باستثناء المشاركة الرمزية في التحالف الأمريكي المبكر، بقي الأردن عصيا على جره عسكريا لعاصفة التآمر في المنطقه . وللشعب في هذا نصيب، عندما اشتعل الشارع ضجيجا في بداية الهجمة على سوريا رافضا ومحذرا من انزلاق الاردن الى نقطة اللاعوده المتمثله بمشاركة الجيش الاردني في حرب علينا لا لنا، وعنوانها الحقيقي “لعبة الارهاب “. بمعنى أن الشعب استبق الملك باتخاذ القرار، وانضم اليه الاعلام الذي لم تكن لديه توجيهات حكومية بعد . ومن هنا فقد اتخذ الملك قرارا شعبيا سريعا بعدم خروج الجيش الاردني للقتال خارج حدوده . دون أن نعلم مدى استراتيجية القرار غير المقترن بالتفسير .
واقتصر دور الأردن للأن على حماية حدوده بنفسه مستعينا بتنظيمات عشائرية، ومهادنة تنظيمات اخرى متواجده، واختراق ما تيسر له من عصابات الاجرام الصهيونية . وتحول قرار الملك هذا مع الزمن الى سياسه لا نعرف عمقها وحدودها،ومع أنها ليست على المقاس الأمريكي ومحوره المتصهين إلا أنها مضمونة النجاة لأنها مستندة لرغبة شعبية . ولولا العمل الداعشي الإجرامي وربما المدبر امريكيا الذي أودى بحياة الشهيد الكساسبه بطريقة استفزت كل بيت في الأردن، لبقي الشارع الاردني ضاغطا ضد تلك المشاركة الرمزيه.
أما اليوم، فتراجعت الظروف المواتيه للقيادة الأردنية بمجيء ترمب وتحالف دول الخليج المعنية معه على أسس مغريه جدا، قوامها المال والتسامح بفلسطين، وصداقة اسرائيل، مقابل الحرب على ايران ودعم سلطة وأحلام صِبيه، وبدأت الضغوطات الأمريكية والخليجية على الاردن ملكا وإرثا، وعلى الأردن كدوله، سياسيا وأمنيا وماليا بهدف ادخاله الى بيت الطاعه الجديد . والمطالب تطال القضية الفلسطينية وأزمة المنطقه التي تطورت الى صدام بين محور ايران ومحور اسرايل – الرياض . وأيضا واظبت القيادة الاردنية غلى موقفها الرافض للتورط العسكري . ويبدو مع الضغوطات الكبيره أن هذا الاستمرار في الرفض هو بقوة التسارع (acceleration ) وسيتوقف عند نقطة ما ليأخذ شكلا أخر ؟، فاللعبة تمر بفصل جديد فيه حرب واسعة محتملة على حدوده . فهل يكون فيه للأردن موقف أخر أمام المستجدات الأمريكية والعربيه .
نحن أمام مشهدين قتاليين متوقعين أحدهما في الجنوب السوري المتاخم للأردن وأخر على امتداد شرق الفرات للجنوب باتجاه الحدود لاردنية . ومع أن الحديث في المقال يقوم على افترض اشتعال الحرب، إلا أن هناك أسباب جدية تدعو الأطراف إلى أن تتريث لحين ما ستستفر عنه المشاورات بين روسيا من جهه وامريكا واسرائيل من جهة أخرى . حيث أن هذه المنطقة لجنوبية المرشحه لإشعال حرب كبيرة ومتعددة الأطراف قابلة للتطور للأسوأ على الجميع . والتصريحات الحامية والتحرشات العسكرية بين ايران واسرائيل يتعدى هدفها جس النبض إلى رسائل سياسية تعبر عن الرغبة المشتركة في تسوية تحول دون وقوع الحرب التي تدق طبولها دولة الإحتلال على خلفية تصمبم الجيش السوري على استعادة سيادة الدولة على جنوبها .
وبداية فإن المهم سياسيا هنا، أن عدم السماح للجيش السوري باستعادة السيادة السورية الشرعية على اراضيه في الجنوب يعطي مؤشرا ساطعا على النية والرغبة في تفتيت وتقسيم سوريا . وإذا كان وجود قوات لايران ولحزب الله في تلك المنطقة المحاذية للجولان هي الذريعة، فهذه مسألة بسيطة إذا صحت النوايا . ويمكن لروسيا وبتغطية دولية أن تكون ضامنا لكل الأطراف لقدرة سوريا في حماية جنوبها بعد تحريره،دون مشاركة أو وجود لحلفاء أخرين .
بقدر ما يتعلق الأمر بالأردن، فإنه معني جدا بالحرب على حدوده الشمالية، وليس معنيا عسكريا فيالحرب المزمعة في شرق الفرات . فالخطورة المباشره على الأردن، هي الحرب في الجنوب السوري إذا وقعت. وذلك لأسباب محدده سنأتي اليها .أما الحرب في شرق الفرات، فستجعل الأردن أمام منطقه أخرى ساخنه، لمحاذاتها لحدوده الصحراويه . ومع أنها أقل تأثيرا على الأردن، إلا أنها معضلة لسببين، الأول، أنها حرب أمريكا بهدف استعماري اقتصادي ينطوي على صنع دويلات كمناطق نفوذ . والثاني، أن أمريكا تريد إشراك دول خليجيه وعربية اخرى في هذه الحرب كغطاء عربي بما لذلك من تدعيات، فلا التمويل الخليجي هدفا أساسيا لأمريكا، ولا تلك الدولة قادرة على صنع فرق عسكري لأكثر من سبب .
أعود للحرب المتوقعة في الجنوب السوري فهي الحرب المعني بها الأردن . وذلك لخطورتها عليه التي تنبع من اربعة أسباب قد تضعه امام لحظة حقيقه،وخيارات صعبه . وهي :
أ- سيكون الأردن في إطار هذه الحرب مستهدفا بالتأمر والتوريط بالحرب، لموقفه الرافض للدخول في بيت الطاعة، وسينشط في هذا صبية الخليج واموال الزيت العربي.
ب- حتمية تدفق الهجرة البريئة للأردن، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية
ب- تسلل الإرهابيين الى داخل الأردن واشتباكهم مع القوات الأردنية
ج – ستكون هناك محاولة أكيدة لخلط الأوراق برماية القذائف على الاراضي الأردنيه
د- سيكون الظرف ملائما لساعة الصفر لبعض التنظيمات المتطرفه دينيا وعمالة لتحريك خلاياها النائمه في الأردن لأعمال ارهابية وجرمية .
ومع هذه المخاطر وحساباتها، هناك حساب أخر بعمق أخر لا أعتقد بأنه غائب عن القيادة الاردنية . وهو أنه في حالة نجاح الصهيونية وعملائها بفرض دويلة لها في حوران تحاذي دولة أخري في الشرق السوري، فكلا سوريا والأردنسيصبحان في حالة حصار طبيعي، ولن يفيد فكه عن إحدى الدولتين الدولة الأخرى .
وبالمحصله فإنه في حالة اندلاع حرب في الجنوب السوري سيكون الأردن أمام خيارات صعبه ليس فيها واحد مأمونا. ولكن عليها أن تختار بحكمه لدى اتخاذ القرار . فهذه الحرب قد تصبح حرب الأردن كما هي حرب سوريه . لكن هذا قرار سياسي كبير جدا وخطير جدا . ولن يتخذه الأردن الا إذا وجد نفسه في وسط الحرب، وفي ذلك حتمال كبير .
كاتب وباحث عربي