قالوا إن قوة لبنان في ضعفه . يا له من مفهوم انهزامي لا يؤدي إلا الى إذلاله وهضم حقوقه واستعماره . لقد فرض لبنان نفسه كدولة وحيدة في العالم تجرؤ على مواجهة اسرائيل . وكدولة عربية وحيدة استطاعت ان تحافظ على كرامتها الوطنية امام امريكا ، وتخشاها اسرائيل وتأخذ تهديدها على محمل الجد وتتراجع امامه .. والوحيدة التي لا تقوى اسرائيل على مخاطبتها بلغة الخطاب مع الدول العربية ، فتذهب لتخاطبها من خلال وسيط واخرها استنجادها الفاشل بأمريكا في ازمة الغاز والطاقة في المياه . والوحيدة التي تنظر اليها نظرة الندية وتأخذ منها موقفا دفاعيا
لبنان الدولة الوحيده التي أخرجت منظمات الارهاب الامريكية وعلى رأسها الداعشية من ترابها دون أي تدخل أجنبي ، والوحيدة التي كانت قد اخرجت امريكا وفرنسا عام 1983 من لبنان مهرولين ب 299 جثه بلا رجعة . والوحيدة التي نجحت عندما فشل العالم كله باقناع اسرائيل لتنفيذ قرار مجلس الامن رقم 425 ، واجبرتها على الانسحاب من اراضيها ومياهها بهزيمة عسكرية مذلة . كما انها الدولة العربية الوحيدة التي يتمتع مواطنوها ا بالحرية الحقيقية ولا يحكمها دكتاتور .
بلا زيف ولا مراءاة ، بل بوقفة صدق مع النفس اقول ، إن عيون الشعوب العربية وقلوبها وأمالها باتت لا تتجه إلا إلى لبنان ، وأسقطت من حساباتها ادنى أمل لها بانظمتها وجيوشها بعد ان تعرت سياساتها واهدافها حتى باتت المقاومة في لبنان وفلسطين عدوا مستهدفا لتلك الأنظمة وتتحالف مع اسرائيل عليها . فماذا فعَل حزب الله في لبنان لكي يشار له بالبنان .
لقد فعَّل حزب الله التاريخ وقانون الشعوب المستضعفة . واستطاع أن يصنع دولة مقاومه تقيم توازن الرعب على مدار الساعة مع العدو باسلوب المقاومة وهذا ما نحتاجه وما تمنعت او عجزت عنه كل الدول العربية . فوضع اسرائيل الجغرافي الذي كتب عنه نتنياهو الكثيرا هو هش وضعيف وبلا عمق ومراكزها العلمية والاقتصادية والاستيطانية ومخازنها الاستراتيجية متقاربة وتحت التهديد المباشر والاختراق السريع .ومن هنا قامت السياسة الاسرائيلية على اخضاع دول الجوار ونزع سلاحها وتغيير عقيدة جيوشها القتاليه . وبغير ذلك فإن خطأ واحدا سيكون قاتلا لها . وحزب الله يدرك كل هذا ، وبأن اسرائيل لا تحتمل الهجوم عليها ولا الحرب الطويلة ولا تحتمل عدوا مسلحا ومقاوما في جوارها .
ولا أدري عن أي توازن استراتيجي مع اسرائيل الولاية الأمريكية كانت تتحدث الدول العربية . لا شك أنه كلام إذا خرج عن الدجل السياسي الذي يبرر استدامة السلطة ، فهو هراء سياسي مؤداه الفشل ، بل دُمرت دول عربية على مذبحه ، فبصرف النظر عن جدلية القدرة على تحقيق التوازن وعن قدرة العدو على افشاله ، فإنه ليس مؤثرا في مرحلة ما بعد الاحتلال لدرجة رضوخ العدو والتحرير ، انها المرحلة التي فات وقتها وتسبب غيابها في احتلال فلسطين واخضاع انظمتنا .
لعل من مفارقات الزمن العربي الرديء أن تصبح الدول العربية في موقع البائع المقايض على القضية الفلسطينية مقابل حماية نفسها بجزيات سياسية ومالية ، وأن يصبح لبنان هو الصامد والهاجس الوحيد والمرعب لاسرائيل ، والعقبة الكأداء امامها والخطر العربي الوحيد والحقيقي عليها . فلم يعد هناك جيش عربي واحد يحمل العقيدة العسكرية التي تقوم عليها فكرة الجيوش باتجاه العدو والدفاع عن الأوطان وشعوبها سوى العسكري اللبناني المقاوم .
