بداية يجب التفريق بين أعضاء السفاره وبين طاقمها . فعندما نقول اعضاء السفاره فالسفير فيهم ، أما طاقم السفاره فلا يشمل السفير بل يشمل بقية من يعمل في السفارة من دبلومايسين وفنيين وإداريين ومستخدمين . والسفير هو من يتولى مسئولية السفارة وعملها ويعين بتفويض من قبل رئيس الدوله ويجب أن يحظى بقبول مسبق من الدولة الثانية بموجب الرد على رسالة استمزاج ، وغالبا ما يكون عدم الرد بمثابة الرد السلبي وليست الدولة الثانية ملزمة ببيان الأسباب ، ولا يجوز للسفير ممارسة عمله فيها قبل تقديم اوراق اعتماده لرئيسها ، أو صورة عنها لوزير خارجيتها ،اما بقية الطاقم فلوزير الخارجية إيفادهم دون استمزاج ، ولكن يجب ابلاغ الدولة الثانيه بوصولهم ومغادرتهم .باستثناء الملحق العسكري فيحق للدولة الثانية أن تطلب اسمه قبل إيفاده لحساسية المركز. وكما أن الإتفاق على قيام علاقات دبلوماسية بين دولتين يتضمن الاتفاق على العلاقات القنصلية . فيمكن للبعثة الدبلوماسية ممارسة العمل القنصلي . وإن قطع العلاقات الدبلوماسية لا يترتب عليه آليا قطع العلاقات القنصلية .
والحديث في هذا المقال التنويري هو عن الدبلوماسية الثنائية ، فتبادل هذا التمثيل يقوم على الاتفاق والرضا بين دولتين وليس أمرا وجوبيا ، وتقطع بناء على رغبة إحداهما. ويجب التفريق بينه وبين الدبلوماسيه المتعددة الاطراف التي تتمثل في انضمام الدول إلى منظمة الأمم المتحدة وفروعها ومؤسساتها ووكالاتها والذي يخضع الانضمام لها الى رغبة الدولة وتوفر الشروط السياسية التي تضعها المنظمه او ميثاقها . وتقدم الدولة او الحكومات هنا طلب الانضمام الى الأمين العام للأمم المتحدة ويتم قبولها بموجب قرار من الجمعية العامة بناء على موافقة وتنسيب مجلس الأمن . ويكون على رأس البعثة سفيرا يسمى المندوب الدائم ،ويكون بمواصفات مميزه . وتسمى البعثة مندوبيه دائمه وعادة ما تعتمد المنظمه بالاتفاق مع دولة المقر على منح المندوبيات حصانات وامتيازات السفارات .
عادة ما يكون الطاقم الدبلوماسي في السفارة من جنسية بلدهم ويجوز أن يكون الدبلوماسي من مواطني الدولة الثانية بموافقتها وحينها فلا يتمتع بالحصانه القضائيه ولا بحرمه inviolable إلا اثناء تأديته لعمله الرسمي .أما عدد اعضاء السفارات فليس هناك ما يحده أو يحدده سوى حاجة الدوله ،إلا اذا كان هناك اتفاق بين الدولتين ، وفي حالة عدم وجوده وهو في الغالب كذلك، فلأية حكومه الحق بطلب التقليص بالكم وحتى بالنوع. وتكون مبانى السفاره بما فيه منزل السفير مصانه من الانتهاك وتلتزم الدوله الثانيه بحمايتها وحماية اعضائها ومنع اقتحامها او الاضرار بها حتى في حالة قطع العلاقات . وتقتضى حرمتها منع دخولها من قبل ممثلي الدولة الثانيه إلا بموافقة السفير ، أما وثائق السفارة فحرمتها دائمة وأينما كانت بما فيه الحقيبة الدبلوماسية وهناك ما يحدد اجراءاتها واجراءات نقلها .وللدولة الثانيه أن تبلغ الأولى عن اعتبارها للسفير او لأي شخص من طاقم السفاره كشخص غير مرغوب فيه ، وعندها يجب على الدولة المعنيه نقله او انهاء عمله ، وإلا فان الدولة المعتمد لديها تسقط اعترافها بصفته .
