إن مجلس النواب الحالي لم ينجح ولو مرة واحدة بإثبات وجوده كممثل لارادة الشعب أو منفذ لها على أي صعيد ، وكما لم يفلح بالتعامل مع أي حدث محلي أو خارجي ، ولا في وقف سياسة تحييده عن أي حدث سياسي أو أمني أو عسكري .ولم تأبه الحكومة باحترام ماء وجهه مرة واحدة على سبيل التمويه في تحقيق مطلب أو حق شعبي على يده أو في رفع حيف عن المواطتين ولا في الدفاع عن حق معيشي أو وطني لهم ، ولا حتى في حصوله على ثمن أو رشوة استكبرتها عليه الدولة مع أنه يستحق أكبر منها بكثير كتقاعد الوزير مثلا .
إن هذا المجلس يبدأ ومع كل مستجد يثور حوله ضجيج شعبي أو استنكار ، بمسرحية مزدزجة مع الحكومة كسيناريو متكرر يقوم على إحالة الموضوع للجنه النيابية المختصة ، و لتصبح هذه اللجنة في خلوة مع الحكومة ممثلة بأشخاص يفوقوهم دهاء وإمكانيات . فتسود الخلوة أو جولاتها سياسة الودية المصطنعة بالحديث وعناوين التعقل والاعتدال ومصلحة الوطن وغوغائية الشعب . وتكون النتيجة دائما بأغلبية اللجنة بأن الحكومة معها حق . ثم ينتقل الموضوع للمجلس وتكون النتيجة على أي حال ،كما تريدها الحكومه. وتمرر هذه النتيجة في إطار زبل القانون أو تطويعه، وبانتظار حدث جديد .
إن الاكتفاء بالقول بأننا بلا نواب يحمون حقوقنا الوطنية والسياسية و يحققون مطالبنا العادلة ومصالحنا ، ويكبحون جماح الهجمة الضريبية والاختلال الهيكلي في الدولة ، أقول إن الاكتفاء بهذا القول ليس كافيا ولا يمثل وصفا صحيحا للسلوك الوظيفي الذي يمارسه نواب هذا المجلس اليوم على الأرض ، ولا يمثل موقفا شعبيا جادا منا . إن الوصف الدقيق لنواب هذا المجلس خطير للغاية ، وهو أنهم تحولوا الى جسم ممأسس يمثل الألية القانونية للحكومة وسياساتها وممارساتها ، وليس للشعب ومصالحه . ألية قانونية للتضييق على الشعب وفرض القوانين غير المواتية وتجسيد الإملاءات وتمرير النوائب بحق الناس والوطن ، ألية قانونية لتحييد الشعب عما يجري في بلدنا والمنطقه وذبحنا نحن الأردنيين بقانون .
إن مجلس النواب قد انتقلت مهمته المفترضة ، من مجلس يمثل ارادة الشعب ويسعى لتنفيذها ، الى مجلس يزور إرادة الشعب ويقنن إرادة الحكومة المعزولة . إن الشعب في هذه الحالة لا يصح أن يكون في مواجهة مع الحكومة ، لا نظريا ولا منطقيا ، إنها كالساحر الذي يمرر خدعته بوسيلة مخفية ويرفع يديه ويقول ( شايفين ، هاي إدي ) علينا أن نكون في مواجهة مع مجلس النواب الذي منحناه وكالة للتصرف نيابة عنا ، وبصفته الذي يمثل هذه الوسيلة المرتمية دائما في حضن الحكومه لإيقافها . إنهم لم يعودا نوابا لنا بل مزورين لارادتنا ومنقلبين على وكالتنا لهم . ولا بد من تفعيل الارادة الشعبية وعزلهم ، وهو حق لنا من روح الوكالة والدستور .
لقد انتظرنا أن يمارس صاحب القرار حقه الدستوري في حل هذا المجلس ليس لمجرد الطعون في انتخابه وقانون انتخابه وعملية انتخابه والجو السياسي الداخلي غير السليم في انتخابه ، بل للغضبة الشعبية العارمة عليه والرافضة له . إلا أن ذلك لم يحصل للأن ولا يبدوا في الأفق ، مع أن هذا الحق الدستوري ليس أكثر من آلية نصية يفترض أن يمارسها أو يفعلها صاحب الحق حينما يستشعر الرغبة الشعبية . نعم ليس هناك قانون انتخاب جاهز ولا تراه الدولة أولوية . لكن غياب هذا المجلس مع عدم وجود البديل عنه أخف ضررا من بقائه . ولتستمر هذه الحكومه بعد حله ممارسة عملها بقوانين مؤقته لا تعبر عن ارادتنا ولا تزورها . فالنتيجة السلبية هنا ستكون واحده في الحالتين ، ولكنها ستكون ليست بموافقتنا ولا باسمنا أو باسم نواب يدعون تمثيلنا
نعم هناك نواب أحرار نقدرهم ونحترمهم . لكن بداية الحل العملي تبدأ من عندهم ومن تحركهم بطريقة مختلفة . فسلوكهم المتمثل في مجرد فضح ما تقدم عليه الحكومة والوقوف ضده كإنتاجية ، هو سلوك غير كاف ولا يوازي ما يمرر على أكتافهم بحق الشعب والوطن . إنهم يدركون بأن قلة من النواب الاحرار مثلهم إن لم تستطغ عمل شي داخل المجلس ، وهي بالتأكيد كذلك في لعبة ديمقراطية مزيف أساسها وفاسد حاضرها ، فإنها ستتحول في هذه الحالة ( أي هذه القلة من النواب ) إلى وسيلة لتمرير هذه الديمقراطية المزيفه التي تمرر القوانين والممارسات باسم مجلس هم جزء منه وتسهم في شرعنة وبقاء هذا المجلس ، وتسهم بالتالي في إخلاء مسئولية الحكومة مما تتخذه من سياسات وممارسات .
إن هذه النخبة من النواب ، وهي تدرك بأنها لا تستطيع قلب الموازين داخل هذا المجلس الحكومي . مطالبة بأن تتحمل مسئوليتها التاريخية والشعبية بأن لا تبقى جزءا من هذا المجلس، وبأن تعود لقواعدها الشعبية . نعم إن استقالتها مرهونة بموافقة المجلس الذي لن يوافق . لكن جوابها إذا ما كان الاصرار على تنفيذ الاستقالة عن طريق عدم المشاركة بجلسات المجلس وبأعماله سيكون ردا كافيا ، وموقفا مؤثرا يحسب له حساب . إن الشعب بحاجة لهذه النخبة من النواب كطليعة أسبغت عليها مواقفها المصداقية ومنحتها أوراق اعتماد من الشعب الذي يعيش ظروفا اقتصادية وسياسية استثنائية تجعله في أمس الحاجة لمجلس نواب أمة حال الظرف السياسي وغياب الحالة الوطنية دون وجوده . فلتكن هذه النخبة عاملا منتجا في رفض هذا المجلس القائم ، وفي ممارسة عملها الوطني في ساحة وطنية حرة .