لهم نقول “والسماء رفعها ووضع الميزان” (صدق الله العظيم).. ما الوباء اللّا أخلاقي الذي سلطه الغرب الصهيوني على العرب.. وما الوباء الذي سلطه على نفسه والعالم.. الوعي الوعي

لا شك ولا جدال في أن اجتماع ثلاثية الموقع الجغرافي والمخزون الثرواتي النوعي والعقيدة الطموحة لدى العرب هو السبب في ملاحقة الغرب لهم. ولا جدال بأن الصهيونية ما كان لها أن تنجح في بلادنا لولا دعم الغرب لها من واقع تقاطع مصلحة اعتبرها الطرفان فرصة تاريخية . ولا شك بأن لاختلال الميزان في القوة العسكرية وظرف المرحلة الإستعماري التي كان العرب ما زالوا يعيشونها أثر حاسم للعدو المزدوج في بداية الهجمة، وكان لفشل العرب عذر في حينه.
إلا أن الأكثر حسماً وبلاء هو تراجع الحالة العربية بدلاً من تقدمها، مما أدى لاتساع الهوة بين القوة والضعف وتعميق الغفوة العربية. إلى أن أصبحت الأنظمة العربية مستسلمة لإرادة العدو وأصبحت شعوبها مستسلمة لها. بمعنى أن استسلام شعوبنا العربية لأنظمتها هو استسلام للعدو الصهيوني. والأوطان لا تُستهدف إلا باستهداف شعوبها. فلا وطن يمكن استدامة احتلاله حين يكون إنسانه حي ويستعصي تصفيته جسدياً كحالة العرب. ومن هنا سعى ويسعي العدو لتصفية الشعب العربي بطريقة أخرى.
ما علينا إدراكه أن استسلام الشعوب العربية بالنسبة للغرب الصهيوني لا يقف عند حد يتوقعه المواطن العربي. فالإقليمية على سبيل المثال ليست غاية عنده بل وسيلة. فأمام العدو مراحل تبدأ بها وتنتهي بسقوط الانسان العربي بإسقاط ارتباطه بوطنه وبمقومات وحدته وبتاريخه وقيَمه وعقيدته. بمعنى صنع إنسان جديد من الصفر بلا خلفيات، وبعقل مستعمر ومبرمج. لكن الإنسان خلق حراً ومعه سلاح الإرادة وبكسرها يتحول الى عبد وبقتلها تَسهُل برمجته. وإذا ما بُرمج يفقد إنسانيته ولا يتحول إلى دجاجة، فلها إرادة. بل إلى روبوت بنفْس بلا روح تعطي عطاء البقرة وخدمة الحمار. فكسر إرادة الإنسان العربي هو أيضاً ليس نهاية المطاف عند تحالف الغربي الصهيوني، بل إماتتها.
إذاً، حسب هذا المفهوم، فإن سلامة الإرادة هي خط الدفاع الأول والأمتن عند الإنسان. وعسكر العدو ليسوا هم من يستهدفون ارادتنا ولا القوة العسكرية في الواقع وسيلة ناجعة لذلك، فالإحتلالات وقواتها وقوتها لا تَكسر إرادة إنسان الشعوب ولا تنهيها بقدر ما تنعشها وتحييها. إنما من يستهدف ارادة الانسان العربي هم مفكرو وسياسيو هذا العدو الغربي الصهيوني. والذين عرفوا بأن استهداف وعي الإنسان العربي والنيل منه هو ما يوصلهم للهدف. وبأن الهجوم بالتضليل الإعلامي والفكري المتعدد الوسائل على وعي هذا الإنسان ليطال كل عناصر ومقومات وعيه هو سلاحهم الاستراتيجي في حربهم على إرادته درجة وراء أخرى. فاحتلال ألأرض واستعمارها واستعمار شعوبها باقية ما بقي الخُلُق الإنساني قاصراً، ودلالته سعي الأقوياء لتراكم قوتهم العسكرية النوعية والكمية المكلفة على حساب تطور الإنسان علمياً وحضاريا أخلاقياً وعلى حساب توازن الطبيعة.
ووسائل الفكر الإستعماري تتطور باتجاه مواجهة تطور الانسان ووعيه من ناحية، وتطور النظام الدولي وقوانينه والقيم الإنسانية من ناحية أخرى. فكان تحريم ومقاومة الديمقراطية هي الوسيلة الأساسية المعتمدة لاستهداف الوعي العربي المؤدي لإماتة الإرادة المحكي عنها أعلاه. وأمامنا إما الديمقراطية وإما الدكتاتورية الوطنية الهادفة والموصلة للتحول الديمقراطي. فالديمقراطية التي تحقق سلطة الشعب وحريته وقدرته على حماية حقوقه الإنسانية ومصالحه ومصالح دولته ووطنه وقيمه تشكل بنفس الوقت ماكنة تفريخ للوعي وتنميته وحمايته .ذلك أن العلاقة بين الديمقراطية والوعي طردية. فحضور الوعي يعزز الديمقراطية إن كانت موجودة، وغيابه يعمل على تعزيز غياب الديمقراطية، والعكس صحيح. فمع غياب الوعي المستهدَف يصبح شعبنا في سيرورة متراجعة يتعايش ويعتاد فيها على تسليم إرادته لدكتاتورين متحالفين أو متعاونين أو مصادقين مع العدو الغربي، والأمريكي الصهيوني بالذات. ليصبح كل ما يتلقاه أو يصله أو يسمعه أو يقرأه المواطن موبوء بالتضليل والشرور لخلق حالة من استقبال مدخلات مسممة لعقله، تراكماته تتلفه.
كما أن الفصل ما بين العروبة والدين استراتيجية تبناها العدو. فالعقيدة هي المخزون الروحي والحاضنة الثقافية الأوسع وسلاح الخير الأصيل بوجه الشر ولأكثر فاعلية في حماية إرادة الإنسان وصمودها ورسوخها. والمسلمون في أنحاء العالم هم المخزون للحق العربي الذي لن يخيب. وعلينا أن لا نكون عوناً للعدو على أنفسنا في سلوكنا السياسي والشخصي. الإسلام هويتنا التي نقدم بها أنفسنا لله تعالى، والهوية التي نقدم بها أنفسنا لأنفسنا وللعالم كعرب وخيانة الهوية طامة بحق الإرادة.
الوباء الذي يعيشه اليوم العالم والغرب خاصة، يحاكي العقول والسلوك والعبث بالطبيعة، ويحاسب الضمير ويردع الظلم ويجهر الاستقواء. ولكنه يفتح بابا واسعاً على وعينا، وأوسع منه على روحانياتنا كعرب وكمسلمين. ولن تنجو البشرية إذا مر هذا الوباء دون مراجعة وتغيير لسلوكها المادي، والمتسارع عن الغرب المستكبر لا سيما بقفزاته العلمية غير المحسوبة علمياً ولا أخلاقياً. فهذا الكون قائم على عبارة كريمة ( والسماء رفعها ووضع الميزان ) ولا شك بأن هذه القفزات العلمية ليست محسوبة علمياً ولا وراءها سلامة لإنسان، بل إن العدوان على الإنسان جشعاً وغروراً واستكباراً هو ما وراءه. إن السباق اللاأخلاقي يودي بأصحابه قبل الأخرين. ولنبدأ بأنفسنا نحن العرب فالتغيير يجب أن يفرضه الشعب بعد هذه الجائحة التي أصابت الإستكبار ومعادلة السيد والعبد، المختلة.