إن كلمة يهود قد تداولها العرب وحدهم قبل الإسلام بقرون . وقد ثبتها القرآن الكريم كما ثبت الكثير من المصطلحات ولأسماء الأجنبية أو غير العربية كما وردت من أصحابها . وكنا وما زلنا نفهم و نتداول كلمة يهود هذه خطأ على أنها تعني عرقا معينا بعقيدة موسى ، وبأن اسم ذلك القوم هذا جاء نسبة الى يهوذا ابن يعقوب أو الى مملكة يهوذا , وأن لهم ديانة دعوناها بالاشتقاق اليهودية في حين أن اسمها في كل المراجع التاريخية والدينية القديمة هو توارث يهوه وايريث يهوه
إن الواقع المنطقي والتاريخي الموثق يناقض فهمنا وتفسيرنا السائد لمعنى كلمة يهود الواردة في القرآن الكريم . فعلاوة على عدم وجود هذه الكلمة في أي مصدر قديم ولا في السيرة الدينية ولا التاريخية القديمة , فإنه لم تكن هناك أية كلمة بأية لغة وبأية وثيقة أو مخطوطة وبأية حقبة تاريخية قبل القرن الثامن عشر الميلادي تشير أو تدل على الدلالة التي أعطيناها لكلمة يهود. فالمسمى غير موجود لتكون هناك تسميه ومن المنطق أن لا يكون لكلمة يهود بالعربية معنى لشئ غير موجود بل أن يكون المعنى لشئ موجود . وقد ساوينا نحن العرب بين كلمة يهود هذه وبين عبارة بني اسرائيل وكذلك ساويناها خطأ بكلمة (..jew) التي ابتكرها حديثا أحفاد الخزر وأعطوها نفس المدلول لعربي الخاطئ , مما يدل على أنهم قد استغلوا هذا المصطلح العربي من أجل اقتباس وتكريس المفهوم العربي الإسلامي الخاطئ لكلمة يهود وإسقاطه على كلمة (jew) ليكرسوا لها معنى قوم معين بعقيدة معينة أو عقيدة موسى.
إن هناك أسبابا عديدة تؤكد خطأ عتقادنا واعتقاد المؤرخين او اللغويين في نسبتهم كلمة يهود الى يهوذا أحد أبناء يعقوب أو الى مملكة يهوذا المفترضة , إذ ليس هناك أي سند علمي ولا تاريخي ولا لغوي لذلك . والأهم هو أننا لغويا إذا أردنا نسبة يهود الى يهوذا كشخص أو كمملكة لقلنا يهوذ أو يهوذيين وليس يهود . فلم استبدال حرف (ذ) ب (د) دون لزوم؟ سيما وأن القرآن الكريم هو المرجع للصرف والنحو واللغة السليمة . ومن ناحية ثانية فإن المعتقد التوراتي برمته لم يكن موجودا في عهد ابراهيم ويعقوب وابنه يهوذا في القرن التاسع عشر ميلادي ، ولم تكن التوراة قد كتبت الا بعدهم بمئات السنين . هذا علاوة على ان يهوذا ليس من الأسماء المرموقة في السيرة التوراتية من بين أولاد يعقوب وهو الذي غضب عليه بنص التوراة حين اتهمه والده باغتصاب زوجته ( أي زوجة أبيه يعقوب ) .
وأذكر هنا تجنبا للإلتباس بأن في القرآن الكريم مصطلحا آخر مشابها قد خلطناه بمصطلح يهود وهو مصطلح هادوا , إنهما في الواقع مصطلحان مختلفان عن بعضهما , فكلمة يهود ليست عربية كما ليس لها تصريف , أما كلمة هادوا فهي عربية ولها اشتقاقها وتصريفها . وهي من هاد يهود بمعنى رجع وتاب , وأطلقت في الكتاب الكريم على جماعة موسى .
الآن أتي الى مصدر الاشتقاق المنطقي والمعنى الحقيقي لكلمة يهود ومن كان يقصد بها القرآن الكريم وهو ما توصلت إليه من واقع بحثي المنطقي والتاريخي الذي أوصلني الى مصطلح (يهوديم) الذي كان يعني اتباع أو جماعة يهوه وكان يطلق عليهم في زمن الرومان وهو مشتق من يهوه الإله الذي اتخذه كتبة التوراة كإله خاص بجماعتهم . حيث لمركزية يهوه في المعتقد التوراتي فقد نسبت اليه واشتقت منه اشتقاقات كثيرة لمسميات كثيرة لا سيما في عهد الإمبراطورية الرومانية وكان من أهمها كلمة (يهوديم) بمعنى (أتباع يهوه) والتي كانت تطلق على تلك الجماعة أو الخليط من الناس الذين اتخذوا من يهوه ألهة لهم . وقد أكد ذلك توماس تومبسون حيث قال ما نصه ( في بداية العهد الحاخامي ((التلمودي)) في القرن الثاني ميلادي , يكون مصطلح (يهوديم ) وصفيا بشكل ديني على نحو واضح , وليس إثنيا أو عرقيا , ولا جغرافيا )) انتهى . ..
وهنا أضيف في تحليلي حتى أصل للنتيجة وأقول بأنه لا يمنع إطلاقا أن يكون العرب في الجزيرة قبل الإسلام عندما وصلتهم كلمة يهوديم التي تعني اتباع يهوه ، قاموا باختصارها أو عربوها الى كلمة يهود لتسهيل اللفظ وتسهيل عملية التصريف اللازمة في الحديث بالعربية . وتعريب الكلمات عادة معروفة . فالكلمتين يهوديم ويهود متقاربتين جدا والاشتقاق منطقيا والمعنى للكلمتين واحد من واقع روح ونصوص القرآن الكريم الغاضبة والرافضة لليهود بعكس مفهوم مصطلح بني اسرائيل . وذلك لبعد اليهوية عن روح عقيدة التوحيد والسماء . وعليه تكون كلمة يهود في القرآن الكريم اصطلاحا غير عربي ككثير من الكلمات غير العربية فيه . وتعني تماما أتباع يهوه الذين هم من قوميات وأمكننة مخنلفة , ولا يلتقون في الواقع مع معتقد إبراهيم وموسى الذي تعلمناه من القرآن الكريم ولتصبح كلمة يهود في القرآن الكريم حسب هذا المعنى متفقة مع الواقع العلمي والتاريخي من حيث أنها لا تعني عرقا بل تعني جماعة مرتبطة بفكرة دينية وثنية . كما أن هذا التفسير يقدم سببا منطقيا الى تفهم أوضح لما ورد بحق هؤلاء اليهود في القرآن الكريم من إشارات الغضب .
أما كلمة يهوذا نفسها فقد اشتقت من الإله الوثني يهوه ، وتعني الشاكر لله وهو هنا يهوه . وهو ما توضحه الفقرة 35 من الإصحاح 29 من سفر التكوين حيث أن تجزئة كلمة يهوذا هي / يهو+ ذا وتعني بنص التوراة الحامد الى (يهوه) ويقول النص على لسان ليئه زوجة يعقوب عند ولادتها ما حرفيته (( وحبلت أيضا وولدت ابنا وقالت هذه المرة أحمد الرب لذلك دعت اسمه يهوذا)) انتهى