إن الهدف المعلن للحوارات حول قانون الانتخاب ، هو الوصول الى مجلس نواب حر وسيد نفسه ، راغب وقادر على القيام بواجباته الدستوريه كممثل حقيقي للشعب لا لغيره ، ومحصنا من القدرة في التأثير عليه ، ومن طغيان المصالح الخاصة على مصالح الوطن ومواطنيه . هذا النوع من المجالس متحققا ويتحقق في الدول الديمقراطية الحرة بسبب نضوج وتوفر الأسس السياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية فيها ولشعوبها ، التي يوجه سلوك الناخب فيها ،الفكرة والبرنامج والنظره الشموليه ، فما يحمله المواطن أو الناخب من فكر وثقافة وسلوك هو الأساس في عملية التغيير . أما في مجتمع كالأردني ، فإن خلوه للأن من تلك المقومات ، والمطالبه بنفس الوقت بقانون انتخاب ليخلق به مثل تلك المجالس ، يدخلنا بتساؤلات حول مصداقية ومنطقية المطالبه والهدف من ورائها.
إن مطالبتنا بقانون انتخاب عصري وقادر على أن ينتج مجلس نواب بالاوصاف المنادى بها هو أمر تندرج طبيعته في عداد الحديث عن الأصلاح كعنوان عريض . ولا يمكن أن يكون عملا معزولا عن عملية الاصلاح بجزئياتها الأخرى، فهي عمليه مترابطه ومتكامله وليس فيها من حصان خلف عربه . فإصلاح جزء واحد أو اثنين من الجسد التالف بمعزل عن الأجزاء الأخرى عمل عبثي . وإذا ما افترضنا صدق المطالبين بقانون انتخاب عصري ، وقام صاحب القرار بنية حسنة وصاغ قانون انتخاب بأعلى المواصفات الحضارية بمعزل عن الاصلاحات الاخرى المرتبطة به ، فسيبقى عملا عبثيا وغير منتج إطلاقا ، بل لا ولن يعمل ،بمعنى it does not work . وستكون النتيجة على صعيد المجلس المنتخب هي نفسها أو أسوأ . ، فعملية الاصلاح لا تأتي مجتزأة ولا دون توفر الارا دة الرسمية والشعبية لنهج جديد بكل استحقاقاته ، وسلامة النوايا فيها لا تكون إلا على أسسها العلمية والمنطقية وهي غير متوفره للآن .
إن عملية الاصلاح في بلدنا عملية معقدة على مستوى النظام والشعب . وأقول معقده على مستوى النظام لأنها عملية مرتبطة كغيرها من السياسات الداخلية بطبيعة السياسة الخارجية ومستلزمات تنفيذها، والسياسة الخارجية هذه هي سياسة راسخه لا تقبل ولا تتحمل ما يناقضها أو يعيقها أو يجعلها محل نقاش . ولا يرى النظام معنى ولا حكمة ولا منطق أن يزج نفسه في متاهات بتخصيص أي جزئية كجزئية قانون الانتخاب دون غيره بالاصلاح ، لارتباطه وتأثره وتأثيره بتلك السياسه وقراراتها . فالفساد مثلا رغم ما له من خصوصية قاتله في الاردن ورغم ضجيج الحراك الشعبي ، فإن كل ما تحقق هو استغلال الوضع لإرهاب ومعاقبة الفاسد عندما يتمرد على السياسات القائمه. أو لابتزاز متمرد غير فاسد . فمن غير الممكن عمليا ولا سياسيا أن يصار إلى اعتماد ما يلزم من قوانين لمنعه بجدية.
وتحضرني في هذا قصة الرجل الذي اراد اصلاح العالم فاخذ يحضر نفسه ويوسع ثقافته وأدوات عمله التي تمكنه من النجاح . وكانت النتيجة ان وجد مهمته واحتمالات نجاحها صعبة . فقال لنفسه مالي والعالم ، سأتجه لاصلاح الدول العربية . فحضر نفسه للمهمة وتكرر الفشل وتراجع . وقرر أن يقصر عمليته الاصلاحية على بلده لكنه عجز أيضا ، فانكفأ الى عائلته في منزله ليبدأ منها .فحاول اصلاحها وفشل أيضا . فوقف مع نفسه وقال لا يعقل أن يكون الخطأ في كل هؤلاء ، فلا بد أن يكون بي أنا، وعلي أن أبدأ بتغيير نفسي أولا .
