الحلقة تضيق على شعوبنا بالموت البطيء ذلا واضطهادا وجوعا . وبالموت سريعا بسفك الدماء عزا وكرامة وشهادة لمن يحاول الوقوف .والهدف هو تركيع هذه الأمة والنيل من عقولها ومفاهيمها وثقافتها ، وشطب اوطانها ومقدراتها من سجل عقار التاريخ وصولا لجعلها تعيش رعايا في بلادها عبيدا مدجنين للصهيونية . تماما كما حاول الغرب فعله بمتهودي الخزر، وفشل عندما قاوموه قرونا بكل الاسلحه المشروعة وغير المشروعة إلى أن ظهرت الصهيونية من صلبهم وجاءت بحل تشا ركي أسقطت بموجبه تجربتهم على حسابنا بالشراكة مع الامبرياليه الغربية .
ليسمح لي القارئ بالتذكير بحالتنا الحقيقية التي نجحوا بصنعها فينا وجعلنا شعبا خانعا .لأنها حالة نفسية ، ومعرفتها والقناعة بها وحده الأساس في خروجنا منها . ومع أني كتب فيها كما كتب بها البعض قبلي إلا أن ذلك كان في سياقات ليست على الوجع . إنها حالة طرحت قبل ستة قرون من مفكر فرنسي . تتقبل فيها أجيال الشعوب المستهدفه الظلم والاستبداد والاستحمار وفقدان الحرية والحقوق فداء لاستقرار وضع تتحقق فيه حاجتها البيولوجية ، ( الطعام ، وتأمين حاجة الأبناء ) . وتصيب هذه الحالة المرضية الشعوب كنتيجة لاستمرار وتواصل قمعها واضطهادها وإرهابها لعقود . وهو ما جرى ويجري عندنا . وتسمى بحالة ” المواطن المستقر” الذي أصبح يعيشها هذا الجيل .
فالمواطن المصاب بهذه الحالة المرضية ، وشعبنا مصاب . يصبح فيها أسيرا للحفاظ على سيكيولوجية الاستعباد المرتبطة عنده بالحفاظ على نمط حياته وحاجته البيولوجية المحددة ، وشرطها الاستقرار كما يفصله الطغاة . ولا يعود المواطن يفاوض عليها ، ويرتكب على مذبح بقائها كل انواع النفاق والكذب والفساد والموبقات ويتخلى عن حقوقه الانسانية والوطنية والسياسية تحت هاجس الخوف مما يهددها أو ينطوي على حرمانه او فقدانه لها ، وحتى لو تفاقم وضعه فإنه يُقدِم على الانتحار ولا يُقدم على المواجهه كالخروج في مظاهره او الاحتجاج على موقف السلطة مثلا .
وحيث أن الطبيعة الانسانية لها متطلبات ذات خصوصيه وللمواطن اولويات كإنسان ، فإنهم يواظبون على جعل أولوية المواطن الأساسية في قوته وتنشئة أطفاله في خطر وتهديد دائمين حتى يضَحي بما سواها في سبيل الحفاظ عليها .ويوجهون بنفس الوقت هذهالشعوب لأولويات واهتمامات بديلة لتحقيق ذاتها وما ينقصها في مسائل اخرى كوسائل الرياضة والترفيه من كرة القدم الى هز الردفين .. ويتحول الدين عند المواطن في هذه الحالة الى طقوس وعمل ميكانيكي معزول . ولا يتولد عنده الشعور بالذنب من فعل الموبقات والخروج عن رسالة الاسلام بل يتولد عندما يفوته موعد الصلاة .
نعلم بأن حكام العرب هم الماسكون بالحلقة ويسوقون وينفذون السياسة الصهيونية المشار اليها بحالة “المواطن المستقر” .ويرى المراقب ان هذه الحالة التي تُكرس مفهوم العجز والاستسلام وسد الأبواب في وجوه شعوبنا نجحت في كل الأقطار العربية تقريبا.. لكنها فشلت في فلسطين ومع الفسطينيين لعدم تلوث شعبها بالثقافة السايكوسبيكية التي ولدت الاقليمية والجهوية وسياسة الثنائيات، ولعدم تمكن الصهيونية من فرض حاكم وكيل ناجح في فلسطين ، أو يقوى على تنفيذ سياسة القمع والتطويع وحشد سلاطين الفتاوى ، فبقي الشعب الفلسطيني هو ضمير الأمه الحي ، عربيا واسلاميا . وهذا قدره من الله .