إن هذه الحقائق عندما تؤكد بأن لا اسرائيل ولا امريكا تستطيع اتخاذ قرار بمواجهة لبنان او حزب الله عسكريا ، فإنها تضع اسرائيل في ازمة حقيقية تتعدى إعاقة مشروعها الصهيوني الى تهديد حاضرها الأمني ومستقبلها السياسي بل ووجودها . وهذا ما يجعل أزمتها قائمة على سؤال هو ، كيف السبيل للتخلص من حزب الله بلا حرب سيكون ثمنها بالتأكيد تدميريا على اسرائيل ويدخلها في فوضى سكانية وسياسية وامنيه وعنوانها في العالم سيكون “الاحتلال الاسرائيلي هو السبب ” والسؤال هو أيضا امريكيا بنفس القدر . والاجابه سهله سنأتي اليها .
لقد استنفذت اسرائيل الخيار السهل المتمثل بافتعال فتنة طائفية وحرب اهلية لبنانية وفشلت فشلا كبيرا بوعي القيادات السياسية اللبنانية وتجاوب الشعب اللبناني وتم عزل من عرضوا خدماتهم في هذا من المشهد السياسي الفاعل ، وبات التنوع السياسي والطائفي في لبنان في أعلى درجات الانسجام السياسي والتفهم والاصرار على العيش المشترك . وبات لا يلوح بالأفق لحل ازمتها سوى التوجه لايران كدوله هي القادره على فعل المطلوب من حزب الله باعتباره ممولا منها عسكريا وتقنيا وماليا وعقديا . فهو بلا شك امتداد ايراني تقاطعت سياسته وفعله مع مصلحة لبنان والشعوب العربية في مواجهة تناقضها الأساسي وهو الكيان الصهيوني .
والمراهنه هنا هي على طبيعة هذا التوجه الى ايران وهدفه . وبالمنطق السياسي اقول ، إن الدخول بحرب مع ايران ليس في صالح اسرائيل ولا يحل لها مشكله ، والقضاء على ايران واضعافها ليس في صالح امريكا ولن يكون هدفا اقليميا لها الا اذا كان بمقدور امريكا تغيير النظام وهذا يبدو مستحيلا . ومن هنا سيكون التوجه الى ايران هو أمريكيا وقائما على استيعابها وتقديم كل التنازلات الممكنة لها ، لنصبح أمام مراهنه مقابله على موقف ايران الذي ستتخذه .
إن المتابع لسياسة ايران يلحظ أنها دولة وإن كانت دينية ويحكمها رجال الدين إلا أنها لا تتخلى عن إعطاء اولوية قصوى لمصالحها القومية التي قد تتجاوز أهميتها مصالحها الوطنية الداخلية كدولة كبيرة التنوع العرقي والطائفي . كما يلاحظ المتابع أنها دولة لم تتنازل يوما عن قرار لها ولم ترضخ لضغوطات مهما كان حجمها . ومن هنا نسأل ماذا لو واجهت خيار الموازنة بين مبادئها وسياساتها القائمه على عقيدتها الدينية وبين مبادئها القائمة على مصالحها وهواجسها القومية والوطنية . لا شك انه من الصعب أن نجزم ونحن نرى أن سياساتها وممارساتها في المنطقه تقوم فعليا على الخيارين العقدي الديني والمصالح القومية . فنحن لا نعلم أيهما الأقوى وبأيهما ستضحي .
من حق ايران أن تقرر ما يتفق مع مصالحها الوطنية والقومية ومن حقها ان تقول بأن فلسطين ليست ايرانيه وسأدعم قضيتها سياسيا وسيبقى موقفي متقدما على الموقف العربي . ومثل هذا القرار سينطوي على تغيير سياستها من حزب الله أو جعله حزبا سياسيا فحسب . فماذا سيكون عندها مصير القضية الفلسطينية ومصير الدول العربية ، حيث في غياب ايران وحزب الله ستفقد الانظمة العربية نفسها الكثير، وستواجه ضغوطات كبيره وإذلالات من امريكا واسرايل . وتصبح الشعوب العربية في مواجهة مع نفسها ومع لحظة الحقيقه .
ولكن إذا بدت ايران عصية على الاستيعاب والتراجع فما هو الموقف الأمريكي الصهيوني عندها . وهذا يحتاج الى بحث قائم على معلومات دقيقية لامريكا ولاسرائيل ولمن يريد التحليل . ولكن لا ننسى أن لكل شيء في هذا العالم ثمن مهما كانت طبيعته، إذ لا سقوف للأثمان . فهل تصل ايران وامريكا الى الثمن الذي يسهل استيعاب ايران . فايران دولة اقليمية وليست ككوريا لاسرائيل وأمريكا .
كاتب وباحث عربي