لبنان صورة مصغرة عن التناقضات والصراعات في الشرق الأوسط وحاضنة لها. هذه ورقة اسرائيل للخلاص من حزب الله. فسعة الاختراق الخارجي وتنوعه وتنوع أبطاله في لبنان لا يوازيه اختراق في أي دولة بالعالم. فهو مسرح لكل الأعداء ولكل الأصدقاء. والكل له وكلاء في هذا البلد. ومع ذلك لبنان صامد بسيادته وسلامة أراضيه لسبب واحد هو وجود حزب الله. ولكنه صمود هش بتحالفاته الداخلية الهشة. وإن كان استخدام العرب لقتال أنفسهم بأنفسهم وتدمير دولهم هي استراتيجية الصهيو – أمريكي في الدول العربية، فإنها في لبنان الخيار الوحيد لهذا العدو بوجود حزب الله الرادع.
إن من ابلغ وأصدق العبارات التي سمعتها مؤخرا هي أن (إيران وحزب الله فشلوا في جر اسرائيل أو أمريكا للحرب). لكن ذلك لا يعني استسلامهما. فالجبهة الداخلية المفككه والتشرذم الحكومي والسياسي والتسيب الأمني وتشتت الإنتماءات وطبيعة وهشاشة التحالفات الداخلية بصرف النظر عن تطرف بعضها لصالح العدو الصهيوني، يشكل المدخل لللبديل الاسرائيلي بجعل لبنان ساحة الحرب وأدواتها، ويشكل بنفس الوقت التحدي الحقيقي أمام لبنان و المقاومة.
الإبقاء على الوضع القائم وحالة اللا حرب واللا سلم بين حزب الله واسرائيل ليس خيارا لأحدهما. فهو وضع لا تتحمله إسرائيل ككيان هش جغرافيا وسكانيا من جار ملاصق ومتنامي القوة الرادعه، وتعلم بأن أي خطأ في الحسابات قد يكون قاتلا لها، وبأن حزب الله حزب سياسي في لبنان، لكنه حركة مقاومة في خارجها. وليس من مقاومه عربيه أو اسلامية إلا ضد الاحتلال والأطماع والهيمنه. ولا تنسى اسرائيل أيضا الدور الذي يقوم به حزب الله في دعم حركة المقاومة الفلسطينية والتكامل بينهما. بل أن النيل من حزب الله له تأثير خطير على حماس والإجهاز على المقاومة الفلسطينية وهذا في حسابات العدو. فإسرائيل لا يمكن أن تتعايش مع حزب الله.
لسنا على المدى المنظور أمام حرب تشنها اسرائيل على لبنان ولا حرب تشنها أمريكا على ايران. ولكننا أمام فتنة حرب أهلية بالوكالة في لبنان يليها تدويل الأزمة المزمعة وتدخل أجنبي. والهدف هو النيل من حزب الله. وكل الظروف اللبنانية الداخلية مواتية جغرافيا وديمغرافيا وطائفيا وسياسيا لهذه الحرب. وكل الزعامات اللبنانية المسيحية والإسلامية مهيئة لتكون أمراء حرب في ترتيبة تحالفية. والاصطفافات السياسية القائمة حاليا ستتغير مع الحرب الأهلية إذا قامت.
الخارطة اللبنانية أمامنا مقلقه، فيها السنة يحتلون مواقعهم في الشمال و شيئا في العاصمة وفي صيدا، يتزعمهم الحريري وتياره. والحريري هذا موظف سعودي، ولا هدف للسعودية في لبنان غير حزب الله، وبايعته الوجوه التقليدية السنية برشاوي على حساب الدولة. الشيعة يحتلون مواقعهم في الجنوب وشيئا من العاصمة يقودهم حزب الله وأمل بمعيته. ويمتلك إمكانيات الحسم العسكري والسياسي في لبنان، ولإيران الفضل الكافي عليه للتأثير على قراره. والمسيحيون موزعون على أربعة زعامات في حالة استقطاب للصوت المسيحي على خلفية زعامة المسيحيين أو رئاسة الجمهورية. قوات جعجع صاحب ثاني أكبر تجمع مسيحي، رجل عقليته إجرامية ميليشاوية ولا يعترف بعروبة لبنان وتشاركه كتائب الجميل في فكره. وهو اليوم حليف مفترض للحريري إلا أن تحالفه الحقيقي والاستراتيجي هو مع الفكرة الإسرائيلية.
