ليس هناك مشكلة في تعايش الطوائف والاعراق في دول العالم ، فهل تعايشها في بلادنا مشكلة ولماذا؟. التنوع في المجتمعات من مصادر قوتها وابداعها وباعثا لفكرة الدولة الوطنية ولفكرة الأمة بداخلها. أما عندنا فمشيناها خطى كتبت علينا على إيقاع الصهيونية وكرسناها مصدر اختراق ومعول هدم وسوس ناخر. ان تحريم الديمقراطية على الدول العربية ودعم الدكتاتورية والإنقلابات وعبادة الاصنام وتلاوة التعاويذ كانت الوسيلة التي لا تنازع في فعاليتها باختراق مجتمعاتنا وتمزيق لحمة دولنا من الداخل ، والغاية هي المشروع الصهيوني في فلسطين قبل ثروات العرب وموقعهم الجغرافي . فغياب الديمقراطية والشرعية الشعبية وراء أهم الجوانب لشعور الاقليات العرقية والطائفية في الدول العربية بعدم الامان والتهميش وانتقاص الحقوق ، وبالتالي سهولة اختراقها وتحالفها مع قوى أجنبيه مستفيدة من الاختلالات الكبيرة التي حالت دون إلغاء مفهوم الأقليات في نفوس كل الشعب وأمام العرف والقانون
إن التململ الطائفي والعرقي ليس جديدا في الدول العربية بل قديما قدم انشائها الحديث ، وإن محاولات هذه الفئات للحصول على الأمان والحقوق لم تنقطع .ونزعتها الانفصالية وطلب الحماية الاجنبية جزءا من تاريخها في اوطانها العربية . وبعيدا عن المثالية فللإنسان أولوية الحياة الأمنة والكريمة التي يهجر في سبيلها وطنه ويبقى له منه الذكريات والحنين . ولعل أسوأ حالات الانسان أن يحصر في هذا الخيار . فلا لوم كبيرعلى الإعراق والطوائف في وطننا حين نراها تنزع للانفصال ، بل اللوم على من جعلها تلجأ لهذا الخيار . إنها أمنية للعلوي وللدرزي وللمسيحي وللشيعي أن يعامل وينظر اليه بهويته الوطنية والعربية لا بهويته الطائفية .
ومن هنا ندرك خطورة الربيع العربي في بعض الدول العربية من حيث استغلال الطائفية والعرقية . أما في سوريا فكان له طعم أخر بما يعنيه من تهديد للطائفة العلوية في أمانها الذي اكتسبته من خلال حيازتها على السلطة بانقلاب عسكري . ونعلم كم كانت أولوية الحفاظ على سلطتها هذه باستخدام وسائل قاسيه . لقد كان اتجاه الربيع فيها يشكل تهديدا لأمن الطائفة العلوية أكثر من اي وقت مضى تبلورت حدته من بوادر الفوضى واستغلال الاعداء التقليدين لتصفية حسابات سياسية وطائفية ، ومن تجييش الصهيونية للربيع السوري من كل المتناقضات حتى لو كان بهدف اخر ، وتجييش الدول العربية معها، حتى أصبح واضحا للنظام بأنها ملامح النهاية وأن خيار الصفر لأمن الطائفة عنده قد تكون في تهيئة الظروف للإنفصال بدولة تحت الحماية .
ان الفدرالية في دولة تعيش وشعبها وضعا كالوضع السوري ، لا تعني سوى التقسيم الى دول متناحرة ومختلفة الولاءات ومناطق نفوذ للأجنبي . فليست الدول العربية سويسرا الشرق وليست الفدرالية هي الحل المفترض والسليم النوايا والنتائج ، ولا هي خيار حر للشعب العربي ولا لأي أقلية حين لا تشعر بأقليتها وبالتهميش في وطنها . وقبل ان نأتي للحل نسأل ماذا بعد التقسيم والتفتيت ، إننا سنشهد عندها عدم الاستقرار والحصار والضعف والتجويع والابتزاز يسود في أي دولة عربية لا ترضخ للمشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقه ، وسنشهد التخلف والعمالة السياسية والاقتصادية والمذلة لمن ترضخ من الدول . وسنرى الوطن البديل يتجسد ويتقنن في الاردن واللاجئين يتوطنون وقد تمطر الصهيونية عليه بفرص العمل وإلغاء الديون والمشروعات وتسريع المحطة النووية ، فالاستقرار فيه سيكون مطلوبا كدولة محاذية ومستوعبة لملف القضية الفلسطينية في أبعادها السياسية والسكانية والاقتصادية . ولكن نرجو إن كان حدوث ذلك قدرا أن يكون بلا مقدمات القتل والتدمير والتهجير .
