ماذا ننتظر في الأردن ونحن في مسار نحو مستقَر مستعِر اقترب، يَخلفه مستقرٌ في “لا دولة وطن”، سيد الموقف منذ عقدين هو استمرار الفعل الرسمي السلبي، أمضاهما النظام في صنع الحاضر الطارد والأمْن الهش وتعبئة النفوس باللّا أمان على دروب من الآلام والمعاناة في حرب على ناسه بلا هدنه، بينما أمضاهما ناسنا بالتمنع عن مواجهة هذا النظام الفاسد بالوكالة وبالأصالة. وهذا يعني أننا ً ونظاما مأزومون ومتمسكون بواقعنا المتدهور. نقضي كشعب أيامنا بمعسول الوعود غايتها الصبر على المسموم، أو بمر الشكوى دون جدوى غير تعظيمها.
أزمة الدولة والهجمة المعيشية على الشعب ومعاناته ليس صدفة ولا أمرا عابرا ولا منشؤها داخلي. صحيح بأن الإدارة هي المسئولة عن فشل أو نجاح قطاعات الدولة ومختلف حقول الوزارات والمؤسسات، إلا أنه في الحالة الأردنية كنظام دكتاتوري وظيفي اقتضته تكاملية المشروع الصهيوني في فلسطين والأردن، فإن هذه الادارة يختارها ويسيرها النهج السياسي للنظام. فهو من في قفص الاتهام
الدلائل على الأرض حاليا تشير الى أن هناك نظامين في الأردن هما “نظام الأردن” وتمثله الدولة العميقة رغم أجنبيتها، و”النظام الأردني ” الذي نعرفه. النظام الأول يَستخدم النظام الأردني بأجهزته وأشخاصه كواجهة دولية ومحلية، وكأداة تنفيذية. وصل فيه رأسه الى نقطة اللاعودة أو تخذ هذا القرار وانفصل مع سلطات الدولة عن الوطن وناسه ومشروع الدولة، وعن القدرة على التأثير بالأحداث او بالقرار، والأمثلة متصاعدة وغير صالحه للنشر. وتحول رجال هذا النظام الأداة الى سماسرة ومأجورين على وطنهم يأخذون أجورهم على ظهر تحطيم منظومة الدولة وإنهاك خزينتها ومواطنها بمختلف الوسائل والضغوطات وبالفساد الرسمي بالختم والتوقيع.
سياسة الدولة العميقة التي أسميها “نظام الأردن” قوامها ممثلوا الصهيونية ووعد بلفور، تحكمنا بما يشبه نظام الوصاية دون إعلان. تمتلك القرار وصنعه داخليا، وتمتك إخراجه سياسيا وخارجيا، وهي من تقضي باستمرار الضغوطات على بنية الدولة وعلى معيشة المواطن وتعظيمها. فهذه سياسة ينفذها النظام الأردني وتتسارع بتسارع المشروع الصهيوني. ولو كانت النية الحسنة والأرادة السياسية لدى النظام الأردني متوفرة لشاهدنا منه أفعالاً إسعافية للدولة وشعبها لا ذريعة تقف بوجهها كذرائع مواجهة الضغوطات الخارجية ومواجهة الفساد واسترداد قيمه. ومن بين هذه الأفعال على سبيل المثال جهاز الدرك الذي يُنفَق عليه أموال طائلة ولا لزوم وطني لوجوده في ظل وجود جهاز الأمن وامكانية ادماج منتسبي الدرك فيه، والذي لم يتم انشاؤه إلا لغايات القمع وافتراض المواجهة مع الشعب وارادته.
