إن الحرص على الدستور والقانون ينبع من الحرص على سلامة الدولة بأرضها وإنسانها ونظامها ، وترابط هذه المكونات . ونحن ننظر للدستور في بلادنا كمظلة على اتساع جغرافيا وديموغرافيا الوطن. وبأن إحدى أهم زواياها تحمي الضعفاء قبل الأقوياء و توفر الأمن والطمأنينة لأهله ولساكنيه مقيمين ووافدين ومهجرين ، وإلا لكانت الهجرة منه لا إليه .
لقد أصبح ملاحظا ، بأن هناك اعتداءات سافرة أصبحت تتكرر على القانون من مطبقيه …. وقرارات وسلوكيات لا يُسمَعُ تبرير لها من اي جهة رسمية . وإن كان ذلك واقعا ، فهل هناك قصور في الدستور او القانون لمنع او تجريمِ الأفعال أو الأقوال التي من أجلها يتم تجاوز القانون ، أم أن هناك قوانيناً غير متاحة امام الناس تطبق عليهم عند الضرورة ؟ وإذا كان لا هذا ولا ذاك ، فهل هناك مراكز قوة عابثة ، فوق القانون ، أو ثغرة في حماية القانون وسلامة التطبيق ؟ .
أخاطب القانونيين والمسئوليين دستوريا والمثقفين ، متسائلا . هل في القانون الأردني او الدولي مايُبيح إغلاقَ سجنٍ على متهم دون اطلاق سراحه بكفالة ، إلا في حالات الخوف على حياته أو من هروربه أو من إخفاء الأدلة ؟. أليست هذه الممارسة عند انتفاء دواعيها عقوبة بحد ذاتها من خارج القانون ، وهل يُفَسَرُ الأمر عندها بغير الإعتداء على مصداقية الدولة وحرية الانسان وغياب سلطة القضاء؟. . . ومع تكرار هذه الممارسه إزاء متنوعي التهم ، فهل هناك محصن من الناس أو من المسئولين أنفسهم من وقوع نفس الممارسة عليه يوما ما . لا أعتقد ذلك ما دام الأمر كذلك .
إننا نبدو أمام بزوغ ظاهرة تترسخ بخلاف الدستور وشرعة الدول ، ليصبح الأمر هنا يخص الناس كلهم ، وقضية شعب لا فرد ، بل قضية رأي عام . أنا لا أعرف الشخص او الأشخاص المعنيين ولا غيرهم ممن عاشوا التجربة ، لكنني أضع نفسي أولا مكانهم كمواطن أردني فأشعر بالألم والقهر. فأدافع عن نفسي في خطوة استباقية كحق مشروع ، ثم أنبه لخطورة تجاوز القانون من قانونيٍ أو من مسئول أو متنفذ ،على حياة الناس والنظرة للدولة ، وإلى أين نحن سائرين .
لا يرى الكثيرون سوية أو منطقا سليما في إقحام الدعوية بخصوصيات الناس وحرياتهم ، أو بالسياسة إذا زاد الأمر عن رأي (سياسي ) ، فشعبنا بغالبيته لا يميل الى البحث ليتحرى الأقرب للحقيقة ،إنه يفضل استقاء معلومته السياسية بثقة متوارثة من( الشبخ )أو الداعية الديني دون تمحيص ، وقد لا تلامس هذه المعلومة الحقيقة التي يتبعها الكثيرون كفتوى دينية وربما تشكل رأيا عاما فئويا – اقصائيا . كما أني لا أتفهم سلوك مواطن معارض يتمتع في بلده بملئ الحرية بابداء الرأي والكتابة والنقد والإنتقاد ثم يعبر الحدود لدولة أخرى ويفتح النار على سياسة بلده في ظروف حرجة أو غير حرجه ، فهذا يكشف عن نفاق في الداخل ، أما في الخارج فتحريض على بلده ، واستقواء عليه بالغير .
ومع الأخذ بالإعتبار وجود من يعارض هذا الرأي أو يقول بجدليته ، إلا أنه رأي يتفق مع سياسة او مصالح الدول كلها في لحظة ما . ومنها نحن في الأردن . لكن الفارق، هو أن الدول الأخرى تتعامل مع مواطنيها في الموضوع ذاته ضمن القانون إذا كان القانون يغطيه ، وتتجاوز عنه إذا لم يغطيه . أما في بلدنا فيبدو أن القانون لا يغطي الموضوع بشفافية في المثالين أو غيرهما لأسباب أخالها تدخل في باب الحفاظ على ديكورية الديمقراطية ، ويبقى للفعلة استحقاق ……
ومن هنا نقع في المحظور الناتج عن التناقض بين الواقع الذي نؤمن به ونطبقه كدولة أو كنظام دون تقنين لمفردة من هذا الواقع مهما كانت حتى شخصية ، وبين ما ندعيه ونُقننه من مفردات ، حفاظا على الديكور الديمقراطي . فحين تعلم الدولة أو صاحب نفوذ فيها بأن القانون لا يغطي أو لا يدين او يُجَرِمَ مرتكب الخطأ أو المستهدف ، أو لا تترتب عليه عقوبة شافية ، فإنها تضطر بإرادة من مركز قوة لاستبدال التهمة الأساسية غير المغطاة بالقانون ، الى تهمة واهية مغطاة وتجيز القبض على صاحبها ، ولأنها واهية وقد لا تؤدي لإدانه المتهم وعقابه كما هو مطلوب ، يُصار الى التجرؤ على القانون وحرمان المتهم من حقه في التكفيل ، بما يعني إيقاع عقوبة السجن عليه بهذه الطريقة المعيبة قانونيا وإنسانيا . مما يتسبب في إيذاء الناس وبالطعن في مصداقية الدولة ودستورها .
الفكرة هنا ، هي أنه ما كان لهذا أن يحدث إطلاقا . إذ كان بإمكان المشرع وهو مشرع سياسي هنا ، أن يقنن ما يتفق مع خصوصية ومصالح الدولة وحتى مع مآرب متنفذيها ، ولا يصار إلى تجاوز القانون القائم أو تهزيئه . فالديمقراطية ليست وصفة طبية جاهزة للشعوب على اختلاف ثقافاتها وظروفها ولا تؤخذ جرعة واحدة، ولا هي نسخة كتاب مقدس يسري على جميع تابعيه . بل يبقى ظلم الإنسان بقانون شفاف يعرفه ،أخف وطأة من ظلمه ومعاقبته بلا قانون.
نحن لا نعيش والحمد لله حالة قانون الطوارئ . وإن رَميَ مواطن في السجن لفترات طويلة غير معلومة بخلاف القانون ودون مبررات واقعية أو قانونية لعدم تكفيله ، أمر بالغ الخطورة . فالأوطان يتعايش سكانها مع الفقر والفساد والمرض والبطاله ولكنهم لا يتعايشون مع حالة الشعور بعدم الأمن على أنفسهم وحريتهم وحقوقهم الخاصه . وإن القضاء المُفعلةَ عدالته ، والعصي على الإختراق ، هو ما يقيم الدول ويحقق الأمن الاجتماعي والجماعي.