ليس هذا هو التحدي الذي يواجه العالم

في هروب واضح من المسئولية، فإن العالم الرسمي مازال يتغاضى عن استجماع وتحديد الأسباب الحقيقية للإرهاب ومواجهتها، كخطوة استراتيجية وأساسية لا يمكن بدونها القضاء على الإرهب . ذلك أنه ظاهرة غير معزوله عن السياسة الدوليه ونتائجها وتداعياتها بصرف النظر عن النظريات التسبيبية الغربية الساقطة تاريخيا وعقديا وفكريا. فالعرب والمسلمين لم يمارسوه كما مارسه غيرهم . واليوم هم كلهم ضحاياه والفلسطينيون بالذات . إن الدول الاوروبية ما زالت تتحدث عن استراتيجية لهزيمة داعش ومثيلاتها لا عن هزيمة الارهاب ، وتنظيم داعش كغيره هو مجرد مظهر من مظاهر الارهاب وذراع من أذرعه المتجددة التي لا تنتهي ما دام ربيعها قائم وبذوره منتشره ، فالإرهاب لا ينتهي بمجرد استهداف تلك التنظيمات أو الانتصار عليها . بل ينتهي باستهداف بيئتة وماكينات تفريخه وتسمينه .
إنه لمن المحبط أن نرى الدول العظمى والكبرى تدرك هذه الحقيقة وتتجاهلها ، لجشعها ولإصرارها على تقديم مصالحها الخاصة على مصلحة السلم والأمن الدوليين . فنراها تتجنب الهدف والفكره معا حين تستجمع قواها وتهاجم المنظمات الارهابية بداعي الانتقام لنفسها عندما تهاجم من قبلها ، ثم تعود لسياساتها السابقه بعد انتهاء المهمه . وأخرى تهاجم بداعي حماية نفسها كما يصرح قادتها . بل أن الرئيس الامريكي اصبح يربط هدف التغيير في سوريا بمحاربة داعش وليس لحاجة تخص الوضع السوري .كما نرى هذه الدول تربط زخم مشاركتها بالقتال بمصالحها المتضاربه أحيانا ، وتحدد حتى أهدافها العسكرية طبقا لمصالحها في حرب يفترض أنها واحده . ونراها تتجنب الجدية في العمل وحسن النوايا حين تطلب من الأردن بعينه أن يحدد لها التنظيمات الارهابية وكأنه أقدر فنيا وسياسيا منهم وأحق من الأمم المتحدة في هذا.
ما أريد قوله أن أمريكا وروسيا والحكومات الاوروبية تشغل العالم بحرب على داعش او القاعدة في خداع واضح للنفس وإيهام للشعوب بأن القضاء عليهما او على الارهابيين ينهي الارهاب ويشيع الأمن والاستقرار في العالم .وهم في هذا السلوك المعزول عن حرب موازية على المسببات الحقيقية للارهاب قربانا لمصالحهم الذاتية سيدخلون أنفسهم والعالم في فوضى سياسية وأمنية ويزرعون بذورا جديدة للعنف ولخلق منظمات جديدة للارهاب لن يبقى خارجها دولة أو فرد حتى نصل الى بيئة الحرب الثالثه ونظام دولي جديد .
لقد انتجت الحرب العالمية الأولى نظام عصبة الأمم لكنه سقط لفشله في تحقيق الأمن الجماعي الذي يحمي الشعوب المستضعفة وحقوقها . فقامت الحرب الثانيه وانتجت نظام الأمم المتحدة . وها هو يتهاوى لإصرار صائغوا الميثاق على تكرار نفس السبب مما يسبب سقوط المنظمة وبهئ لحرب ثالثة إذا لم تتم إعادة صياغة ميثاق الأمم المتحدة مسبقا بشكل يرسخ ديمقراطيتها ويعيد الى الجمعية العامة التي تمثل المجتمع الدولي وضميره ، الحقوق التي سطا عليها الاعضاء الدائمون في مجلس الأمن بنص الميثاق . وهذا وحده ما يرسخ السلم والأمن الدولين الذي لا يقوم لا على العدل وحماية حقوق الشعوب في اوطانها وثرواتها.
إن الارهاب هو وليد شرعي لغياب مفهوم الأمن الجماعي في عالمنا . وأصوله موجودة في سلوك امريكا واوروبا السياسي والاقتصادي مع عجز قيادات الشعوب المستضعفة عن التأثير . فمن ناحية سياسية ، لم يحدثنا التاريخ عما يوازي التواطؤ والتخاذل الدولي القائم إزاء قضية فاضحه سياسيا وقانونيا وانسانيا كقضية الشعب الفلسطيني حتى امتد تأثيرها السلبي ليعم شعوب العالم ودوله . وإن عقودا من التغاضي والدعم لسلوك الكيان الخزري الصهيوني في فلسطين جعل منه وحشا كاسرا فوق القانون الدولي والانساني وجعل من إرهابه مفرخة للإرهاب ، حتى فتك هذا السلوك بكل القيم ومصداقيتها وبثقة كل شعوب العالم ونخبه في النظام الدولي القائم . مما ولد يأسا لدى كل معايش لما يجري وثورة في النفوس على واقع النظام الدولي . وهذا ما يفسر سهولة استقطاب الشباب العربي والمسلم من قبل أذرع الارهاب . وهذا في الواقع ، هو التحدي الكبير الذي يواجه العالم ،
ومن ناحية أخرى انسانية لا تقل أهمية ، فإن التمييز و التهميش الاقتصادي والاجتماعي ونهب موارد الشعوب قد أصبح سببا أخر لتشكل الارهاب وبقائه ، ومصدرا يغذي منظماته . وإن امريكا والغرب وكل الشمال هم المتسببون والمستفيدون سياسيا واقتصاديا ورفاها من هذا الخلل ، . ومن المنطقي حين لا تتوفر الارادة السياسية لمواجهة تلك الاسباب أن تعمد هذه الدول الى اسلوب المشاغله والتعاطي مع مظاهر الارهاب فقط . فتلجأ الى اختراق واستخدام منظماته لتصبح بدورها لاعبا في سياساتهم الدولية والمحلية حين يغذونه من أجل مهمة معينه ، وحين يعودوا لينقضوا عليه عند انتهاء المهمة …..ويبدو أن المهمة التي على أساسها أطلقت يد التنظيمات الارهابة في سوريا وعلى رأسها داعش قد وصلت لنهايتها بالنسبة لبعض الأطراف . وربما يكون انشاء جيش سوريا الجديد من المؤشرات القوية على ذلك
الارهاب ليس فكرا، بل سلوك وممارسة غير سوية لا تتجزأ ، لتحقيق اهداف شاذة وغير مشروعة حين تتوفر البيئة المناسبه ، وهذه تخلق بدورها فكرا . ، فلا تفريق بين ممارس وأخر للإرهاب ، فإسرائيل ما زالت تمعن باستخدامه ، ومن شأن عدم ايقافها وعدم تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه أو مقاومة ارهابها واحتلالها ان يخلق الفكر اليائس والمحفزات على خلق منظمات ارهابية مافيوية تتغذى وتستقطب من جيش اليائسين والمحرومين والمستهدفين المتنامي ليأخذ شكل الارهاب المضاد . وكذا ما زالت دول الشمال تبني مصالحها وثرائها ورفاهها على حساب شعوب الجنوب . فلا ود بين الفقر والثراء ولا سلام بين السارق والمسروق ولا تعايش بين الظالم والمظلوم . والانتصار على داعش وكل التنظيمات يستلزم الانتصار على السياسات الدولية المنتجه للارهاب.