ومن لا يتكلم عن الجيش في الأردن يخطئ الحديث والتحليل والتعريف. ومن المفارقات أن هذا الجيش الذي تمت تسميه بالجيش العربي كي لا يكون رمزا لهوية أردنية وطنية جامعة، أصبح بما يحمله من خصاص تركيبته الأجتماعية وسوء استخدامه في العزل الوطني هو الرابط الذي يجمع بين الشرق أردنيين وأخذ مكان الهوية الوطنية المشتركة المفقودة والمحارَبة. أقول على الاردنيين اليوم بجميع مكوناتهم أن يلتقطوا المعنى الجهنمي الكبير والعميق لطبيعة الهيكلة التي تجريها الدولة العميقة في هذا الجيش من قلب الديوان بعيدا عن الضوء المباشر، والتي تطال العقيدة والإنتماء والادارة والوظيفة، إنها هيكلة تتجاوز انفكاك النظام عن تحالفه مع الشرق اردنيين وعن الأردنيين بكل مكوناتهم السكانية، لتطال صنع جيش غير وطني بديل بالقطعة وبتشكيلات جديدة، ومنفك عن الأردن والأردنيين وعن العروبة وقضيتها الفلسطينية. فهناك في الأفق استخدام جديد بعقيدة ووظيفة داعشيتين.
المشكلة الأساسية هي في الأردنيين، وخاصة الشرق أردنيين من زاويتين، الأولى أن لديهم حالة انكار لواقع الدولة ونظامها الجديدين وللطبيعة السياسية للأزمة التي يواجهونها، بما لذلك من تأثيرات سلبية على خطابهم وعلى حركتهم في المسار الصحيح وعلى الفعل. وسبب هذه الحالة هي أن هويتهم المرتبطة والمندمجة بهوية الملك والنظام الأردني ويرون أنفسهم ومصالحهم ضمن هذا الوضع، لا يريدون للأن أن يصدقوا بأن هذا النظام الذي عاشوا في كنفه ماية عام لم يعد موجودا بذات الصفة، وبأن اللعبة قد انتهت وأن لا عودة للتحالف ووحدة الهوية معه.
والثانية أن وصفهم لوضعهم في العشيرة وفي الدولة ما زال نفسه وينطلقون منه، مع أنه وصف قد تغير وما عاد القديم موجودا لا في العشيرة ولا في الدولة ولا مجال لعودته. ووصفهم لشعب الدولة بمكونين أساسيين لم تتغير طبيعته غير السوية ولا نظرة الواحد لشقيقه. فهذا في الزاويتين يشكل حالة يعيشها الاردنيون مضللة وتُخْطئهم الهدف والطريق وتجعلهم يركضون وراء السراب يحسبونه ماءً إلى أن لا يجدونه ولا يعودوا قادرين على الحركة والحياه..
صفقة القرن، محورها السياسي في الأردن. لخصها ترامب لرؤساء الدول الصناعية السبع مؤخرا بعبارة هي رسالة لهم بأن ينسوا طبيعة القضية الاحتلالية والقانون والسياسة والشرعية. وتلخبصه هو ( اسرائيل تريد توقيع اتفاق سلام، والفلسطينيون يريدون مساعدات ماليه وتوقيع اتفاقية سلام ). أما نحن فعلينا أن نحسبها حسابا، فالصفقة لم يبق بجعبتها سوى التوطين وحق العودة والأونروا، ولو كانت هذه الأمور بيد ترمب او اسرائيل لما كانت حاجة لإعلان صفقة واهمة لا سابقا ولا لاحقا، فأمريكا واسرائيل لم تستشيران العرب او الفلسطينيين بقرارات قومية الدولة وضم القدس والجولان وبناء الجدار والمستوطنات، ولن تستشيرهم في المستوطنات ولا في ضم الضفة كلها وليس فقط غور الأردن.
فالتوطين هو محور الطرح في الصفقة وهو من يغتال حق العودة والأونروا، وليس بيد أمريكا او اسرائيل قرار ذلك. وإذا ما نُفِّذ التوطين بطريقة التفافية مع الأردن أو على الأردن بالذات فسيبث ذلك الروح الدولية في اجراءات ترامب ونتنياهو على الأرض الفلسطينية وتُستكمل تصفية كل مكونات القضية الفلسطينية وتبدأ عملية استكمال وعد بلفور في الأردن في ظرف مهيأ وعلى نفس المسار الفلسطيني. ولن يكون الأردن وطنا بديلا ولا أصيلا للفلسطينيين، ولا للأردنيين.
