يا مليك البلاد وصاحب القرار، نحمد الله أولاً أنك تعيش هواجسنا ومخاوفنا السياسية وتعترف بأن هناك تصفية كاملة للقضية تجري على حساب الأردن توأم فلسطين، وعبرتَ عن ذلك بالإعتراف بوجود فكرة الوطن البديل وربما لأول مرة. وفيما ذهبت اليه في العنوان فنحن نُصَدك ونَصدُقك، والشعب معك ما دمت معه. ولكن سماعك تعقيبنا فيه ما قد يجلي الصورة، وأقول. لو كانت المسائل مع العدو يا سيدي تُحَل بمجرد المواقف أو بالرفض وبكلَّا لما كان مظلوم في هذا العالم. ولما كانت هناك مشكلة مستعصية، فهل ما نسمعه من الرفض والثبات على الموقف هو بحد ذاته أقصى ما يمكن تقديمه؟
المفترس لا يأخذ إذن ورأي فريسته، ولا يسمع لرفضها ولا يشفق على أنينها، بل يستجيبُ لفِعلها. ولو كان العدو يستشيرنا ويأخذ برفضنا لقلنا بأن كلمة كلَّا أو الثبات على موقفنا كافيا، لكن الأمر ليس كذلك. وكلام الملك إن كان يعنيه كما فهمه الكثيرون، فإنه ينطوي على مواجهة مع أمريكا وإسرائيل، وإلا فكيف له حماية ثباته على موقفه وتفعيل رفضه. إلا أن هذه المواجهة لا تكون إلا بالتغيير وباستراتيجية عميقة، ونحن لا نرى شيئا من هذا ولا جديدا للأمام، بل مستجدات للخلف. فهل في الكلام لغز أم لغم. فشعبنا بالغٌ لسن الرشد ولا ينام على ترويدة الأمهات.
لقد تركتنا عشرات السنين من المفاوضات العبثية لنا، والمنتجة لهم، أفواهاً بألسنة تلوق الكلام بالزَّبَد لا بالزبدة، فيها أسنان بلا أنياب. فمبدأ التفاوض هذا أوقفته أمريكا واسرائيل حين وصلوا لمبتغاهم منها وأدخلونا في مرحلة تُفرض فيها الحلول فرضاً لاستكمال التصفية…
يا سيد البلاد وصاحب العنوان في أعلاه، شركاؤنا وأصدقاؤنا حين أسقطوا القدس عن طاولة التفاوض وقننوا يهوديتها مرة واحدة، كان رفضكم واستنكاركم وموقفكم موجودا وقائما كما هو اليوم في الزرقاء ولم يكن بوسعنا أو وسعكم أن نفعلوا شيئا سوى تكرار ذات الرفض والاستنكار. ثم قننوا يهودية فلسطين كلها وعززوا الاستيطان وقطعوا شهادة دفن حل الدولتين بما يمس مباشرة المصلحة العليا للأردن الذي تحمل أمانته، وبقي الرفض والثبات على الموقف هو الجواب دون فعل أي أجراءٍ يعبر حتى عن غضبنا وغضبك، بل تعمقت العلاقات الأردنية الأمريكية.
ماذا ً يعني لنا رفضك إذاً، وبماذا يفيدنا. ً وما المقصود به. نريد تفسيراً وجوابا يُبقى على الثقة قائمة ويُبقى الأمل، وما لم نلمس شيئا من هذا أو تغييرا فإننا نتساءل عندها، أليس منطقيا أن نعتقد ونقول بأننا ننتظر الأسوأ. وحينها لا ينفع التبرير.
الأمور تزداد وضوحا، لا صفقة قرن بدون أردن في قلبها. ماذا ستقدم هذه الصفقة للفلسطينيين بفلسطين كلها دولة يهودية، وقدس كلها عاصمتها، وبما يقضي على حل الدولتين الذي يمثل الركيزة في مستقبل الأردن السياسي، في ظروف أخضعت فيها اسرائيل واستخدمت السلطة الفلسطينية وحشدت حكام عرب أساسيين في المعادلة حلفاء لها ؟ الجواب السياسي في الأردن. إنها صفقة افتراضية تتحدث عن دولة واحدة يهودية الهوية في فلسطين، ومملكة هاشمية في الاردن وطنا بديلا، وتوطين ملايين اللاجئن وتصفية القضية بغطاء الحل الإنساني القائم على فشلمنا وإفقارنا وتجويع وقهر شعوبنا. الكرة كلها ترمى في حضن الملك ولا مجال للغموض. وهذا إن تم فلن يصنع سلاما مع شعب فلسطيني وأردني رافض تقف خلفهم شعوب العرب..
