كيف يضمن الأردن سلامة سياسته ونجاحها في مواجهة الوباء وتداعياته

من المغاير للمنطق والصواب أن تُستخدم حكومة ذات برامج وتكليف معين، وبخصوصية إدارتها وأشخاصها وإمكاناتها لمرحة معينة تقليدية لمواجهة وإدارة مرحلة حدث استطاع أن يخترق خصوصية كل دولة في العالم وينقلها الى مرحلة جديدة لم يحسب حسابها. ويُعجز الديمقراطيات منها والدكتاتوريات الوطنية على السواء. فما يواجهه العالم ليس مجرد أزمة صحية معزولة عن تداعيات هي أخطر بكثير وأشمل على حياة شعوب الدول تطال أرواحها مرضا وفقراً وأمنا واستقرارا ومستقبلاً، وتنسف كل أسس الدول الاقتصادية والسياسية والعلمية والأخلاقية القائمة.
ومع ذلك، لقد استبشرنا خيراً بنجاح باهر لمسناه من الدولة في اجراءات السيطرة على الوباء وتجاوبنا كشعب مع كل تلك الاجراءات وكانت فزعتنا مع الحكومة كبيرة ومشجعة، ورحبنا بقانون الدفاع ووقفنا ضد كل من يخترق أوامره وسنبقى كذلك فهذا يومه وظرفه، وكنا في غمرة همنا وغمرة دعم الدولة على ثقة بأن يكون استخدامه في حدود مواجهة الوباء واحتياجاته صارما لا كبير عنده ولا تهاون هنا أو هناك، سيما وأن سواد الشعب من الفقراء وسواد المصالح الاقتصادية هي من تدفع ثمنه إضافة لخزينة الدولة. لكنا كشعب نسينا أن قانون الدفاع منتوجه مرتبط بأيدي إدارة حكومة معرفتها ووظيفتها التقليدية وطبيعتها لا تمتلك المواصفات المطلوبة لصنع القرار وتنفيذه في هذه المرحلة. وبالتالي وضعنا سيفا بيد حكومة ليست على قدر مسئولية القيام بواجبها على الوجه المطلوب ولا تجيد مكان تصويبه.
من البديهيات أن الإدارة هي سبب فشل أو نجاح أية مهمة موكولة اليها على اختلاف الوزارات والمؤسسات والقطاعات. إلا أن الأنظمة في دولنا العربية هي من تعين وتستبدل وتوجه الإدارات العامة الممثلة بحكوماتها بما ينسجم مع نهوجها السياسية، والتي بدورها تختار إدارات قطاعية أخرى. وإن تجاوزنا عن ذلك، فهي لا تعينها على الأسس الحرة والعلمية والقدرات المنافسة في السوق أو في الدولة ككل بحيادية سياسية ولا على الأسس الديمقراطية. وإدارة الدولة في بلدنا الأردن هي المسئولة عن فشل كل قطاعات الدولة وتراجعها لسنين، فكيف لهذا الشعب أن يتخطى أولوية المطالبة بتغيير الحكومة على كل مطلب أخر على الأسس التي تتطلبها المرحلة، والأردن يزخر بكل المطلوب.
الإدارة القائمة الممثلة بالحكومة التي فشلت في وضع استراتيجية متكاملة وشاملة لجوانب الأزمة وإجراءاتها المستحقة لمرحلة الوباء وما بعده، وفشلت في استقطاب الآراء والاختصاصات الأخرى، قادنا نجاحها الإعلامي المبني على نجاح الأجهزة وتجاوب الشعب في كبح انتشار الوباء إلى رفع التوقعات فجاءت السحجة الشعبية وأخذت المعنيين بالغرو والاسترخاء وأحياناً يكون التواضع من قبيله. ولعلي تابعت تلفزيون “المملكة ” بالذات واستشعرت نقدا إيجابيا للقطاع الصحي له تأثيره، إلا أن قناعة تشكلت لدي بأن وزير الصحة التي تتجه العيون والأذان له بحكم دور وزارته الأكبر هو كغيره. وليس لأحدهم أن يتمكن من العطاء المطلوب من قطاعه ولا الاستفادة من قانون الدفاع ولا تطبيق روحه على مرؤوسيه في وزارته أو مؤسسته
الحكومة بصرف النظر عن الفروقات الفردية لأعضائها، معهم عذرهم كونهم لا يشكلون الفريق القادر على إدارة الأزمة كما أسلفنا وصفها. وبأنها إدارة تفتقد لاستراتيجية تكاملية وللاختصاصات والمأسسة التي توفر الرأي السديد والتطبيق السليم. حيث في غياب ذلك يصبح قرارها ارتجاليا حتى لو بصمم عليه الجميع. وإذا تكلمنا عن قطاع الصحة كمثال، فليست وزارة الصحة وحدها قادرة ولا مسئولة وحدها عن تنفيذ ما تبشر به وما يصدر باسمها من تعليمات. فوزيرها حتى لو كان صاحب قرار في اصدارها فقد لا يكون مكتملا ولا دقيقا، وبالضرورة لن يكون تطبيقه سليما أيضا لأن الإدارة جمعية، والخلل في إدارة إحدى القطاعات ينسحب على الأخر.
علينا أن نعلم كدولة بأن مهمتنا كإدارة سليمة أو غير سليمة لا تستطيع وقف الوباء ما دام انتشاره عالميا قبل أن ينتهي في العالم. وأن مسعانا هو السيطرة عليه في كبح جماحه بالتوازن المطلوب والمترافق بالحمائية الاقتصادية والانتاجية لمرحلتي الوباء وما بعده. على أن التقصير بعملية الوقاية والإنتكاسة فيها قاتلة وتنسف كل شيئ. وبهذا لقد شاع الإحباط والاستهجان مؤخراً واهتزاز الثقة عند الشعب نتيجة إجراءات الحجر والتهاون فيها وعدم رعاية الإدارة لها بمأسستها لخطورتها. فلا يجوز الإعتماد على وعي المواطنين في هذا، ولا يمكن أن تكون حياة الشعب وتضحياته ولا نفقات الدولة وجهودها رهن تقيد مواطن قادم من مناطق موبوءة بالتعليمات. ولو كان الأمر كذلك فلم قانون الدفاع وحظر التجول وإغلاق وسائل الانتاج والرز؟.
الطريق أمامنا طويلة والتحديات الكبيرة أمامنا. والحظر والإغلاق كوسيلة هي الأنجع لن تستطيع عليه الدولة ولا أي دولة. وإن فكه المحتوم له تداعيات قد تطول كي يصل الوباء ذروته ويتراجع، ولهذا تبعات جسيمة. فنحن دولة لها همة ولكن يعوزها المال والاقتصاد القادر على الصمود وشعبها يزدادا فقره وتتآكل قوته الشرائية. فنأمل ونطالب قيادة الدولة السياسية أن تتبصر الأمر أكثر وتستدرك الوقت لتشكيل حكومة أو إدارة قادرة بكفاءتها وحسها الإداري والقيادي واختصاصاتها على أن تضع استراتيجية شاملة ومتكاملة لمراحل الأزمة مع وسائل تنفيذها عمليا بنجاح مستفيدة من قانون الدفاع، وسلَّم الله الأردن حاضرا ومستقبلاً.