أصابت التحليلات التي كانت مبنية على المنطق السياسي في استباق الوصف للعدوان على سوريا باستثناء الأهم . وهو عدم تمكن امريكا من الإقدام على تحقيق الهدف الرئيسي من كل مسرحية الكيماوي المعدة سلفا وهو المتمثل في شن حرب على حزب الله وتوريط ايران وتحقيق مآلات سياسية على الواقع السياسي السوري . حيث أن هذا هو بالذات ما أفشلته روسيا بدبلوماسيتها الناعمه والخشنه، بضغط أوتفاهم مع امريكا واسرائيل. وهو في الواقع نصر روسي سياسي كبير، لأنها حصلت على أكثر من حقوقها في النظام الدولي القائم .
حيث استطاعت شراء الخطة الأمريكيه الصهيونية الكبيره بضربة مسرحية رمزية على مواقع سوريه فقط بأقل الخسائر. قبلت بها امريكا حفظا لماء وجهها مقابل عدم التدخل الروسي المباشر الذي ما كان سيحصل بل لم يكن من حقها طالما مصالحها في سوريا لم تكن مستهدفة . ومن هنا فقد جعلت روسيا الضربة في اطار يقتصر على الحرب البارده، وبلا جدوى منها ولا قيمة استراتيجية لها عسكريا او سياسيا وفاضحة إعلاميا، وأبعدت العدوان عن حلفائها حزب الله وايران، وفتحت الباب واسعا للقيادة السورية بالمضي لاستعادة سيادتها على اراضيها، فلا روسيا ولا سوريا كنظام كان مستهدفا اصلا . ولم تخرج امريكا بضربتها عما اتفقت حوله مع روسيا .
إنصافا لروسيا وللحقيقة علينا أن نوضح كيف كان انتصارها عميقا لنفسها ولمحور المقاومه، حيث أنها استنادا لتفاهمات يالطا وقواعد وسلوك مجلس الأمن الذي يمثل النظام الدولي الذي اشتركت في صياغته وجعلها شريكا في احتكار الدول الخمس للمصالح الدولية، فإنها غير معنية باسقاط هذا النظام الدولي المستفيدة منه دون تهديد لمصالحها الاستراتيجية . بمعنى أنه لم يكن هناك مسوغ لدى روسيا للأشتباك العسكري مع امريكا ولم يكن معها مسوغ لمنع تدخل عسكري على سوريا من قبل دول دائمة العضوية، تماما كما لم يكن لدى الاتحاد السوفييتي مسوغ لمنع الاحتلال الصهيوني عام 67، ونحن هنا نتكلم سياسة ومصالح واتفاقيات ولا نتكلم مبادئ وأخلاق، فالميثاق يحلل للدول للدول الخمسة ما يمنعوه عن الشعوب الاخرى . وعدم وجود المسوغ لروسيا ومدى عمق نصرها هو للأسباب التاليه
1 – ان قرارات مجلس الأمن لا يحكم تنفيذها او عدم تنفيذها الفيتو بل طبيعة الفيتو أو خلفيته ومصداقيته الحقيقية حتى لوكان القرار في اطار الفصل السابع . وهذا من تفاهمات ومن الممارسه المتبعه وليس منصوصا عليه بالميثاق . حيث أن الفيتو يجب احترامه والإلتزم بالانصياع له من قبل جميع الدول الدائمة العضوية في حالتين هما، إذا كان على خلفية تمس المصالح الاستراتيجية لدولة دائمة العضوية، أو لحليف استراتيجي لاحدى الدول الدائمة العضوية،.
2 – وحيث أن القرار الغربي الذي وضعت روسيا فيتو عليه لا يمس مصالح روسيا الاستراتيجيه، فإنه أيضا لا يتعلق بمصالح استراتيجية لدولة حليفة لروسيا . فأمريكا وبقية الأعضاء الدائمين يعلمون بأن سوريا كدولة وكنظام ليست حليفا استراتيجيا لروسيا، بل هي صديقة وحليفة لسوريا في إطار ازمتها أو أزماتها . وبالتالي فليس لروسيا بل ولا يحق لها طبقا لنظام وسلوك مجلس الأمن المتفق عليه وغير الكتوب أن تشتبك مع أمريكا او مع حليف استراتيجي لأمريكا لحساب دولة لا يربطها معها تحالف استراتيجي كسوريا، بل يحق لها ذلك من أجل مصالحها الاستراتيجية إذا تهددت في سوريا مثلا.
