لماذا التداعيات بلا مبرر يَسْوى؟

بقدر ما يعني الأمر الانتخابات النيابية الجارية ذيولها، فقد وضحت في مقال سابق كيف أن قانون الانتخاب بتطبيقاته وتعليماته وشروط الإنتخاب واحتساب النتائج يريح الدولة وتوجهها السياسي من عناء التدخل. ويؤمِن لها إخراج المجلس النيابي بالتركيبة التي تريدها من حيث تأمين التوازنات المطلوبة اجتماعيا وسياسيا دون أية حاجة للتلاعب في العملية الانتخابية . فعنوان القانون المعمول به عصري وديمقراطي ، ومضمونه ما زال هو الصوت الواحد ، وهذا قد خدم الغرض السياسي لكنه كرس أسبابا جديدة لغياب العدالة وعدم الاستقرار العشائري .
إن صناع قانون الانتخاب وواضعي شروطه الذين كان هاجسهم هو معالجة المحذورين التاريخيين وضبط عدد أصحابهما في المجلس النيابي ،كمحذورين يقفان وحدهما وراء كل عمليات التدخل الحكومي في العملية الانتخابية لمجالس النواب السابقة … أقول ،عندما اعتمدوه بتطبيقاته لتحقيق الهدف فقد ضحوا في عدالة ومنطقية النتائج ووزن الأصوات التي حاز عليها االمترشحون . ومهد الطريق للمشاحنات داخل العشيرة الواحدة من جهة وحول من جهة أخرى التنافس الى داخل القائمة الواحدة بدلا من ان تكون بين القوائم .بمعنى أنهم ضحوا بحس الناس في العدالة وافرغوا فكرة القائمة المغلقة من مضمونها وأججوا مشاعر الفرقة داخل العشيرة والعشائر وولدوا بالتالي في نفوس الناس فكرة الرفض والثورة على النتائج مهما كانت نزيهة لأن قاعدة القانون لم تكن سوية .
إن وحدة الأردنيين وتآلف العشائر عامل هام وأساسي في تحقيق الاستقرار الذي نحتاجه في بلدنا ، وعلى الدولة إذا ما أرادت تحقيق مرادها السياسي أن تجهد في تحقيقه دون أن تضحي بالأهم . فقد استطاع قانون الانتخاب أن يحصر العدد المطلوب من النوعيتين المستهدفتين بتطبيقات الدولة له بصرف النظر عن روح الدستور ، واستطاع إلغاء حاجة الدولة للتدخل في العملية الانتخابية ، إلا أنه بجزئياته الفنية والموضوعية قد تسبب حكما ودون قصد في تكريس وتعظيم سلبيات قانون الصوت الواحد بمسمياته الصريحة والوهمية .
لقد آن الأوان لترتيب اولوياتنا في الاردن على أساس من أهميتها، وألا نتوقف عند علاج دون النظر الى أثاره الجانبية عندما تكون قاتلة أو تصيب لحمتنا وأمننا الاجتماعي. ومن صاغ القانون ووضع شروطه بهذه الحنكة كان بإمكانه أن يتجنب محاذيره وأن لا يضحي بالأهم من أجل المهم . فالدولة تعلم بأن معظم أو كل المترشحين هم عادة من الحريصين على دعم النظام وعلى استقرار الدولة وأمنها السياسي ، فلماذا نخلق الانطباع بالتمييز بينهم على أسس غير عادلة من حيث وزنهم الانتخابي ،أو على أسس غير وطنية ، ولماذا لم نأخذ باعتبارنا قدسية التآلف والوحدة بين عشائر الوطن ومواطني الدولة ونحن نعلم أن هذا ربما يولد الشعور السلبي اتجاه الثقة بالدولة نفسها بانعكاساته الاجتماعية والسياسية .
على الدولة ومشرعيها القانونيين والسياسيين الذين يعلمون كما نعلم بتعذر اعتماد قانون انتخاب ديمقراطي المضمون أن يخرجوا من عباءة قانون الصوت الواحد المدمر ودوائره الوهمية الذي يلاحقنا تحت هاجس التخلص من المحذورين اللذين يتكلم بهما الناس كلهم بصوت عال يعفيني من ذكرهما . وإن مجرد البحث عن عنوان ديقراطي بمعزل عن التداعيات والصعوبات لا ينفع . فلا مناص من أن نستبق التفكير بصياغة القانون بالتفكير بمعالجة المحذورين أو التخلص من استحقاقاتهما بطريقة إن لم تكن دستورية فلتكن علمية وشفافة ومقبولة من خلال صيغة وسطية تحافظ على استحقاقات وزن الأصوات وعلى لحمة العشائر والاستقرار في الدولة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. فالشفافية المستندة لقانون شفاف وحدها تهدئ النفوس وتزيل علامات الاستفهام وأسباب التوتر . ويبقى طموحنا قائما ، الى خطوة تمثل منصة الانطلاق نحو القاعده المؤدية لاعتماد قانون انتخاب يؤهل لحياة حزبية وسياسية منتجة ، ولمجلس نيابي حقيقي.