مأزومية الأنظمة العربية وشعوبها.. الأزمة المصرية نموذج والحل نموذج.. وهل تتقن الحكومة العراقية عملها؟

ينقسم العرب إلى أنظمة وشعوب في غياب الديمقراطية وسلطة الشعب. أقطارنا باستثناء اثنتين ربما، تتعرض لهجمة افتراس. والتي تبدو منها مستقرة فهي خاضعة للقرار الأمريكي الصهيوني، وتقدم شهادات حسن السلوك بتعاونها مع الاحتلال الصهيوني على حساب تدمير نفسها والقضية الفلسطينية ومع ذلك فلها يومها. وكلها في متناول الاحتلال عسكرياً فيما لو كان ذلك أقل كلفة وأكثر انتاجية ويمكن استيعاب وهضم احتلال مساحات بشعبها، باستثناء لبنان القطر الأضعف لوجود ردع حزب الله. أما الشعب العربي ككتلة حرجة مفترضة في كل قطر فهو في حالة تدجين واستسلام لأنظمته. ويسلك سلوك القاصر يتيم الأبوين وسنأتي لذلك ً.
إن بقيت الأنظمة على حالها وبقي الشعب على حاله دون أن يتغير كلاهما أو أحدهما. فلن يبقى وضعهم أقطاراً وشعوباً على حاله ولا بمكانه، وسيتراجع إلى أبعد بكثير مما هو عليه اليوم، وسيتبع العطشُ الجوعَ، والركوع السجود. فما دامت بوصلة إسرائيل هو مشروعها الصهيوني، أو حتى مجرد احتلال فلسطين كما يعتقد البعض فلن تُترك أية دولة عربية بأدنى خير لزوماً. فمنظور الكيان الصهيوني لتحقيق مشروعه ونجاحه بالمنطق والعقل السليم لا ينتهي بإتمام احتلال فلسطين، بل بتدمير واخضاع كل دولة عربية مجاورة ابتداءً، ليستقر هذا الإحتلال لها كمنطلق لمشروعها، فاستهداف الدول العربية بالتدمير قائم سواء على خلفية المشروع الصهيوني الممتد أو الاقتصار على احتلال فلسطين.
ومن هنا فإن الحاكم العربي إذا لم يكن فعلاً عميلا أو خائناً، وأنه مجرد متبرع في مصادقة “اسرائيل” وتقديم الخدمات لها لمصلحة ما ويأمن لها فهو بالضرورة غبي، والحاكم الغبي يُضَيع بلده ثم نفسه في غياب سلطة الشعب أو تدخل الشعب. فكل نظام عربي مرتمي بحضن أمريكا أو “إسرائيل” ويستمر محافظاً على وضعه المرتمي تحت عنوان صداقته لها أو حمايتها له فهو سائر لتدمير قطره وشعب قطره، “فاسرائيل” وأي عدو كان، يصبح أقدر على إيقاع الضرر الأعمق وبسهولة بالدولة المرتمية بحضنه، بينما القطر العربي الذي يكون في حالة عداء أو عدم صداقة مع الكيان الصهيوني فإنه يضمن نظافة بيته واستغلاله، ويمتلك الحرية للدفاع عن نفسه ويمتلك هامش الضغط على الكيان وبالتالي هو أكثر سلامه استراتيجية وأكثر تأهيلأ للنهوض.
وقبل أن أتناول مصر كمثال على الخطورة التدميرية المترتبة على صداقة أي قطر عربي “لاسرائيل”، أذكر تلافيا للإلتباس، بأن الحضور والوجود الأمريكي في أي قطر عربي هو وجود “لإسرائيل” بتمامِ وكمالِ الفعل، وبقدرة تكنولوجية أوسع. ولا داعي للكيان الصهيوني أن يُلمح أو يُموه بأنه وراء التفجيرات في ايران، فالمسئول عنها هو الوجود الأمريكي في العراق وجوار العراق بصرف النظر عن الوسيلة والأداة. فبينما “إسرائيل” موجودة علناً في المناطق الكردية المحمية أمريكيا للإستخدام، فإنها موجودة داخل خوذة أمريكا بكل مكان تصله داخل العراق وجوار العراق. ومن هنا فإن الجهود المبذولة من الحكومة العراقية الجديدة لتحرير السيادة العراقية العربية لا تنفع إذا لم تطل الوجود الأمريكي بالتوازي، فهذا الوجود صهيوني و خطر على العراق والعرب وإيران وفلسطين. ولا ننسى في هذا الظرف أن هناك مستجدات في ساحة الصراع في المنطقة وخاصة في سوريا ولبنان تجعل من تركيز ايران على دعم المقاومة الفلسطينية أمراً حيوياً لها وللمقاومة، وهذه كافية لتشكل عامل ضغط صهيو أمريكي جديد على ايران. اسرائيل كما إيران يراهنان في خياراتهما على الفترة المتبقة الى ترمب فواحدة في عجلة والأخرى في تريث.