أما تعقيد عملية الاصلاح على مستوى الشعب وتقبله للاصلاح . فشعبنا الذي يدرك كيفية عمل ال system في بلدنا ويئس من تغييره وافتقد الثقة بكل ما حوله ، أصبح مقتنعا بأن اللاعب من خارج هذا ال system يخسر لوحده ، فاختار مكرها الدخول فيه ، حماية لنفسه ، وليصبح بالتالي جزءا منه لا نقيضا له ، وأصبح لا يريد الاصلاح إلا بالقدر الذي يحقق المصالح الشخصية . فالفساد ثقافه بكل ما للكلمة من معنى .والإصلاح بمثالنا يبدأ بالارادة الشعبية لتقبل التغيير حقيقة ، ثم العمل باتجاه توفير الارادة السياسية التي تعمل ابتداءا على تغيير القناعات وكل ما زرع أو نمي في بلدنا من مفاهيم غير عصرية ولا وطنيه وغير منتجه سوى للتخلف والهلاك .
الأحزاب ونخبة النظام هي في قلب ال system وتستغله لصالحها ، وآن لها أن لا تكون جزءا من عملية التجهيل وتوثيق الدجل السياسي القائم . وأن تبدأ بنفسها ومن الحقيقه ، أو تكفي الناس والوطن شرها ، فعن أي قانون انتخابي تبحث هذه الأحزاب ومع من تناقشه ؟ . ألا تحضرهم قصة محلات الكنافة في نابلس حين كانت تبيع ( البايته ) منها للقرويين وتترك الطازجه لسكان المدينه ، وعندما أصر أحد القرويين على بيعه من الطازجة ، أصر البائع على بيعه من( البايته ) وقال له اشتريت أم لم تشتر فهي في النهاية لك ولجماعتك (هي إلكن… إلكن ) . فأصبح الفلاح امام خيارين إما أن يشتري ويعزز فكرة الرضوخ لهذا ال System وإما أن يرفض ويقاطع سياسة البائع ويشجع الأخرين على إنهاء اللعبة لا تعزيزها . إن قادة الاحزاب يعرفون بأن تغيير قانون الانتخاب من فراغ وبشكل معزول هو عمل في نتيجته خادع للشعب ، فلا تتغير معه نوعية الناخبين ولا النواب ولا طبيعة وانتاجية مجلس النواب ،مهما كانت صياغة القانون عصرية ، بل تتعظم المداخيل المعنوية والمادية لدكاكينهم ويترسخ دورهم في ال system .
إن الظرف والمؤشرات تقول بأن قانون الانتخاب ليس بأولوية لأصحاب القرار ، وليس جاهزا ، وقد لا يطرح قريبا إلا للاستهلاك .وإيجاد مجلس جديد لم يعد قضية ،وهناك انتظار وتوقعات كبيره . وسواء بقي الحال على ما هو أو تحول للأسوأ ، فلمن يشكو أقول ، إن تشكيل مجلس تحت أي مسمى ، يكون شعبيا طليعيا توافقيا ممن غيروا ما بأنفسهم ويريدون التغيير بالطريقة السلمية الساسية التثقيفيه ، وعلى قواسم مشتركة مهما كانت ضيقه ،هي خطوة ممكنه . حتى لو ابتدأت باثنين متلاقيين . لنترك الأحزاب وكل القانعين والداخلين في ال system. ونترك الحوار مع الحكومات التي تلبس نفسها ثوب صاحب القرار فتهزئ نفسها أكثر حين تصدر التصريحات السياسية والقرارات ، وحين تحاور دجاجاتها على قانون انتخاب ليست هي صاحبة القرار فيه .