–3-إن الفيتو الذي استخدمته روسيا على القرار الأمريكي في مجلس الأمن كان على خلفية مسألة لا تتعلق بمساس في مصالح استراتيجية لها في سوريا أو في مكان أخر . وكانت امريكا واضحه باحترام الوجود الروسي وأدواته العسكرية والتكنولوجية والبشرية في سورية .بل ذكر ترمب في تغريداته بأن امريكا مستعدة لمساعدتها اقتصاديا . بمعنى أن تقييم الفيتو الروسي الحقيقي كان في سياق سياسي في اطار حرب بارده .
4 – ومن هنا كانت التهديدات الروسية لأمريكا بالرد على عدوان على سوريا لا تتفق مع مصالحها ولا مع الواقع السياسي، وبالتالي كانت تهديدات اعلامية سياسية وهادفه الى حماية سوريا وبقية أصدقائها او حلفائها ليس من واقع واجب الصداقة فقط بل من واقع اهتمامها بإنجاح دورها المكلف في تحقيق تسوية سلمية في الأزمة السورية بوجود نظام الأسد، حيث في غيابه ستصومل سوريا . وأن الحفاظ على ذلك يتطلب أيضا عدم وقوع حرب بين امريكا وايران وحزب الله . ومن هنا فقد وضعت روسيا ضغطا على اسرائيل وايران وحزب الله ايضا .وبينت لهم أن خطورة الحرب مع ايران هي على الجميع .
هنا علينا أن نكون منطقيين ونتأكد بأن روسيا ليست حليفا استراتيجيا الى سوريا بل صديقة لسوريا ولها مصالح استراتيجية على أرضها تحميها اتفاقيات بين الدولتين، وحليفة لها في سياق دخولها لسورية على خلفية الأزمة . وسوريا هي التي تطرح نفسها حليفا استراتيجيا لروسيا ولها الحق في قول ما تقول، لكن التحالف الاستراتيجي لا يكون الا متبادلا وموثقا فهو مكلف جدا . وهذه الحقيقة تعلمها امريكا وتعلم أن العلاقة غير متكافئة سياسيا وقانونيا بين روسيا والأسد ولا بين روسيا والأرض والمقدرات السورية، وبأن روسيا لا تتوانى في لحظة ضرورية لها من المقايضة على النظام والأراضي السورية في سبيل مصالحها الاستراتيجية في هذا البلد العربي .
وبهذا يجدر القول . بأنه كان معقولا لسوريا أن تطرح على روسيا عرضا بعقد اتفاقية تحالف استراتيجي معلن معها تؤمن فيه التزاما روسيا بحمايتها ارضا ونظاما، وذلك في بداية أزمتها، حين كان وضع الأسد وسوريا متماسكا، وفي حالة كان هناك بنفس الوقت خطر داخلي على الوجود والمصالح الروسية في سورية . في حين كان التوصيف السياسي والعسكري للنظام السوري حين لجأ الى روسيا ضعيفا لا معنى أوجدوى فيه لروسيا في تحالف استراتيجي مكلف جدا ولا حاجة له، بل كان فرصة لتحالف مشروط في مصالح متبادله بين القيادة السورية ممثلة بالأسد وبين روسيا . تكون فيه اليد الطولى لروسيا . ثم فرضت الأخيرة نفسها بحكم موازين القوة العسكرية والسياسية على الأرض وصية الى حد كبير على التحالف العاضد لسوريا من ايران وحزب الله .
من هنا فقد كان النصر لروسيا عميقا جدا عندما حققت هذه الدولة لحلفائها قبل نفسها ما لم يتحقق مثله على صعيد النظام الدولي وعمل الأمم المتحدة وعلى صعيد المصلحة العربية عبر تاريخ صداقتهم للاتحاد السوفييتي . ولكن على العرب أخذ العبرة بأنه يستحيل عليهم التمكن من تحرير فلسطين او الجولان أو اية ارض عربية تحتل إلا بالمقاومة فليست من دولة كبرى تقبلهم حلفاء استراتيجيين وتخوض حربهم . وكان تحرير المقاومة الاسلامية في لبنان لجنوبه يبدو خارقا للكثيرين ولكنه في الوقع عظيما ومحسوما لأنه نتيجة منطقية للمقاومه الصلبه . بينما كان استعادة مصر لسيناء منحة ليست مجانية بل بثمن خيالي لا ينتهي مدده،وما كان لاسرائيل ان تقبل به لو لم ينطوي على تكبيل وشل مصر ومقايضة سينا بأكثر من فلسطين والحديث يطول .
كاتب وباحث اردني