لضرورة ربط الموضوع فإن فهمي للأحزاب أنها تنظيمات سياسية داخل الدول ، تتشكل وتعمل على اساس سلمي ، وهدفها النهائي هو الحصول على تفويض من الشعب لتمثيل ارادته ديمقراطيا بموجب برامج وطنية تطرحها عليه للوصول على أساسها الى السلطة والتناوب عليها طبقا للارادة الشعبية . وتستمد قوتها وحضورها من جماهيريتها وديمقراطيتها ومصداقية طرحها . وهذا يَفترض أنها تعمل في دولة ديمقراطية أو في دولة تطمح فعلا للتحول الديمقراطي. وإلا فإن التحدي امامها أكبر والمهمة تبدأ باتجاه تشكيل القناعة لدى صاحب القرار بالتحول الديمقراطي .
هناك أسباب رئيسية لفشل الاحزاب في الدول العربية , وربطا بما سبق نضع يدنا على السبب الأول ،وهو سلوك الأنظمه . و نهجها الدكتاتوري الذي يقوم على الاستئثار بالسلطة والتمسك بها ، مستعينة بغلق كل الأبواب أمام فكرة انتقال السلطة سلميا أو غير سلمي . ومن أولوياتها في هذا ،عدم السماح بتشكل بديل محتمل لها جاهز لادارة الدولة ، كحزب ما ، او حتى نائب للرئيس ، كما لا تسمح بمراكز قوة شعبية اجتماعية أو سياسية ، ولا تقبل بوجود معارضة حزبية شعبية مهما كانت ودودة وصديقة للنظام . ولكنها قد تقبل بوجود معارضين تحت الرقابة وضبط الإيقاع . ولكي تحقق هذه الأنظمه غرضها فإنها تأخذ بناصية الجيش وتنظر اليه كحزب مسلح لها ، علاوة على امتلاكها واستخدامها لكل الوسائل القمعية ،وتطويع القوانين .
ومع أن الدكتاتوريات العربية حاليا أخذت تسمح بقيام الأحزاب كمتطلب دولي حضاري ، ولكنها تعمل على احتوائها وتدجينها أو تحجيمها وإفشالها لتبقى ديكورا ديمقراطيا وتؤدي عكس غرضها المفترض مقابل كلفتها .وهذا السلوك في الدول العربية يلقى ترحيبا ودعما دوليا . فالديمقراطية من المحرمات عليها .
من هنا فإن الأنظمة االعربية الشمولية هي العائق الرئيسي لقيام أحزاب حقيقية . ولو استثنينا المغرب وتونس لوجدنا الأحزاب وفكرتها في الدول العربية كلها فاشله ، وهذا يؤكد دور النظام في البلدين من ناحيه ، وفي بقية البلدان العربية من ناحية ثانيه .ففي المغرب هناك نية للنظام بالتحول للديمقراطية والملكية الدستورية . وفي تونس هناك عملية تحول حثيث للديمقراطية ، ومؤشر على نجاح ثورة الربيع فيه . الا أن تمسك الدكتاتوريات بنهجها الرافض للتحول الديمقراطي ليس نهاية المطاف ، بل يمكن ازالته بالضغط السياسي الشعبي المنظم والمقنع لصاحب القرار . وهي مهمة الحزب أو الأحزاب النخبوية القيادة ، وطنيا وديمقراطيا وصدفا في الطرح والتوجه ، والقادرة بالتالي على الحشد الشعبي .وهو ما يجب توفره لدينا في الاردن . وهذا يقودنا للسبب الثاني في فشل الأحزاب ، وكونها فاشله يعني عدم قدرتها على الاقناع للتغيير
فالسبب الثاني لفشل الأحزاب يكمن في الأحزاب نفسها ، وبمسئوليتها عن افشال الفكرة الحزبية في اطار سببين . أولهما ، يتعلق بطبيعة النواة المؤسسه للحزب من حيث مصداقيتها ووديمقراطيتها وقدرتها على الطرح المقنع من ناحية ، وعلى الصمود امام قوى الشد العكسي على الصعيدين الرسمي والشعبي من ناحية اخرى . أما الثاني فيتعلق في كثرة الاحزاب دون القدرة او التوجه لتشكيل حزبين وطنيين جماهيريين او ثلاثة قائمة على الديمقراطية والتشاركية والعمل السياسي ، على النمط السائد في الغرب . فبدون ذلك لا تتحقق الفكرة من العمل الحزبي ولا الغاية من الحزب ، وتصبح جميع الاحزاب دكاكين استرزاق صفتها شخصية أو أبوية وليس اعتبارية .
إن المسار الحزبي في بلدنا مترهل وغير شعبي ولا متمسك بالمبادئ التي يطرحها ومنتوجه الفشل الذي يعني عدم القدرة على التأثير او التغيير . وليست السلطة وحدها مسئولة . وعلى أحزابنا أن تعلم بأن أي حزب خارج السلطة هو حزب معارضة اصلاحي ،هدفه تحقيق الفكرة والغاية الحزبيتين ، وعلى دولتنا أن تعلم بأن ليس من عمل سياسي ناجح ولا تشاركية منتجة دون وجود معارضة هادفة وراشده . وإن التجربة المغربية ناجحة على طريق التحول الديمقراطي وتخلفنا عنها يمثل تحديا نقاشيا كبيرا أمام النظام والنخبة الشعبية .