وعليه من المرجح أن تقوم امريكا بطرح فكرة التوطين على النظام الأردني علنا وهي تعلم بأن هذا الطرح لن يُنَفذ لرفض الشعب الفلسطيني. وحيث أنها تعلم بأن الملك يتمترس تكتيكيا خلف لعبة اللاءات الثلاث المعزولة عن وجود استراتيجية او خطة لحمايتها، فإنها أي امريكا تخطط من وراء الطرح الى الالتفاف على الرفض الفلسطيني من خلال رفض الملك بكلام حمَّال للأوجه يفتح الطريق أمام المطلوب ويجعله محل نقاش. وهذا كاف لاسرائيل مرحليا للبناء عليه وجعل عملية التوطين سيرورة، ويفتح الطريق لاعتراف عربي واسع بها وبسيادتها على كل فلسطين. ولكنه سيجعل من الأردن مشروع فوضى واضطرابات سياسية ومسلحه وربما حرفها لإشعال فتنة كبيرة تدخل فيها داعش وماعش لتختصر الطريق لصنع بيئة الترحيب. لكن السؤال الكبير جدا هو هل يحدث هذا قبل تبلور الوضع في سوريا أم أن استدامة الوضع الحالي فيها كاف. سيما وأن امريكا أو الدولة العميقة وقفت بوجه المصالح الاردنية دولة وشعبا ووطنيا عندما قررت منع فتح الحدود مع سوريا واعادة العلاقات بين القطرين الشقيقين دون أي سبب سياسي أو أمني او اقتصادي بل إن كل هذه الأسباب تصب في صالح الأردن
أمام هذا الطرح، على المواطن الأردني أن يتجاوز النظرة التقليدية في تقييمه لوضعه ووضع بلده ونظامه وما آل اليه، وينتبه لطبيعة أزمته وما يجري اداريا وينطوي عليه سياسيا في مؤسسات وأجهزة الدولة ويفصل ما بين التمثيل والحقيقة، وأن يتأمل بالمستقبل الذي ينتظره على مذبح المشروع الصهيوني في الأردن، وأن يخرج من حالة الانكار والتهويش الى قراءة الواقع والانطلاق منه، وأن لا يتخذ من ما يراه أو يسمعه من حقائق مادة للتعليلة، بل للعمل.
جرح الاردنيين سياسي بامتياز وهو نفس الجرح الفلسطيني، ومعاناتهم الإقتصادية ستتعاظم ما لم يتوجهوا لمعالجة الجرح. الخطاب الاقتصادي جرونا اليه، فلا ننجر، والمطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي او المعيشي عبثية، والتخلي عن الخطاب السياسي خطيرا. فليكن خطابنا سياسيا وعملنا سياسيا والوعي سلاحنا. ولنعلم بأن وحدة مكوناتنا كشعب واحد بكل المقاييس فيه نجاتنا وفيه مقتل المشروع الصهيوني ومقتل معاناتنا. وكل عمل سياسي على الساحة الأردنية لا يقوم على هذا المنطق فاشل ومضلل. ولنتذكر دائما أن نجاح المشروع الصهيوني في الاردن سيجعل من كل مواطن فيه يتمنى الرجوع لمعاناته الحاضرة ويتمنى وجود وطن له وهوية، ويتمنى لو أنه فعل شيئا ولا يستطيع، فالعليق عند الغارة لا يفيد.
وعلى كل أردني يعمل في الصف الأول في أي موقع قيادي في الدولة مدنيا كان أو عسكريا أن يعلم بأنه جزء في ماكنة الدولة العميقة المعادية للأردن وللقضية والأمه، وأن لا مجال له للحيادية، فالتمنع عن أخذ موقف من خطأ او جريمة هي مشاركة بها Inaction is Complicity. وهو من يصنف نفسه إن كان مع الوطن أو على الوطن