يا صاحب القرار لو كان عندك قرار أو قوة تواجه بها امريكا وتسند رفضك ومواقفك المعلنة لواجهت بها قراراتهم الخطير في القدس ويهودية الدولة. لكنك الأن أمام مواجهة مباشرة معهم، وبيدك صنع “كلَّا ” المنتجة لإفشال متممات الصفقة بالوطن البديل والتوطين وكل ما تحقق منها. الحل تعرفه وسيبقى تمَنُعك عنه لغزاً تاريخيا قد يكون سببا لضياع دولة ودولٍ وتدمير قضية، إن الادارة الأمريكية مسرعة فهل تستبقها. فأنت سيدي لستَ مضطرا للتعايش مع حلف عدو هو مفترسك ومفترسنا اردنيين وفلسطينيين وعربا. ولا مضطرا للتعايش مع حكمة الشاعر حين قال، ” لا خيل عندك تهديها ولا مال، فليسعد النطق إن لم تسعد الحال “ُ فأنت لديك وبين يديك الحل.
وعن الحل أقول بداية لأمريكا وصفقتها أن هذه الدولة عربية اردنية وفيها شعب عظام ُ أجداده مجبولة بترابها، كما فلسطين دولة تاريخية لها شعبها والمجبول ترابها بعظام ودماء الأباء والأجداد الفلسطينيين. ولمليكنا أقول دولتنا الأردنية تحتاج لحكم ديمقراطي يحمل المعنى ويحميها في سياقٍ ورباطٍ عربيٍ اسلامي لا ينفصل. فشرعيتك يا سيدي في الأردن هي قومية دينية نعتز بها ونتمسك، قامت على تعاقد مع شعبها، والعائلة الهاشمية نتشرف باسمها وبنسبها المرتبط برسولنا العظيم، ونتشرف بك ملكا من صلبها رمزا لها.
أمريكا الصهيونية لم تغدر بالشعب العربي أو بشعب فلسطين والأردن، فموقف هؤلاء كان وما زال لهم موقفهم المسبق منها، ولكنها غدرت بك يا سيد البلاد والقرار، وانقلبت على وعودها لك وعلى القانون الدولي وعلى حكمتك واعتدالك ومواقفك وثوابتك مع أنها في خطها الأدنى..
يا صاحب القرار وقمة الهرم، أمريكا ليست قدرا علينا يفتك بنا ولا هي حبيباً ولا ضربها زبيبا. ولا نحن معدومي الحيلة ولسنا في عالم بلا توازنات. هناك دول أضعف منا وأقل امكانيات وميزات مطلوبة لتلك التوازنات، واستطاعت أن تحمي نفسها من خلالها وتحقق ذاتها فخالق الطبيعة جل في علاه لم يترك ضعيفا بلا وسيلة لحماية نفسه. ونحن الأخطار الوجودية تحيط بنا طعما لأقدس قضبة وبابا لسحق أمة، وشعبنا يغرق في متاهات مستنقع لا قرار له.
الفرصة الدولية متاحة اليوم أمامك للتغير بأجلى صورها، وإعادة التموضع السياسي والتحالفي على أسس من تبادل المصالح واحترام سيادة القرار الوطني بات مخرجنا ومخرجك المشروع، إنها ورقتنا الوحيدة، لا حكمة اليوم تعلو على تحالفٍ جديد لنا مع جهات رادعة غير معادية لوجودنا ولقضيتنا، تأخذ وتعطي، لا تأخذ وتمنع.
ولن يكون يا صاحب المُلك في إعادة التموضع السياسي مع تحالف جديد خطر عليك بل خير لك ولاستقرار ملكك ، فالشعب سندك هو الذي لا تستطيع أمريكا عليه ، وليس الجيش قادرا على حمايتك أو حماية مصالحنا حين تكون أمريكا هي العدو . ولتتذكر معنا أن هذا الشعب نفسه كان في الشارع درعا لقرار الراحل الحسين في رفضه الطلب الأمريكي بالاصطفاف ضد بلد عربي . عد للشعب وتحالف مع الصديق ، هذا حلنا المنطقي العلمي وخيارنا الوحيد والآمن .
باحث وكاتب عربي