أمريكا في أسوأ حالتها من النواحي الاستراتيجية عسكريا وسياسيا واقتصادياً. فتدخلاتها العسكرية في الخارج تنحسر، وتحالفها مع أوروبا يدب فيها الوهن وعدم الثقة والخلافات، وقبضتها على حلفائها الأخرين تتفكك، وحلف الأطلسي صار أحلافاً وينتظر من يعلق جرس تفكيكه، وقيادتها للعالم التي كانت تتمثل بعبارات مثل “ليس لأحد أن يقول لأمريكا لا ” و “من ليس معنا فه ضدنا ” أصبحت من الماضي ” وكثر التمرد عليها وقيادتها للعالم لم تعد قائمة ولا مطلبا لها. وأوضاعها الداخلية تنذر بالفوضى العرقية والطبقية والأمنية وبالحرب الأهلية وبتفكيك اتحادها بطريقة غير آمنة لا تشبه طريقة تفكيك الاتحاد السوفييتي.
المراقب الدولي يلاحظ توقف النظام الدولي عن العمل فعلياً وبقاء قواعده ديكوراً يعطي شرعية نظرية للأمم المتحدة. وهو النظام الذي انبثق وتبلور عن الحربين الكونيتين. ويلاحظ المراقب الدول الرئيسية وهي تنكمش على نفسها وتبحث عن مكاسب اقتصادية غير مشروعة والكبير يفترس الصغير في انزلاق واضح نحو الفكرة الاستعمارية، ويلاحظ تعزيز الدول لوسائل الردع العسكري دون نية الهجوم. فالنزعة للمكاسب الاقتصادية أصبحت تمر في مرحلة سعار. وبالمناسبة لا يمكن لنظام دولي أن يستقر بمعزل عن فكرة الأمن الجماعي التي تمنع استغلال القوي للضعيف بحقوقه. ولا نظام دولي جديد ينشأ بدون حرب عالمية. وحيث أن الرابح فيها في ظل وجود أسلحة التدمير الشامل سيجني على نفسه فلن تكون مثل هذه الحرب في عقل دولة، لكن هذا لن يمنع احتمالية وقوع حرب محدودة الأطراف تتبع الحرب الاقتصادية، بمعنى من غير المرجح أن يتشكل تحالفان عالميان على فكرة الحرب المنطوية على استخدام أسلحة التدمير الشامل.
أين موقع الدول العربية من هذه التغييرات، إنها خارج هذا التاريخ السياسي الدولي ولم تعد تنضوي ضمن دول العالم الثالث النامية إجمالاً ولا تحسب في العقل الدولي ً ضمن الدول المستقلة أو الحرة، وليس من حكام العالم من لا يعلم بأن حكامنا موظفون لدى أمريكا برتبة خائن أو فارس بالتنظيم. جعلوا من الوطن العربي بمقدراته مستباح، وأمريكا سيدة الاستباحة. وجود حكام خون بدول مستعمرة كدولنا لا يُلحق العار بنا ولا استباحة أوطاننا غير عادي في هذه الحالة ولا يعني تكريساً للواقع، ولكن العار يلحقنا وحالة أوطاننا تتكرس وتُكرس حقوقإ لأعدائنا ولكل غاصب أو طامع عندما يرفض الشعب العربي أن يستلم المسئولية التي آلت إليه شرعياً وبالعرف الدولي ويقاوم.
الشعوب العربية ترفض استلام الأمانة وتتقبل ما لم يتقبله شعب على وجه البسيطة وتخذل ناموسي السماء والأرض. واستحقت دمغة عواصم وشعوب العالم لها باستمراء الذل والخيانة والإستعمار. وكلما حملّناها المسئولية للنهوض تواجهنا الذريعة الفاسدة التي جعلها المستعمر وأعوانه من جهلة الأمة أو خونها رأياً عاماً، وهي بأنه شعب جائع ومشغول بهمومه ؟؟؟ وكأن هذا الشعب سينجو من القادم الأسوأ السائر اليه جوعا وذلاً وتشريدا أو استعباداً. أو كأن هناك حلٌ ً آخر في الصندوق. الشبعان فينا لا ينتفض والجائع لا ينتفض، والحكام الحاصلون على شرعيتهم من أمريكا لا يستثمرون الفرصة الدولية القائمة للتمرد عليها والاستقلال والتحرر والحصول على شرعية الشعب والوطن. فالوقت والظرف لحرق السفن فمن يحرقها ؟ هل نستنهِض من هم في القبور ؟؟ ألا بئست العبادة عبادتكم وبئست عروبتكم ووطنيتكم، فبيوت حكامكم أوهن من بيت العنكبوت لكنكم منافقون وحق عليكم وصف الجبن والكفر.