وعليه ، إننا أمام مؤامرة أكبر من كل ما نتحدث فيه ونتقاتل عليه وأكبر من كل نتائج وفظائع خمس سنوات ، ومن الأحزاب والأشخاص والمواقف والعنتريات والتصريحات التصعيدية الخرقاء ، وأكبر من الوطنيين والخون وخطابات الدين فكلنا الأن أدوات وجهتها ونتائج عملها بيد الغير . والحسم العسكري هو خطهم الأحمر ، فليكن الوطن وحده خطنا الأحمر عندما نجر لذبحه . إن الحل هو في المصالحة الوطنية التي تقفز عن كل التدمير والقتل والتهجير في سوريا فداء لها وللعروبة وفلسطين ، وردا على الصهيونية وكل التواقين للعق دماء الأمة . فالمؤامرة لن تقف عند سوريا . مصالحة على قاعدة الحفاظ على سوريا ومكوناتها . إنه الخيار الحر لمن يدعي الوطنية بصدق ويدعي بمواجهة المشروع الصهيوني،
إنها مصالحة على قاعدة حل ديمقراطي ينطلق من فهم أن الحسم العسكري لا يسمح به وأن الارهاب مرعيا ومسلطا على الجميع وقوته ومصيره بيد رعاته . وإن قضيتنا الاساسية ليست معه بل مع رعاته وهدفهم ، فمعركتنا هي سياسية معهم تمس وجودنا برمته ، وسياسية مع انفسنا وليست عسكرية عبثية ولا دينية او مذهبية وليس في السياسة احقاد شخصية ولا انفعال . فنحن ومعنا التنظيمات الارهابية والمتعامله لسنا أصدقاء ولا أعداء لحلفائنا المرحليين بل أدوات تستخدم بأدوار مختلفة لهدف واحد هو تدمير بلاد العرب وشعوبها لحساب أطماعهم . وتعلم الاطراف العربية والدولية بأن المفاوضات التي يعلك بها هي من فصول مؤامرة التقسيم لأنها صممت لتكون بلا مرجعية مشتركة للطرفين السوريين وستبقى مدعاة للفشل واليأس الى أن تصبح مرجعيتها التقسيم بمسمى الفدرالية .
إن هذا هو ما يستحق موقفا شعبيا عربيا نخبويا ، فالمثقفين والمفكرين والسياسيين وكل الوطنيين الذين لهم طريق على النظام السوري مطالبين بنصرته التي تنصر الوطن والأمه قبل فوات الأوان . فليس هناك ثمن ندفعه كعرب صادقين بعروبتنا أكبر من ثمن تحطيم الدول العربية ( واسكندرة فلسطين )، وجعل شعوب العرب أذلة للصهيونية وعمالا في آلاتها الاقتصادية والسياسية .
، فالتقسيم المزمع اليوم هو لدول مستقلة في الأمم المتحدة ، وسيكون فيه لحكوماتها العربية المعنية كلمة القبول او الرفض واقعا على الارض لا بالكلام ، فمنع تقسيم سوريا وما يتبعه هو أمر اليوم بيد الأسد أكثر من غيره ، فسوريا الرسمية وقرارها بيده ، فليس من المعقول أن نلجأ الى الإرهابيين ولا الى ما يدعونهم بمأجوري الصهيونية وأصحاب المصالح والأجندات من الدول لانقاذ بلادنا . والأسد في هذا لا يستسلم لهؤلاء أو لمن يدعموهم من عرب وغير عرب بل يستسلم للوطن ولعروبته . وكل المطلوب منه هو تفويت الفرصة على الصهيونية وأعوانها في أن يتشرف بأن يكون مواطنا عربيا في سوريا موحده ، ولتكن هناك مفاوضات سورية – سورية على مرجعية مشتركة تتمخض عنها هيئة انتقالية يتمثل فيها كل الطيف السوري على قاعدة كتابة دستور سوريا دولة موحدة مدنية بتعددية سياسية وطنية لا أكثرية فيها ولا أقليات ، ومنطقة خالية من نفوذ أي أجنبي أو عربي أو جماعة وطنية تسعى لفرض اجندتها .
نفهم جميعنا بأن الطرف السوري الحاكم موحدا وصاحب القرار فيه هو الأسد ويمكن له التمرد على حلفائه بأخذ القرار الشجاع ، وأن الطرف الأخر تجمعه هش وقد لا يستطيع التمرد على حلفائه . إلا أن الرجال مواقف ومجرد طرح النظام لهذه الارضية سيقلب الميزان السياسي العربي والدولي ويصبح للعرب وغير العرب موقفا يصعب تجاوزه