أما أكبر تجمع مسيحي فهو التيار الوطني الحر بزعامة عون وهو صديق لحزب الله والمقاومة والتحالف القائم بينهما ليس استراتيجيا، بل قائم على مصالح تتغير وتنتهي يخدم فيها الواحد إجندة الأخر السياسية وانتهت ذروتها بتسلم عون لرئاسة الجمهورية. بينما فرنجية زعيم المردة فمع أن تحالفه مع المقاومة يعزى لسوريا إلا أن صلابة هذا التحالف مرتبطة بحلمه في رئاسة الجمهورية. أما الدروز فهم بين ثلاثة زعامات. الحزب الأكبر أتباعا منها بقيادة وليد جنبلاط وهو متقلب المزاج والسياسة ومتحالف مع الحريري، بينما يتزعم أرسلان ثاني أكبر تجمع درزي ومتحالف مع المقاومة على خلفية صراعه مع حنبلاط. ويبقى وئام وهاب بأقلية لا حساب لها وربما أن حزب الله يتبنى دعمه برغبة سورية.
ما أود قوله هو:
1 – إن أزمة تشكيل الحكومة في هذا الظرف مفتعلة لخلق ملهاة للشعب اللبناني وتياراته وليست هي التحدي الحقيقي الذي يواجه لبنان وشعبه بل للتغطية عليه. فحكومات المحاصصه الطائفية والإنتماءات الخارجية هي واحدة، وجزء من المشكلة، إنها تزيد الفساد فسادا واللحمة الوطنية تفتيتا وتعمق التدخلات الأجنبية. والحكومات اللاحقه تكون أسوأ من السابقه. وعلى المقاومة أن تنتبه و تركز جهدها على سبل مواجهة التحدي الصهيوني القادم وسيناريوهاته.
2 – الخيار أمام المعسكر (الأمريكي الفرنسي الاسرائيلي السعودي) هو العمل على خلق وعسكرة نموذج لبناني بالسلاح والمال والخبراء، وصنع حزب الشيطان في مواجهة حزب الله، وجره الى حرب داخلية أهلية يفرضها عليه. ثم تدويل هذه الأزمة سياسيا بواسطة الأمم المتحدة وعسكريا بدخول قوات من ذات التحالف الى لبنان. والخارطه الجيو بوليتك في لبنان مواتية لهذا السيناريو، والبحر سيكون تحت سيطرة ذات التحالف، والموانئ وخاصة بالشمال مفتوحة له.وسيعمل على قطع طرق الإمداد البرية على حزب الله.وسوريا مثال أمامنا.
سيناريو الحرب الأهلية هذا يقوم على افتراض أن احتمال وقوعه كبير. حزب الله هو الأدرى بالحسابات والأقدر سياسيا على الساحة اللبنانية في أن يجعل من احتمال وقوع هذا السيناريو ضئيلا من خلال سياسة استباقية. وبنفس الوقت الأدرى في اتخاذ الاحتياطات فيما لو وقعت الفتنة من أجل تأمين وسائل إفشال هدفها والحفاظ على قوته الردعية.
3 – أن يتذكر حزب الله بأن التحالفات في لبنان معظمها قائم على دعم الخصوم، وكلها هشة ومائعه وغير آمنه وقابلة للتغيير أو التعميق، إنها مجرد اصطفافات سياسية. وفي الحروب تدخل عوامل خارجية وذاتية تطغى على تلك المصالح السياسية وخلفياتها وعلى الكثير مما يربط التحالفات القائمة. وتتشكل بموجبها تحالفات جديده واثقة. والمقاومة في هذا خاصرتها ضعيفة في الشمال ويمكن أن يكون لسوريا دور إيجابي هناك.
4- حزب الله بحاجة الى حليف مسيحي واثق ورئيس جمهوريه بصف المقاومة. عون وتياره يمثل الثقل المسيحي الأكبر ويمثل مصالحه الحقيقية ولا أجندات خارجية له للآن. وهو الأكثر اتزانا وصلابة من غيره. فوجود رئيس جمهورية حلبف للمقاومة حيوي جدا في الحالة التي يعيشها لبنان. وعلى حزب الله أن يسعى لتغيير التحالف معه من تحالف أدبي الى تحالف استراتيجي موثق يقوم على حماية لبنان وسيادته وعروبته وعلى حماية الوضع المسيحي المستقر في لبنان كمصلحه جديده لعون تعزز من مكانته المسيحية. فحزب الله مطالب اليوم قبل الغد أن يتعالى عن اللعبة السياسية الداخلية ما أمكنه ويرتقي الى موقع المرجعية الوطنية. لبنان بمسلميه ومسيحيه أمام هجمة استعمارية تستخدم الدين ولا تؤمن به ولا بأتباعه. وحزب الله بحاجة ملحة الى بناء جبهة رفض وطني متماسكه خلف المقاومة من كل أطياف لبنان.
كاتب وباحث عربي