كلمات فلسطيني هزَّ عباسُ مواجعه بتصريحه الأخير في عمان

أيها الحاكم العربي الذي تدعي تكريس سياستك الخارجية لخدمة ام القضايا العربية قضية فلسطين، والذي تعلن رفضك لصفقة القرن، إني إن اتهمتك بالنفاق والكذب والتواطؤ قد أتحول الى متهم وتصبح أنت في عيون الكثيرين بريئا، وإن سألتك ماذا تعني صفرية منتوجك الإيجابي على مر السنين وتراجع النتائج على الأرض ـ وماذا يعني رفضك للصفقة دون أن تعمل شيئا عمليا لمواجهتها، فإنك ستجيب على السؤال الأول بأنك دائب العمل على تحقيق الحقوق الفلسطينية وبأنك نجحت في درئ المصائب ووقف التدهور ضمن امكانياتك، وفي الثاني ستدعي بأنك ايضا تعمل وتضيف على ذلك صعوبة العمل والقول ربما بعدم القدرة أمام جبروت امريكا والضغوطات، وفي كلا الجوابين أنت مسئول عن النتائج، وعليك أن تستمع الى التساؤلات المبنية على أجوبتك المفترضة منطقيا.
عندما تقول أنك تعمل، فمع من تعمل؟ هل مع نفسك أم مع الأصدقاء أم مع الأعداء؟ عليك أن توضح للشعب من هم شركاءك في العمل، وتوضح للشعب خطة عملك التي يجب أن تكون حسابية رقمية ذات مقدمات تصلح للنتائج المطلوبة، وبغير ذلك فإما يصبح كلامك ملغما وتكون لست منا ولا من الوطن، أو يكون كلامك بلا أساس ونتائجه وخيمة على الشعب والوطن، أما إذا قلت أن المؤامرة كبيرة والعدو ذو قوة غاشمة والمهمة صعبة التحقيق فاعلم أنك فقدت شرعية وجودك في السلطة وعليك إعادتها لأصحابها الشرعيين وإفساح المجال لغيرك.
لقد هز كياني وربما كيان الكثيرين تصريح الرئيس عباس في عمان عندما قال أنه والملك لا يوافقان على صفقة القرن، وأقول له إن هذا هو نفس ما تقوله جداتنا المقعدات وكل الناس العاديين وليس الحاكم المسئول، وما كنت اتوقع هذه الجرأة بقولك هذا الكلام وأنت في كرسي صاحب الأمانة والمسئولية الأولى والقرار والفعل، فالمراقبون القرَّاء للكلام والمتابعون لعِظَم الخطب كانوا يتوقعونك إن لم تصمت أن تقول كلاما مختلفا، أن تقول لقد اتفقتُ مع الملك على خطوات استراتيجية لإفشال صفقة القرن وأن تقول أن الكلمة للشعب ونحن نعمل لتحقيق تلك الكلمة، كلمة الرفض منك ومن كل حاكم عربي أصبحت قولا يساوي بحد ذاته الفعل، وقد عودتم الشعب العربي على ذلك وعلى أن كلامكم لا فعل ولا تفعيل له، وإنكم بكذبكم لا تستهدفون الا من يصدقه من بسطاء الناس، وحشد منطق السحيجة والاعلام المضلل.
الأمة والوطن في أزمة عميقة بلا ضوء من الأمل في غياب موقف عملي للشعوب إلا في وقوع العدو بشر أعماله أو بعودة ملائكة بدر وأحد، والقضية في النزع الأخير وما زلتم تحرصون على حقكم الحصري في القرار بمعزل عن شعوبكم وعن دساتير بلادكم وكل أدوات المنطق، وكل شعرة في أجسادكم وأجسادنا تعلم أنكم الأصفار التي يتحكم العدو بوضع الرقم ومقداره على شمالها أو على يمينها وأن هذا وحده مصدر بقائكم وقوتكم وضعفكم بنفس الوقت واختلاف الظرف، وأنه مصدر استخدامكم لجيوشكم وأجهزة أمنكم ومصدر قدرتكم على سحق شعوبكم واضطهادها وزبلها .