نواصل السياق، فبالمقابل أين موقع امريكا منا بعد انقلابها على سياستها التقليدية وجنوحها لضبضبة وجودها العسكري المكلف في أصقاع العالم، وهل هذا ينسحب على العرب والوطن العربي ؟. من وجهة نظري أن أمريكا المسيحية المحافظة على الأقل هي صهيونية أكثر من الصهيونية وتقدم المصلحة الاسرائيلية على المصلحة الأمريكية وعلى نفط المنطقة. وحتى لو انسحبت من كل العالم فلن تنسحب من المنطقة العربية طوعاً، ولن تطردها منها أية قوة عسكرية معاصرة، بل من يطردها وهي صاغرة بلا خيار، هي مواجهة الشعب الأعزل لها بالخروج لشوارع عواصمه رفضاً لها ولمنظومتها المستعربة. فيا أيها النخب الدينية والقومية واليسارية المنافقه ويا أيها الحكام الرافضون لترشيد خياناتكم، ويا وعاة الشعب الميسورين، إنكم في سباق مع الدهماء التي تستفزونها في كل أسيا العربية ومصر. وستجرفكم هذه الدهماء في لحظة الحقيقة وإلى حيث ألقت،وستذهب بكل مصالحكم وتحقق الهدف الأمريكي. فهل هذا ما تنتظرونه وتنتظره أمريكا ام أنكم لا تتوقعونه. على أن دهماءه الخليج أسيويون سيُطالبون بحق تقرير المصير تحت الراية الصهيونية.
إفهموها يا شعبنا العربي، القضية التي عرَّفتموها بالقضية الفلسطينية جهلاً أو خيانة من خونة، هي قضيتكم وما كانت لحظة سوى ذلك. وصلتكم الآن على المفتوح وتفتك بكم وطناً وشعباً وشرفاً وكرامة.. ولقد دفع الشعب الفلسطيني ضريبة الصدمة الأولى دماً وتشريداً وانتم واضطهاد وظلماً منكم، أنظمة، وشعوباً بالصمت. ولكنه حافظ على كرامته وعروبته، ولن يصل شعب عربي أخر إلى وضعه الذي هو فيه الأن ما لم تدركوا وتتصرفوا وفقاً لمفهوم المشروع الصهيوني، وبأن فلسطين بيعت بمسرحيات الحروب كقاعدة عسكرية صهيو- غربية وُجْجهتها أنتم بأوطانكم. باعها حكام فاقدوا الشرف وملح النساء قبل الرجال ساعة باعها بلفو بيعاً باطلاً.، وما يقدمونه للإحتلال اليوم بالإسم المستعار “حكام” هو مصادقة على بيع باطل بمفهوم لأوطانكم بلعبة التطبيع، وخطاب للعالم بأنهم أدوا رسالة الشيطان ببيع ما تبقى لهم من خصائص كحثالة بشرية ولدت مستعبدة ملعونة أباً عن جد.