إن ما يحكم سلوك السفارات في تنفيذها لعملها هي قواعد الدبلوماسية والتي أساسها هو العرف القائم على عادات ملزمه كقانون غير مكتوب . وتحاول الدول منذ اكثر من ماية وخمسين عاما تقنينها بقدر المستطاع من خلال الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الى جانب الاتفاقيات الثنائية والقوانين المحلية التي باتت ايضا تحكم تلك القواعد وتتقدم عليها احيانا . وعليه فإن السفارة تمارس عملها بموجب اجرائيات وادبيات والى حد ما شروط تلك القواعد كشريعه عامه تنظم وتحكم علاقة العمل بين السفارة والدولة المعتمدة لديها وتشمل أيضا الحقوق والامتيازات والحصانات التي تتمتع بها مع أفرادها ومتعلقاتها المادية وغير المادية ، وتبقى اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 هاديا عاما للجميع
وبهذا فأن وزاررات الخارجية في الدول أنشأت داوائر لديها تنظم سلوك الدبلوماسيين المعتمدين لدى الدولة ومزاياهم والعمل الدبلوماسي وقواعده بمسمى البروتوكول أو المراسم . وأصبحت هذه الدائرة حلقة الوصل والاتصال بين السفارات واجهزة الدولة المعتمدة لديها ومرجعا لها . وإن على السفارات عدم تجاوز دائرة المراسم فهي مرجعيتها لمعرفة القانون الداخلي والتعليمات وكل ما يخصها في الدوله ، وعن طريقها يحصلون على مزاياهم ، وهناك اختلاف في البروتوكول من دولة لأخرى استنادا لاختلاف الثقافات والاهتمامات والظروف والقانون الداخلي .ويمكن لهذه الدائره بناء على معطيات داخليه وخاصة أمنيه أن تحدد أو توجه حركة الدبلوماسيين نفسها مع أن ذلك غير منصوص عليه في اتفاقية فينا . فالدبلوماسي محكوم بالقانون الداخلي الى حد كبير من واقع حق السياده ،كما هي الدولة المعتمد لديها محكومة بقواعد العمل الدبلوماسي الدوليه المتبلورة لا سيما في اتفاقية فينا . وإذا ما حدث تناقض او عدم توازن في ذلك يتحمله صاحبه .
وان مبدأ المعامله بالمثل هو من المبادئ الراسخه في العلاقات الدبلوماسية ، لكن ممارسة الدول له تحكمه مسائل كثيرة منها ميزان القوة والتأثير والمصالح الاقتصاديه بين الدول ومحاذير اخرى . فليس على سبيل المثال من مصلحة الاردن فرض قيود التأشيرة على رعايا دولة خليجية أو اوروبيه معاملة بالمثل . وكذا بالنسبة لاغلاق السفارات الى حد ما فقد تغلق دولة سفارتها لسبب ما ولا ترى الاخرى مصلحة لها بمعاملتها بالمثل فيصبح التمثيل عندها غير مقيم ، وهناك مثلا الإغلاق في حالة الهيكله الاقتصادية والضغط على النفقات . وعلى الدولة المعتمد لديها عدم التفريق في المعامله بين بعثة دوله واخرى الا إذا كان ذلك ضمن اتفاق ثنائي او من واقع مبدأ المعامله بالمثل .
وإذا تحدثنا عن مهام السفاره كما تطورت اليه نراها تقوم على توطيد علاقات الصداقة والتعاون مع الدوله المعتمدة لديها ، ومن المفترض هنا أن تعمل السفارة على تطوير أشكال هذا التعاون في مجالات الحياة كالاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية والعسكرية والأمنية وغيرها وأن تجهد في عقد الاتفاقيات المنظمة لذلك ومتابعتها، وبهذا ينشأ دور هام للملحقين والمستشارين الفنيين في السفارة .
أما التفاوض والعمل السياسي، ففي ظل حالة العولمة وتطور وسائل الاتصال يلاحظ انه أصبح من الاختصاصات المباشرة لحكومات الدول وقياداتها وخاصة في دول العالم الثالث غير الديمقراطيه . ويلاحظ بأن دور سفاراتها قد تقلص الى الناحية الدبلوماسية الاجرائية واللوجستية والبروتوكولية ، وبالمقابل تعزز دورها على صعيد خدمة وحماية مصالح رعاياها واحتياجاتهم ضمن القانون الدولي وما تسمح به أو تضعه الدوله المضيفه من قوانين وانظه وتعليمات ، وهذه المهمة أصبحت أساسية في ظل توسع الاغتراب في هذه الدول . فالسفارة في هذا هي بمثابة مجمع حكومي لمواطنها المغترب ودولته الأم . وتتمتع هي وأعضائها في هذا بحصانة ، والحصانة هذه ليست تكريما او تمييزا بل لتسهيل عملها المشروع ،ومن شأن ذلك أن يفرض على الدبلوماسي حرصا زائدا في الكياسة وحسن الخلق والسلوك .وفي كل الحالات يحظر على رئيس وأعضاء السفارة وخاصة الدبلوماسيين ممارسة أي عمل خاص فيه منفعة خاصة لهم كالتجارة مثلا .