فما هو مصدر قوة هؤلاء الحكام وثباتهم وقدرتهم على تنفيذ السياسة الصهيونية المتمثلة “بالمواطن المستقر ” وعلى تأدية رسالة الصهيونية بنجاح وكيف الخلاص .
وبداية لقد جعل العدو هؤلاء الحكام شركاء مأجورين له في نهب شعوبنا ومالها العام ومقدراتها لحساباتهم الشخصية . والمأجورية هنا تأتي بالاتفاق المباشر وغير المباشر أو بالايحاء بالضغوطات الى أن يصبحوا عملاء أسرى للصهيونة كأي مواطن تحول بالمال والضغوطات الى عميل حتى ينفق .ومن هنا كان حافز الحكام لتفعيل أسباب ثباتهم .
أما قدرتهم فقامت على ازدواجية الخطاب السياسي والعزل السياسي الوطني وإشاعة ثقافة الفساد. وتوسيع جهاز الدولة وجعل الوظيفة مصدر رزق وحيد ، والموظف مرتزقا تحت ضغط الابتزاز . واستخدام العسكر والجيوش الوطنية وجعلها من طبقتين عليا تدجن بالمال الفاسد والامتيازات التي لا سند وطني او ميداني لها ، وصغرى واسعة من فقراء الشعب لتصبح طبقة مرتزقة . وبما يعني ارتباط مصالح العسكر بالأنظمة وبالتالي التحالف معها وتغيير عقيدتها القتالية لتصبح باتجاه حماية الانظمة . أي الى أدوات قمع للشعب . حيث تمكن هؤلاء الحكام من تغييب الديمقراطية وارادة الشعب وفرض الدكتاتورية على النمط القديم ” انا الدولة والدولة أنا ” ويعتبره “المواطن المستقر” المخَلص وفي مصاف الآلهات .
أما كيف الخلاص ، فعلينا أن نسبعد قدرة امريكا والصهيونية من ذلك . فحال هؤلاء الحكام وأنظمتهم من الهشاشة ما يُعجِز أمريكا والصهيونية من فعل شيء لهم في أية مواجهة شعبية سلمية . والكرة ستنتقل الى ملعب الشعوب والأهداف ستكون محققة إذا وقفت هذه الشعوب على حالتها المرضية وعلى أسباب وكيفية فرضها عليهم ومآلاتها المدمرة ، وعلمت بان الاستقرار المطلوب الذي يعتقدونه هو على مقاس الحكام وزمن حكمهم وعلى مقاس العدو الأجنبي وأهدافه ، وهو استقرار هش وخادع وملغم وأمنه لا يحقق الأمان لها ، ويتعارض مع مستقبل أمنها الغذائي والإجتماعي والسياسي ويهدد مستقبل اولادهم واحفادهم واوطانهم ومفاهيم الحق والخير والسعادة . فلا مصلحة خاصة تتحقق لمواطن ولا أمن واستقرار يتحقق له بمعزل عن الأمن العام القائم على أسسه والمصلحة الجماعية.
نحن بأمس الحاجة في هذا الظرف وهذه الحالة لأنْ يترك الشعب التمسك بالقشور السياسية والاجتماعية والدينية وتسويقها والتراشق بها صباح مساء ، وفي تهاني الجمع والأعياد لإخفاء عجزه وتقصيره والهروب من اللب الذي تكمن فيه الحقيقة التي يجب أننتراشق بها . فلا مبرر لها نظيف ومقبولورسالة الاسلام وثقافته وراء ظهورنا غائبه ، ومقدساتنا وأوطاننا مدنسة ومحتلة . لنستبق ونتعظ من نتائج حالة “المواطن المستقر” التي نشاهدها في ارجاء الوطن العربي وننقلب عليها . وبعد، من أي طينة أصبحنا وأية طاعات مجتزأة يتقبلها الله منا وإلى أين نحن ذاهبون ونحن نشاهد طفلا فلسطينيا ينطق بالشهادة وقدم الصهيوني على رقبته بيده السكين . إنه مشهد يهتز له الميت والحجر ، لا بارك الله فيكم حكامنا ولا بأولادكم ولا بأموالكم . لنترك كل خطاب زيف ودعاء عجز ونفاق تهنئة ونقف ساعة تأمل مع النفس ونتوحد على خطاب عنوانه “حيا على صحوة الضمير ، حيا على النهوض والعمل ” .
كاتب وباحث اردني