إن الجاهل عجينة يَسهُل تشكيلها ، وعندما تتشكل وتُرَسَّخ على قناعة دينية ما بالذات ، يُصبح صاحبها مُسَيراً بها ومفتقدا لأدنى درجة من إعمال العقل بشأنها ، ومع الشحن يَفتقد أحاسيس المخلوقات حتى أقواها وهي غريزة الأمومة.. ومن أمثاله يُشكِل العدو أينما كان مجموعات الهدم المعزولة عن الواقع مستعينا بتجنيد قادة ثيوقراطيين لها مأجورين .
واقعةُ انسانٍ يُفخخ طفلتيه ليست نزوعا لارتكاب جرم جنائي ولا وأداً لمولوده . إنه سلوك بقدر ما يتناقض مع الموروث المجتمعي والجيني للإنسان ، هو بذات الوقت يتفق مع تفكير جاهل تُرِك لتتملكه قناعة دينية خاطئة . إنه يريد أن يضمن لقاء طفلتيه في الجنة ، وليس لديه غير هذه المشاعر والمفاهيم . فلا الوطن ولا الناس ولا الحياة شأنا له .
قبل لحظة في حسابات عمر الأرض ، قامت حضارات عاش الإنسان فيها حقبة الأديان الوضعية وما زالت ، ولم نشهد مذابح وصدامات على خلفيتها . من رحمها خرجت الديانات السماوية ، وتضمنت قيمها الكثير من قيم الديانات الوضعية بصرف النظر عن ثقافة دست في التوراة خدمةً لتشكيل قبيلة وهمية لجماعة كتب العديدون عن هويتها .
ومع بزوغ كل ديانة سماوية كانت تشن الحروب ، وتتشكل قناعات الموت والقتل بمعزل عن قيمة الحياة وحاجات البشر . تسعة قرون وأصحاب الأولى يُشِيعون ثقافة الارهاب والعنصريه باسم الدين . ثم تسعة عشر قرنا منذ اعتناق الامبراطورية الرومانية ديانة سماوية في نهاية القرن الرابع م والحروب تشن باسم الدين . وعشرون قرنا ، بدءاً ببزوغ ديانة سماوية ثالثة في بداية القرن السابع م والاقتتال قائم باسم الدين .أججته الحروب الصلبية يوما ثم انتهى لتؤججه الصهيونية باسم دين القبيلة المندثره دون توقف..
ومع حماية الدول لنفسها بعيدا عن الدين، ارتدت الحرب باسم الدين الى داخل أوطاننا العربية وتشكلت من بيئتنا القانونية والسياسية ميليشيات العماء الديني وحاضناتها لمواجهة جيوشنا ودولنا وشعوبنا ، ولم يعد احتلال اوطاننا ومقدساتنا وتخلفنا قضية لنا ولا لهم .لقد أصبحنا نحن العرب مسلمين ومسيحيين أمام تحد هو ” نكون او لا نكون” .
لقد عانت اوروبا قروناً جو الانحدار والتخلف على خلفية استخدام الدين ورتداده لداخلها . وخرجت منه بتقنينِ وتفعيل مفهوم “الدين لله والوطن للجميع ” وارتقت دولها وارتفت معها المسيحية ومُثلها . وسادت هذه الثقافة في دول العالم المسيحي، ولم تكن أوروبا سبَّاقة في هذا بل انضمت الى الدول ذات الديانات الوضعية في الصين والهند وغيرها ، والتي نشهد فيها الاستقرار والمنعة ونسبة النمو الاقتصادي الأكبر عالميا .
إن مقولة “الاسلام هو الحل “، بصرف النظر عن أي اسلام يتحدثون ، لو بقيتْ مجرد فكرة أو رأي فلا ضير ، ولكن عندما تصبح قاعدة يُصار لجعلها نهجا سياسيا اقصائيا بسلوك عنفي تدميري ومحل استغلال ودعم أجنبي ، سنصبح كما نحن الآن أعداء لأنفسنا وللدين نفسه ، وفريسة لكل مفترِس وبالتالى الى زوال .
وربطا بين المفهوم الغربي والقاعدة الشرعية ” الضرورات تبيح المحظورات”التي طبقت يوما لمدى عُلّقَ معه حد من حدود الله ، أقول ، أية ضرورات هذه أكبر من ضرورة حماية ارواح الناس والمجتمعات والدول والأوطان ، والى الرأي الأخر أقول اية ضرورات هي اكبر عندكم من حماية الدين نفسه مُثُلا وقيما ورسالة ،
الأنظمة العربية تستخدم الثنائيات في سياساتها الداخلية ، وهذا لا يبني إنسانا ولا دولة ، ولا ارضية للاستقرار وللتحول الديمقراطي، إن انظمتنا تتحالف مع المتدينين وتستخدم الدين ، وتتحالف بنفس الوقت مع العلمانيين وتستخدم العلمانية ، وتقنن هذه السياسة ، وتخلق بها تناقضا وصراعا مجتمعيا ، وهي في هذا تسهم في بناء بيئة التخلف والارهاب .
إن مسيحيي اوروبا والعالم لم يتركوا دينهم بالعلمانية والدولة المدنية ولا مسلمي تركيا ، بل أنقذوه من الاستخدام وارتقوا بمُثله وبمجتمعاتهم . نعم المساله مسالة فكر وثقافه ،لكنا في هذا تخاذلنا وتاخرنا حتى أصبحنا الآن في حرب بينيه . وحقبة التنوير الأوروبية في مثالنا أصبح قرارها بيد الأنظمه بدءا بالتقنين الواضح والسلوك السوي .