الطريق الوحيد والكريم لإزالة الإحتلال هي المقاومه، أجازها الميثاق الذي يمثل جزءا من القانون الدولي، الأمم المتحدة جعلت من فلسطين حالة خاصة فشرعنت الإحتلال وأصدرت قرارات لمعالجة أثاره، ومع أنها قرارات ظالمة فقد انقلبت عليها ، ومنها قرار العودة (194)، وقرار التقسيم والقدس 181 ، والقرار 242 القائم على مبادلة الأرض بالسلام، أما الدول الكبرى بما فيه روسيا والصين فقد استبدلت دورها من تطبيق الميثاق القاضي بإزالة الاحتلال إلى رعايته والإستفادة على ظهره ، من خلال ماراثونات من المؤتمرات الدولية والمفاوضات ، وأقصى ما يتحدثون به مع اسرائيل لا يتجاوز قرارات توفيقيه بشأن احتلال عام 67 وأقامة السلام مع الإحتلال، فليس من هذه الدول من يتفق مع رؤيتنا أو رؤية المقاومة القائمة على تحرير فلسطين وإعادتها كاملة تحت السيادة العربية، وهذه المقدمة أساسية للمقاومة في جانبين حاسمين لحمايتها وإنجاحها، وهما.
الأول، هو لانطلاق المقاومة منها في تحالفاتها الدولية وقراراتها كي لا يكون في التحالف إختراقا أو تأثيرا سلبيا، فالمقاومة محاطة تماما بالأعداء وبحاجة ماسة لكسب الحلفاء الدوليين على قاعدة أن ليس لنا أن نفرض على أي حليف دولي بأن يعادي اسرائيل أو يتبنى واجبنا في المقاومة والتحرير، بل نطلب منه أن لا يكون في تحالفه معنا عثرة أمام رؤيتنا وقرارنا المستقل، وأن لا يساعد إسرائيل ومعسكرها في ترسيخ الاحتلال بأي صورة.
الثاني والأهم ، هو أن المقاومة الفلسطينية في غزة هي مشروع مقاومه لكل الشعب الفلسطيني ، وأن قادتها لذلك يتحملون مسئولية حمايتها من أي اختراق أمني أو استخباري يهدد قاعدتها وبيتها، إنه خطر كان وما زال موجودا، وهو موضوع المقال اليوم، حيث حين بدأ الانسان بدأ الصراع وسلاحه العضلات ، وحين بدأت القبائل وتبعتها الدول تطور السلاح الى حديد ونار ووو ، ولكن كله يتمترس خلف سلاح الإستخبارات ، فهو السلاح الذي لا يبور والجيوش تبنى عليه والحروب لا تقوم الا عليه.
ويكفي أن نعرف ونتعض من أن السبب في صمود الإحتلال الصهيوني وتقدمه لا يعود الى مجرد الدعم الأمريكي أبدا ، بل الى اختراق اسرائيل الاستخباري للدول العربية بشكل غير مسبوق وصل الى مراكز القرار وكبار المسئولين وصنعهم ، تلاه تحطيم جيوشها، ثم تحالف أنظمتها المؤثرة جغرافيا وديمغرافيا وماليا مع الإحتلال، وانعكس ذلك على المقاومة، فمنذ سبعينيات القرن الفائت وهذا الحلف يستهدف المقاومة سياسيا واعلاميا واستخباريا وعسكريا ، وجاءت الضربه الأقوى تأثيرا من سلطة أوسلو وعباس بالذات، فاسرائيل قامت وما زالت نتيجة فراغ جعبة التحرير من الجيوش العربية ومن المقاومه، والسبب هو العماله الناتجه عن الاختراق الاستخباري والمخابراتي، .
المقاومة الفلسطينية محمية في غزة بإيمان قادة من الشعب الفلسطيني والقدرة على امتصاص الهجمات عليها وتفريغها من هدفها ، وهذا لن يكون كافيا ما لم يؤخذ بالأسباب ، صحيح أن حرب ال 48 ساعة الأخيرة أثبتت أن التراجع العربي والدولي يواجه بجدية وإصرار هذه المقاومة، وأثبتت تماسك وتلاحم فصائلها وشاهدنا بأعيننا صواريخ جحيم عسقلان تفعل فعلها وتردع العدو، ولكن دعونا ننظر لما كشفته هذه المعركة وأسبابها وحيثياتها من خلل قاتل وخطورة قائمة يجب أن تقرع الجرس الأخير بأذن حماس وبقية الفصائل وتفتح عيونها وعقولها جيدا على الملف الأمني والإستخباري وحماية القطاع من خارجه وداخله.
