تشكل الاحزاب البرامجية الأردنية القائمة دون استثناء آلية حكومية لتكريس الواقع المغاير للديمقراطية. والأحزاب الأيدولوجية على الساحة معزولة عن الواقع الاردني وفاقدة لأية شرعية وطنية ، وحاضنتها الدولية معزولة ومتآكلة . والاحزاب الاسلامية كحزب جبهة العمل الاسلامي هي من هذه الاحزاب الأيدولوجية ، وما تمتاز به عنها من قاعدة شعبية أو انتخابية ما هي إلا ميزة هشة لا يعتد بها لأنها تجيء من واقع تنافس الأيدولوجيات على الساحة ومن غياب الأحزاب البرامجية الوطنية الحرة والجادة والحاملة لمشروع ينفع الناس والوطن . فهو حزب بعيد عن العمل السياسي الناجح وأسسه ، واستمراره يعني الإصرار على اعادة انتاج الفشل . ولا حديث في هذا المقال عن الاحزاب الأيدولوجية المقبورة عالميا .
الاحزاب البرامجية الاردنية عاجزة عن تشكيل قاعدة شعبية او انتخابية ، وعاجزه بفعل تكوينها وارتباطاتها وانخراطها في النهج السياسي القائم عن فعل شيء للمواطن وللوطن.. تبدأ ببضعة أشخاص لا تربطهم مفاهيم سياسية مشتركة، يقومون بلملمة خمسماية اسم لمواطن ويحصلون على تصريح لحزب . وتنتهي بعد ذلك مهمتهم ويعودون بضعة أشخاص وشيخ . ولا يعود لهم مصلحة إلا مع االحكومات . وأخجل كمواطن أردني من أسماء أحزابهم المسروقة من ضمير الشعب ، وأخجل من الحقيقة عندما تصبح الأسماء عنوانا لبضاعة فاسدة . وأحزن على تهزيء معانيها الكبيرة . أحزاب يقتصر عملها على اصدار بيانات المناسبات وعلى البحث عن مكاسب مالية او ادارية في إطار دور حكومي ، وتفتصر أهدافها على الوصولية وبناء علاقات عامة للتلميع الشخصي ودخول السيستم كلاعب له بأجر.
أحزابنا القائمة لا تعنيها فلسفة وجود الحزب ومبرر وجوده . بل تفهم ويعنيها استثماره في سوق الحرب على الديمقراطية ، وبيع نفسها ديكورا يشرعن الأمر الواقع ومستجداته . شيخوها لا يعملون وفق علاقة ودور الأحزاب بالنظام البرلماني القائم بنص الدستور ، ولا وفق النوعية المطلوبة لهذه الأحزاب ،ولا النظام الحزبي المطلوب . والأغرب من ذلك أنها أحزاب تقسم نفسها الى فئتين ، الأولى موالية ولا نفهم كيف يكون هناك حزب سياسي موالي للحكومة في أي نظام وهو ليس جزءا منها ، وما هي عندئذ مبررات وجوده وهو خارج السلطة . والفئة الثانية أحزاب معارضه ولا تمتلك من مقومات الحزب المعارض أساسا واحدا. ومنها تستوزر الحكومات لتنفيذ سياساتها في إهانة واضحة وتهزيء للفكرة والشخص والمسعى في عيون الشعب .
استقلت دولتنا بالتفاوض ، وتركها المستعمر تعيش وما زالت في اطار مخلفاته ورؤيته ، فإرادته حاضرة في مسيرة الدولة وسياساتها الداخلية والخارجية بعيدا عن الرؤية الوطنية الحرة وعن العالم الحر . لقد تركها المستعمر مهيئة لتعيش في اطار ثنائيات متناقضة ترسخت اجتماعيا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا ، واستنسخنا بمساعدته دستورا ، ادركنا أنه ديكورا عندما بنيت له مؤسسات وهياكل شكلية للديمقراطية بمضمون وممارسة مغايرتين لها .إلا أن أحزابنا ونوابنا ونخبنا وإعلامينا يعرفون ويتجاهلون هذا الاطار الذي يعملون فيه مع الحكومات باتجاه واحد . دون ضابط ولا أداة مراقبة أو تطوير . فالنهج القائم لا يتحمل معارضة ولا زرع بذرة لها .ولكنه يتحمل معارضين مشتتين كأفراد ، بعيدا عن العمل السياسي المنظم الحر والمشترك تحت مظلة القانون ليكونوا جزءا من الديكور الديمقراطي
لدينا اليوم على الساحة الأردنية تياران متناغمان متحالفان يتقاسمان الأدوار . هما النظام ممثلا بالحكومات وأجهزتها من جهة ، والمؤسسات الحزبية والمدنية والبرلمانية من جهة ثانية . وهذا التحالف الاقصائي القائم على تبادل المصالح اوصل الدولة وشعبها ومصالحها لطريق مسدود أمام مواجهة التحديات الاقتصادية والمعيشية والسياسية ، وفاقمها ، وجعلها دولة تنتظر مصيرها وهي عمليا مستسلمة .
النخب الوطنية من خارج الاحزاب الشكلية تكتب وتخطب وتنظر وتشعر ، لكنها لا تفعل فعلا ولا تنخرط بعمل سياسي وطني ثالث توثق به خطابها السياسي وتجسده في عمل . حتى أصبح الكلام لها صنعة وغاية . وأصبحت هذه النخبة تشكل هي الأخرى جزءا مكملا من أدوات تلميع وشرعنة وتكريس نهج الديمقراطية الزائفة .. .نحن بحاجة الى طرف ثالث من خلال حزب سياسي برامجي معارض على أسس المعارضه ، يحيي حراكا سياسيا وطنيا ديمقراطياويستقطب كل مواطن أينما كان موقعه يتطلع للخروج من قانون اللعبة الواحده التي لا تخص إلا أصحابها .