.ولعل من أهم اعمال السفارة وأكثرها عصرية هي متابعة الأحداث من سياسية وأمنية واقتصادية واعلامية واجتماعية وغيرها في الدوله المضيفه والوقوف على تطوراتها ونقل ذلك لحكوماتها ، إلا أن هذه المهمه هي الأكثر حساسية من حيث طريقة تنفيذها والأكثر صعوبة من حيث قدرة الدبلوماسي على تحقيقها بمصداقية كافيه . فمن حيث التنفيذ فهناك ضرورة على ان يكون بطرق مشروعة وتتفق مع تعليمات الدولة المضيفه وتقاليدها وقانونها الداخلي ، . أما الصعوبة في القدرة على تحقيقها فهذا له علاقة بالدرجة الأولى في صفات ونشاط وامكانيات السفير او الدبلوماسي نفسه كشخص ، والكلام في هذا واسع يعرفه القارئ بحسه .
وعلى كل الأحوال فإن مسألة متابعة الاحداث وتقييمها ونقلها أمر له اعتباره عند الدول الكبيره والديمقراطبة فحكوماتها تعتمد على سفارتها وتقاريرها وتتفاعل مع دورها وعملها وتبني قرارات على أساسه . فنرى سفرائها ينشطون داخل المجتمعات الرسمية وغير الرسمية لمهمات ثلاث أساسيه ، الأولى لنقل الواقع لحكوماتهم والثانية للتأثير فيه باتجاه خدمة سياساتها ، أما الثالثه فلتسويق سياسات ورؤى وقضايا دولها . أما بقية الدول كالعربية والاسلامية فهذا الامر لديها شكليا وتفتقد الى المؤسسية لتفعيله ،ويعود السبب الى عدم وجود دور موضوعي لوزراء خارجيتها ولحكوماتها في السياسة الخارجية لدولهم . وانطلاقا من مبدأ عدم جواز التدخل في الشئون الداخلية للدول ، فإن هذا ينسحب على سفاراتها ودبلوماسييها وجوبا ، إلا أن هذا الشرط هلامي ومحل تهاون أو تشديد طبقا لطبيعة لعلاقة بين الدولتين وعلى الدبلوماسي أن ينتبه لذلك سيما وأنه ليس هناك ما يحدد طبيعة التدخل مما يجعل تحديده أو تقريره حق للدولة المضيفة
وكلمة في هذا الاطار على خلفية الوضع الاقتصادي والسياسي الاردني . إذ من الناحية الاقتصاديه لا بد من مراجعة دورية لجدوى وجود العديد من السفارات الاردنية سياسيا وخدماتيا ومحاولة تجميعها والاعتماد على التمثيل غير المقيم .وأخص بالذكر الدول العربية ، فجدوى سفاراتنا فيها سياسيا ودبلوماسيا يقرب من الصفر . حيث يمكن الابقاء على قنصليات عامة ومركز تجاري فيها ، والابقاء على ربع السفارات وتوزيع التمثيل غير المقيم على بقيتها . ومن الناحيه السياسية أن توكل لسفاراتنا في الدول الأجنبية والأوروبية خاصة مهمة سياسية أساسية هامة تشكل قضيتنا ، وهي متابعة ورصد وتعرية ومقاومة أي عبث اسرائيلي وتواطؤ دولي بمسألة قيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة والقابلة للحياه على الأرض الفلسطينيه على أساس أن ذلك العبث او التواطؤ يشكل بمحصلته مؤامرة على القضية الفلسطينية وعلى الكيان السياسي الاردني معا ،فكليهما مستهدف اسرائيليا
وإذا ما تركنا الحديث عن واقع عمل سفاراتنا الاردنيه لعدم اختلافه عن واقع غيرها من الدول العربية ،فإني أسجل ملاحظتي كما وثقتها بأن وزارتنا بدت تنحو الى منح الهامش الأكبر للكفاءات لدى التعيين ويبقى أن تنحو الى تفعيل عملهم في السفارات .