فحماس التي نجحت بحماية نفسها من المعسكر الصهيوني ، وبعدم التدخل بالأنظمة العربية حفاظا على التركيز على التناقض الأساسي ، عليها أن تنجح في حماية نفسها وكل المقاومة من عملاء الداخل الفلسطيني وعملاء القطاع، فلو زاوجنا بين الوضع المأساوي في غزة كبيئة مواتية لصيد وتجنيد ضعاف النفوس من اليائسين ، مع نجاح إسرائيل في تجنيد واستخدام قاذورات من إخوان لنا من بين فئات شعبنا في الداخل الفلسطيني، فإننا نصبح في الواقع أمام خطر اكتمال الإختراق الأمني وخطر إفشال المقاومة أو الإجهاز عليها، وهو الأمر الذي يوجب على حماس أن تتحمل على سبيل الأولوية مسئولية حماية المقاومة وأعمدتها، وصلابتها وإنجاحها، بتحصين بيتها، فمواجهة العدو لا تكون إلا من قاعدة متماسكة وبيت نظيف.
وعلى حماس أن لا تنسى لحظة بأن شعب غزة يدفع الثمن عن العرب كلهم على مدار الساعة، وليس من شعب في العالم يتحمل ما يتحمله الغزيون، وأن الضغوطات الهائلة والجوع الكافر والمرض القاتل والبطالة الطاغية والذبح اليومي بدون توقف ، كله محك للفروقات الفردية بين مواطني القطاع، والمرتبطة بالاستعداد النفسي ودرجة الوعي والثقافة والإيمان وقدرة التحمل والصبر، وأن لهذه الحالة في غزة مخرجات ومستحقات، فهي من ناحية تصنع القاعدة الصلبة للثورة والرجال الأقوى وتفتح باب التحرر والتحرير، إلا أنها بنفس الوقت حالة تصنع اليأس عند القلة التي تعدادها في غزة ربما بالمئات، واليأس منتوجه إما التطرف، وإما الاستسلام المتطرف الذي يقع فيه أصحابه فريسة العمالة للعدو وهو الأخطر.
ألا تعلم حماس بأن اسرائيل لم يعد لها حاجة لأي عمل استخباري أو مخابراتي في أي دولة عربية (باستثناء دائرة حزب الله)، وبأن هذا جعلها تركز وتصب كل إمكانياتها وخبراتها وأجهزتها وجهد حلفائها لاختراق غزة والمقاومه وتجنيد العملاء في البيئة المواتية التي أشرنا إليها؟، وأن العدو استغل هذا التراخي في مواجهة هذا الإختراق الذي لا أجد له سببا عند حماس سوى حسابات اجتماعية لا يجب أن تكون، أو لحساب أولويات أخرى، فاسرائيل تمكنت من امتلاك شبكات تجسس وتعاون تُحقق نجاحات لا يُكتشف منها الا اليسير لا سيما إثر بعض العمليات الصهيونية التي أطاحت بخيرة الخيرة واحدا تلو الأخر، وأعاقت عمل المقاومة وأفسدت مجهوداتها السياسية للم الشمل الفلسطيني.
حماس مطالبه أكثر من أي وقت مضى بأن تضع حدا لتراخيها وكل أسبابه وتعطي هذا الموضوع الخطير أولويته وتعالجه معالجة مبرمجة بحكمة وحزم، والشعوب العربية مطالبة بأن تضغط على حكوماتها لنجدة أهل غزة ودعم صمودهم ومنحهم الأفضلية في الرعاية، فحماية الأقصى وصمود المقدسيين هو في المحصلة مرتبط بحماية وصمود الغزيين والمقاومة، ويا ليت يهواش العرب في الجزيرة ، خائن المقدسات والمفرط بثرواتها للصهيونية يعلم بأن للفلسطينيين والغزيين بالذات حق أصيل فيها، ويا ليت شعبنا الاردني – الفلسطيني يعلم بأن المقاومة والفكر المقاوم وحده في الساحة من لا يفرط بفلسطين، ووحده المقاوم لفكرة الوطن البديل.