة عادية لمحتاج أو لصاحب حق ضائع أومُغتَصب .
يُعَرف الفساد في دول اليوم المعاصره بقالب مدني ، بأنه يمثل إساءة لاستخدام السلطه لتحقيق مآرب خاصة أو غير وطنيه . وأضراره في بلدنا قطعت معظم مراحل الوصول للنتائج المطلوبه وعلى رأسها إضعاف النظام وانفراط العقد والركوع وتسليم الأمانه. وهناك مؤشرات حقيقية بأن الفساد في بلدنا يلقى تشجيعا ودعما خارجيا ، وأن نتائجه المرجوة هي نفسها الأهداف المرجوة منه ، وهي سياسية خارجية تطال كيان الدولة السياسي ونظامه .
فالسؤال الكبير هو فيما إذا كان الفساد في بلدنا مطلوبا ومرعيا من الخارج . وهذا ما يمكن معرفته من طبيعة شروط وسلوك صندوقالنقد الدولي ، فهذا الصندوق الذي تملكه وتديره وتوجهه أمريكا والصهيونيه الغربيه ، لا يضع ضمن اشتراطاته التوقف عن الفسادكوسيله ناجعه لتعزيز مال الدولة واقتصادها واستقرارها وتقدمها، ولا أن يرى نتائج ملموسة ومردودات على المواطنين والدولة على الأرضللمليارات التي يعطيها ، بل يرى التراجع وزيادة الفقر وحجم البطالة وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني.
لكن هذا الصندوق يشترط رفع الدعم عن أساسيات الحياة لشعب فقير والتغول في الضرائب في كل اتجاه وصولا لإذلاله وإشاعة الفوضى وفصل العرى بينه وبين القياده. مما يعني أن الفساد عندنا مطلوب لأهداف سياسية . وهذا واضح من الاصرار عليه لأن الدولة ترى نتائجه وعواقبه وتتجاهلها.

Leave a Reply