لقد تعاظمت الأرقام على شمال الصفر مجسدا بكم حتى أصبحتم ترون أنفسكم آلهات تسكن في شعوبنا وأوطاننا وتثورون على من لا يعبدكم وما أنتم الا عهدة علينا، لقد انتهت عبادة الأصنام حتى لو عاد نحتها وتصميمها وزرعها بأشخاصكم، وبث روح الشيطان فيها والشيطان شر متحرك وخاسر في النهاية.
فالغالبية الساحقة من شعوبنا أصبحت على دراية بأن تصريحاتكم برفض صفقة التصفية في الوقت الذي يجري فيه تنفيذها دون تغير ولو قيد أنملة من نهجكم مع امريكا واسرائيل ولا من نهجكم في داخل البيت هي تصريحات لا ذرة فيها من المصداقية، بل فيها تواطؤ مكشوف.. وعلى الشعبين التوأمين الأردني والفلسطيني بصفتهم المستهدفين مباشرة كشعب ووطن ومصير أن يضعوا نصب عقولهم حقيقة أنهم مرتبطين بوحدة الجغرافيا والتاريخ والدم والعقيدة، وليس من عامل واحد يفرقهم سوى دس الأعداء والمتآمرين وجهل الجاهلين منهم.
ولم يعد هناك خيار أمام الشعب الفلسطيني إلا أن يأخذ زمام المبادرة من مسئوليه وانقساماتهم، والمقاومة خيار كل الشعب وليس خيار حماس وحدها التي تناور اليوم مناورة المحاصر حين تُغلق عليه منافذ الأوكسيجين، فبقاء حماس على الأرض الفلسطينية هو الأهم، إنه بقاء ضروري وحيوي للمقاومة الفلسطينية وفكرتها على الأرض الفلسطينية، وتعزيز شمولها، وليعلم من لا يعلم أن للشعب الفلسطيني خصائص مواتية يتميز بها عن شعوب الدول العربية، إنه الشعب العربي الوحيد تحت الاحتلال الاحلالي المباشر، والوحيد الذي يمتلك السند القانوني والدولي بالثورة على محتليه ومعاوينيهم والوحيد الذي تعداده السكاني في الشتات يساوي ثلاثة أضعاف من هم في الداخل.
أن هذه الخصائص وعلى رأسها خاصية زخم الشتات تؤهل الى فرصة ناجحة في المباشرة لإعادة توحيد الشعب الفلسطيني على أسس نضالية متينة. لقد أصبحت مسألة تجاوز السلطة وترتيب مؤسسات البيت الفلسطيني بكل أنواعها وتفعيلها مسألة لا يجب أن تقبل الجدلية، ونخب العلم والفكر والإبداع في دول العالم المتقدم يتقدمها فلسطينيوا الشتات، ولا بديل اليوم عن فرض وجود الشعب الفلسطيني لنفسة ولقضيته على العالم سياسيا ومقاومة، وستقف معه وتساعده الحكومات الصديقة، وتتفهمه الحكومات الحرة، وتقف لجانبه كل الشعوب العربية وخاصة الشعب الأردني الشريك كأولوية وواجب وطني مميز.
وقد تابعت منذ عام محاولات نخبة من الشعب الفلسطيني بالشتات للانقلاب على الواقع القائم في رام االله أوسلو، ولم تنجح بفعل ضعف التمثيل والشخصيات المؤثرة وتدخلات الشد العكسي من داخل السلطة، أما اليوم فالأمر مختلف والخيارات الفاشلة أعادت القضية لمربعها الأول، ولعل أمام الشعب الفلسطيني مستجدا دوليا يعزز مسعاه في ما نراه من بوادر تحالف تركي – ايراني قائم على مقاومة اللعبة الأمريكية التي ان فتكت بإحدى الدولتين ستفتك بالأخرى.. وستكون هاتان الدولتان حاضنة أمينة لمؤسسات ونضال الشعب الفلسطيني.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply