لماذا تكون غاية نشر التطبيع هي فرض المبدأ التوراتي العقدي كأساس لحق السيادة.. الا يشمل المبدأ الأقطار العربية الأسيوية ومصر.. وهل نستطيع الآن فهم ما ترمي اليه صفقة القرن فما هو؟

إن تعاملنا ونظرتنا لتسارع الأنظمة العربية في الاعتراف بالاحتلال ودعمه تحت مسمى التطبيع الكامل والسلام ليس بمستوى الخطر المحكي به وعنه ولا في سياقه، ولا المسألة قطرية. إنه يخفي خلفه خطر جلل وداهم وسافر في إطار مخطط يفصح عن نفسه، يَستهدف حق العرب في الوطن العربي بوسيلة تقفز عن صفة الاحتلال والإستعمار والمقاضاة والتحكيم. فهناك مسعي صهيوني على شكل مخطط تدعمه وتتبناه الصهيونية المسيحية الأمريكية في هذا الإتجاه أثره تدميري، أوله في فلسطين وأخره في البحرين. ويقوم على تحقيق الأطماع الصهيونية التوراتية في الوطن العربي بامتلاكه وفرض السيادة عليه على مبدأ جديد طارئ على القانون الدولي، وذلك على مرحلتين مترابطتين. ومن يتفحص صفقة القرن يدرك الآن لماذا لم تتطرق الى سيادة فلسطينية في فلسطين، ولماذا جاءت لأول مرة بمفهوم فتح الحدود بين اسرائيل وجيرانها يُدرك بأن المخطط الذي نحن بصدده خرج منها وهو غايتها..
المرحة لأولى، هي الحصول على الإعتراف العربي الرسمي لأنظمة الاقطار العربية الأسيوية ومصر مع صمت شعوبها باحتلال فلسطين من خلال اتساع وشمولية التطبيع، فهذا الإعتراف ينطوي على إقرار عربي رسمي أمام دول وشعوب العالم والقانون الدولي بزيف دعوانا وبأحقية الإدعاء الصهيوني بأن فلسطين يهودية وليست عربية. والسند هنا هو الحكاية التوراتية العقدية. وهذا بدوره يطعن بعدالة القضية الفلسطينية ويجعل من قرارات الشرعية الدولية الخاصة بها والممثلة بقرارات الأمم المتحدة خلف المرحلة التاريخية، وبعبثية بقائها. وسيكون هذا مبررا للتراجع عنها، وإلغائها كلها بما فيه حق العودة والتعويض وتقسيم فلسطين بتصويت عربي “بنعم” يتبعه حكماً التصويت الدولي المساوي. ولنا في الغاء قرار مساواة الصهيونية والعنصرية الذي استتبع عملية السلام في مدريد مثالاً. وستُرفع القضية الفلسطينية عندها من جدول أعمال المجتمع الدولي ومسرحه ومن جدول اعمال الأمم المتحدة.
أما المرحلة الثانية، فمعلوم لدى الجميع بأن المشروع الصهيوني وقضيته الفاسدة الأساس هي واحدة المساحة والمضمون ولا تتجزأ، إنها ليست فلسطين بل كل الوطن العربي الأسيوي. وإن الاعتراف العربي بيهودية فلسطين من واقع عقدي توراتي هو اعتراف بالمبدأ لإقامة حق الملكية والسيادة. وهذا يُحتم سريانه على ما يشابهه، ويؤكد ويتطلب منطقياً الاعتراف بشمولية النص التوراتي لباقي الأراضي العربية. وللتذكير فتحت هذه المقولة التوراتية والهدف يَستقبل الكيان الصهيوني ويُستقبل من قبل قيادات العالم وعلى رأسهم المطبعين العرب بنشيدها الوطني التوراتي المتوعد باحتلال هذه المنطقة كمنحة من ربهم يهوه، رب الجنود.
وحيث أن كل عملية تطبيع بمعاهدة تنطوي على اختراق صهيوني واستحواذ كامل على المقدرات والقرار السياسي والداخلي في ذلك القطر المطبع،( بمعنى تسليم نفسه لاسرائيل) وعلى جعل الحاكم الوكيل جروا تحت طائلة فقدانه لكل شيء والأتيان بجرو أخر، فلن يكون هناك أي عائق أمام بصمته بخمستية وهو صاغراً وشاكراً لسلامته. وبالمحصلة، ستُحوَّل هذه الأقطار العربية الأسيوية ومعها مصر عندما يكتمل تطبيعها إلى منطقة تحت النفوذ والقرار الصهيوني وبما يشبه الخلافة اليهودية الصهيونية ومركزها القدس. ومن الغباء السياسي أو الخيانة أن لا يعتقد حاكم عربي مُطبع بأن تنازله عن فلسطين كحق صهيوني يعني إقراراً موثقاً ومسبقاً منه عن تخليه عن أرض إقليمه العربي ولذات الصهيوني ومن نفس المبدأ.
الأن الأمور جاهزة ومهيأة لأمريكا وإسرائيل في كل قطر عربي له معاهدة سلام مع اسرائيل وكلها تنعم بالأمن والاستقرار الهش بالتأكيد. وبقية الأقطار الحليفة لأمريكا والمتعاملة مع اسرائيل هي قيد الإشارة ولا يمنعها سوى محاذير تتغلب عليها في سياق ظروفها الداخلية. وإن لم يُقَدر الله أمراً كان مفعولاً فسيرفرف العلم الاسرائيلي فوق الكعبة كأخر الطوفان. أما سوريا ولبنان و العراق وليبيا واليمن فما يجري فيها هو عملية هدم وتفكيك من أجل التسليم لوكيل جرو في الوقت المناسب. والسودان مقبوض عليه ورهن الاشارة. ومن الشروط الضامنة لكل هذا ولقيام ما يشبه الخلافة اليهودية هو تغيير النظام الإيراني. أما ما تبقى من أقطار في شمال أفريقيا فلن تُترك وشأنها ولن تنفعها عزلتها أو حياديتها عن القضية الفلسطينية ولا أتصور لها مستقبلاً والمشروع الصهيوني قائم. اقول مع القائلين تخسأ اسرائيل فإنها زائلة لا محالة. ولكن متى وكيف وبعد ماذا. وسكون لي مقال لاحق يلامس هذا. فلا يأس مع الحياة، واليأس انتحار.
وفي الختام ألخص الحقائق والملاحظات التالية:
.1- إن الهدف الإسرائيلي النهائي من نشر التطبيع العربي الكامل هو غاية صفقة القرن. وينطوي على الاعتراف العربي الرسمي بحق اليهود بفلسطين وإلغاء قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية، وعلى وضع وتثبيت مبدأ جواز الملكية والسيادة على أساس عقدي (وهو هنا التوراتي ) وتقَبل العرب له ولو على سبيل هذه الحالة فقط. وهذا المبدأ سينسحب في مرحلة تالية على بقية أجزاء الوطن العربي التي يشملها النص التوراتي وتفسيرهم له.
2 – أن قبول العرب لهذا المبدأ الطارئ على القانون الدولي وأسس حق السيادة ومنبعه، سيزيل صفة الاستعمار أو الاحتلال لفلسطين حالياً، وللوطن العربي تالياً، ويحول الاحتلال الى تحرير أو إعادة أراضي سلماً وقناعة. وللعلم كان أول طلب للمفاوض الإسرائيلي على الطاولة في اعقاب مدريد من السوري هو الخروج من اراضي اسرائيل المحتلة. واعتقده السوري ضرباً من الجنون وتخريبا للتفاوض، والاثنان في الواقع يعنيان ما يقولان.