أمريكا تركت العالم وتُركِّز على منطقتنا ولا مهرب لنا نحن الشعب العربي من الواقع ومن مسئوليتنا اتجاه انفسنا ووطننا إلا نحو الهلاك والنهاية القاسية. والضربة القاضية علينا جميعاً هي في نجاحها في الحصول على قبولنا كدول عربية باحتلال فلسطين المحتلة للقفز عن عدم اعترافنا كشعب وعدم اعتراف الشرعية الدولية والقانون الدولي واحرار العالم. إن اعترافنا كعرب بحق اليهود الخزر الصهاينة Self-styled Jewish بجزء من فلسطين مطب قانوني كبير. وهذا الاعتراف حصل من كافة الأنظمة العربية. وأمريكا الأن تريد الاعتراف العربي بحق هؤلاء المستعمرين الأريين باسم اليهود القدامى بكل فلسطين، وهم الذين باؤا بغضب من الله وانقرضوا من صفحة التاريخ بعد أن أدوا دور العبرة التي أرادها الله.. وهدفها هو إقامة السند لسيادتها على باقي الأقطار العربية طبقاً لما ما ادعى به كتبة التوراة قبل ألفين وخمسماية عام لغايتين الأولى استعمارية والثانية شعوذة ربطوها بنزول المسيح عليه السلام.
ولهذا الهدف الأمريكي تستباح أقطارنا وتدمر وتُذل شعوبنا بتشجيع محسوب من أمريكا للغير يوفر عليها جهداً ويعطيها وذرائع. وتأكدوا أن كل حكام العرب من جرائها وجراء غيرها مستهدفين بالتبديل المستمرحسب المرحلة. والمشاركة بانتفاضة على جرو ما دون أن تكن قيادة لها وطنية صفحتها مكشوفة وهدفها معلن وشعارها لا لأمريكا وللصهيوني المتهود المحتل.
التغيير في سوريا والأردن ولبنان على الأبواب. لكن للأردن وضع خاص فهو في القبضة الأمريكية وعلى قياسها ولا يعني هذا أن مصر والسعودية وغيرهما ليس في نفس القبضة وعلى نفس القياس. لكن الأردن “جوكر ” المشروع الصهيوني هو المطلوب رأسه بالاحتلال المباشر طبقاً لوعد بلفور. وعلى الشعبين اللذين فَصلا نفسيهما عن بعضهما مزايدة على سايكس بيكو الذي لم يقسمهما وعلى وعد بلفور الذي لم يتغير، أن يتقيا الله في أنفسهم وفي هذالوطن الواحد. وأن ينبذا الإقليمية الهدامة لجناحي الوطن أولاً. ويتأكدان إن نجاح المشروع الصهيوني في الأردن يعني نجاحه وتوثيقه في فلسطين، ونجاحه في فلسطين يعني نجاحه في كل الوطن العربي.
وبمرارة أقول، الأردنيون مصرون على عدم مواجهة الحقائق، وعلى لعبة المناورة والهروب نحو المقصلة. هناك عجز عن التفسير المقنع لاستعصاء جمع عشرة رجال روّاد من هذا الشعب على قلب واحد لبناء عمل سياسي وطني يحاكي الأخطار الحقيقية على الدولة والوطن. مشايخ السلطة استفادوا على ظهر مراكز الدولة بما قدموه من خدمات مطلوبة للعدو من أبناء البلد خصوصاً وباسمهم، ثم تقاعدوا، وإن طُلب منهم التدخل والعمل لإنقاذ الأردن بصفتهم كبار البلد، يغتنمونها فرصة للوصولية من جديد. هم ما زالو يعتقدون أن النظام يتقبل ويبتهج من سماع رأي ممغمغ ومعوم يحاكي القشور وينأى عن الجوهر باسم الشعب زوراً، ولا يواكبون المرحلة التي وصلها النظام.
إنهم يدركون أكثر من غيرهم مكامن الخطر علينا وعلى الوطن والنظام ولا يجرأوا على التطرق لها وللحقائق المهلكة التي على الملك الإنتباه لها مثلاً، ولا يحومون حتى حولها حرصاً على وصوليتهم وعلى مكتسباتهم، بل وطموحا لإعادة استخدامهم. نهجنا السياسي الذي كشفت أمريكا عورته والتطبيع والإحتلال وأمريكا وقانون الانتخاب والفساد وتهميش الشعب، والاستئثار بالقرار مفردات ذكرها ليس في قاموسهم السياسي، وعدم تطرقهم لها رغم انطوائه على سلامتها والتسامح بها لن يكون كافياً للنظام ولا يفيدهم في نواياهم الوصولية لقد استهلكوا. ولم يبق أمام هذه النخب وهذا الشعب إلا استحقاق القول \ حسبنا الله ونعم الوكيل.