3 – إن النهج التطبيعي في سياقه السياسي ضمن الخطة والهدف الجهنمي المشار اليه هو قضية حياة أو موت لكل قطر عربي أسيوي بالدرجة الأواى ثم الأفريقية. وأخرها وليس أولها هو القطر الفلسطيني إذ لم يبق لدى الفلسطيني ما يخسره بفضل حكام أخذو دور وعمل الصهيونية، إلّا كرامته وعدم استسلامه التي يفتقدها كل مُطبع. وإن عذابات الفلسطينيين وتراكم دماء شهدائهم وامتداد نزفها بلا توقف، ودماء شهداء الأمة المغبونة تتحمله الردة العربية تاريخياً.
4- كل نظام عربي يرى نفسه بعيدا، وينكر حقيقة الهدف الصهيوني بالاستحواذ على الوطن العربي الأسيوي بالتقنين والسلم والتسليم ويهادن بنفس الوقت إسرائيل أو يعترف باحتلال فلسطين بأية صورة تطبيعية، فإنه يقترف اعتداءً صارخاً على حياة الفلسطيني وحقه في وطنه قبل أن يحفر على سلامة قطره وشعبه. ومن غير المقبول لحاكم عربي أفريقي أن يقول لا نتدخل بخيارات الدول، فالخيار الذي ينطوي على فقدان فلسطين وحقوق شعبه أو يساعد على ذلك، يخصه رغماً عن أنفه كونه عربي وكون الخيار ينطوي على فقدان او فشل قطره وملاحقته بالضرورة. وإن عبارة “موقفنا ثابت من القضية ” ليست بريئة إذا لم تقترن بالعمل. وهذه رساله ليست فقط لتونس بل لكل من يرددها وأولها نظام بلدي الأردن الذي يبدو جاهزاً للتسليم، وإذ إني لا أخص واحداً بعينه أقول لكل مسئول في النظام يتعامى عما يجري وهو يشارك به أنت ترتكب جرم الخيانة العظمى لوطن وشعب وقضبة.
5-المطلوب من شعبنا العربي في الجزيرة والخليج وقفة تاريخية ودورا مميزاً كفرض عين في مناهضة سياسة حكامه المغايرة لمنظوره الوطني والقومي والعقدي. فبلادهم صيد كبير وأنظمتهم تأخذ اليوم دور الحربة الصهيونية.
6– الفصائل الفلسطينية هي الآن على المحك. فتعريف سلطة عباس الحقيقي هو نزع فكرة المقاومة من الشعب الفلسطيني، ومقاومتها. وكل ما تقوم به السلطة هو لخدمة هذه الفكرة. وما دونها أمر ثانوي في سياق الهدف وما خرج عنه يندرج تحت بند (على البيعة) بلغة التسوق وللتمويه، وكل تقارب من عباس مع حماس على طاولة تستثني ملف المقاومة هو تقارب فاسد ومُجرم. فلا شيء يجمعنا مع السلطة سوى المقاومة وفكرتها وممارستها. وإذا لم تتخذ الفصائل على تنوعها السياسي والأيدولوجي موقفا من مبدأ المقاومة، فهي أوطى من سلطة أوسلو لأنها تكون في ذنب عباس. وعلى الشعب الفلسطيني عندها الانتفاضة على المجمل.
7 – صمت شعوبنا هو من واقع جهلها بطبيعة ومدى المشروع الصهيوني ومن حقيقة استهدافها به، والأهم حقيقة أن نجاح المشروع الصهيوني في فلسطين يعني حتماً نجاحه في كل قطر عربي. فشعار العربي الواعي هو فلسطين أولاً، حتى تكون أقطارنا بخير. ومهمة شعبنا العربي الآن وليس غداً أن يخرج الى شوارع عواصمه بمطلب واحد هو سن وتشريع قانون من وحي دساتيرها يُجرّم فعل التعامل والتطبيع مع إسرائيل بتهمة الخيانة العظمى.