أعود للحالة المصرية كمثال للخطورة التدميرية لأي قطر عربي يصادق “إسرائيل”. فلِمصر خصائص ومعطيات يجب وضعها بالحساب، من أهمها
1- دولة تاريخية لها دور وماض حضاري وامبراطوري، وسكانها اليوم مئة مليون نسمة. رخاؤها وموتها مرتبط بنهر النيل إلى حد كبير
2- لديها السد العالي المعروفة ضرورته الحيوية، إن انفجر أو فُجِّر سيكون كارثة رهيبة على مصر يصعب تقديرها. وأمامها من ناحية ثانية سد النهضة الاثيوبي التي سعته التخزينية أكثر من 16 مليار متر مكعب وخزانه يتسع لأكثر من سبعين مليار. بمعنى أنه سد تجاري لدولة كأثيوبيا بما تمتلكه من سدود وأمطار، وعمل عدواني على مصر أو سيتحول لعدواني قاتل في أي لحظة سياسية حاسمه
3- أثيوبيا صديق استراتيجي للكيان الصهيوني، والكيان هذا تغلغل في الدول الأفريقية في ظل قُصر النظر وفشل الدول العربية وتراجع تأثيرها في القارة رغم ثرائها المالي ووجود تسع دول عربية أفريقية كانت مصر أقواها تأثيراً واليوم حَجَّمت دورها وقوتها لمستوى دولة افريقية لا وزن لها في القارة يوازي حجمها ومصالحها.
4- مصر دولة محاذية لكيان عدو وعميق العداوة، يتربص ويعمل على مدار الساعة وعلى كل المحاور لإضعاف وإخضاع كل دولة عربية وخاصة دول الجوار العربي ويعتبرها نقيضاً لوجوده وعلى رأسها مصر، فمصر للكيان الصهيوني هي الأهم له والأخطر عليه إن نهضت. ولا يمكن أن يكون هذا الكيان إلا عدواً لها.
وعطفاً على ما سبق فإن التحديات المصيرية التي تواجه مصر وكيفية مواجهتها لا يختلف عليها عاقلان. وهذا ينسحب على كل دولة عربية حسب وضعها. فبيت الداء والدواء في تل أبيب وعلاقتها معها التي تمتد لمساعدتها على الشعب الفلسطيني وقضيته. كيف لدولة كمصر بالمواصفات المذكورة أن لا تكون أولويتها القصوى بناء قوة ردعية تكون قادرة على حماية أمنها بكل نواحيه ووجودها المهدد في أي لحظة كدولة بمئة مليون، وبأي منطق سياسي تكون صديقة ومتعاونة مع اسرائيل. وبهذا أقول لتدع مصر فلسطين وقضيتها جانباً، إن صداقتها لإسرائيل تتجاوز الإضرار بالفلسطينيين وقضيتهم لتطال مصر وشعبها في كل أسباب حياتها ووجودها
ولو أخذنا أزمتها الحالية مع أثيوبيا، أقول، مصر مليئة بالحكماء والسياسيين، ولا بد من نخبة منهم تضع أصبعها على الجرح الذي سيتبعه طعنات في صميم وجود مصر، والمتمثل بتعاون نظامها مع اسرائيل والقبول بدونية قوة مصر لهذا العدو الأول لها، وخطر فقدانها للقوة الردعية الحمائية. وتوضح من ناحية ثانية لحاكمها وللشعب المصري بأن “إسرائيل ” حليف استراتيجي لأثيوبيا في القارة، وما كان بمقدورها أن تفعل ما فعلت وتتحدى الأمم المتحدة وتهدد مصرَ عسكرياً على ضعفها وفقرها إلا بدعم من الكيان الصهيوني واستناداً عليه. فهو مربط حصانها. ولو لوّحت مصر من باب الإدعاء بمصلحة وطنية لها وليس من باب العداء لإسرائيل مثلاً، بوقف ضغطها وحصارها على غزة فقط، لفهمت اسرائيل الرسالة وانتهت أزمة مصر مع أثيوبيا كما تريد دون مسرحيات فاشلة، ونقطة. إلا أن مصر مطالبة بتبني استراتيجية ردعية تحفظ بقاءها وجعلها كقوة إقليمية حرة وكريمة مهابة الجانب بدلاً من أن تواجه موقفاً إذلالياً من دولة كأثيوبيا وتهرب منه لمكافحة لعبة الإرهاب وخدعته. وإلّا فالأمر كله مشكوك فيه
أما القسم الثاني وهو الشعب العربي، فإن يتمه السياسي يشمل الأبوين. فهو في داخل أقطاره بلا راعي ولا كينونة سياسية وطنية، ولا سُمح أو يُسمح لمتكفل له من أهل الوطن كالنخب الوطنية، فهده النخب اتجه قسم منها نحو لعبة الأنظمة والترزق والإسهام في سياسة إخضاع الشعب، وقسم اضطر ليحقق ذاته السياسية لدى دول أجنبية وأيدولوجيات تركها أصحابها. فشعبنا في أقطاره تحت التهميش والنهب. وفي محيطه العربي ليس من قطر له صالحا ليلجأ إليه أو ينتمي أو يهتف له. إنه الكتلة الحرجة النائمة والخاسر الأكبر، فالأوطان لا تستهدف وينجح استهدافها إلا باستهداف شعوبها. وعلى شعبنا في كل أقطاره أن يَكبر في وعيه وتفكيره، وليس أمامه إلا أن يلجأ للشارع فسيرى فيه حجمه وفعله وقيمته، إنه اللجوء الكريم وطريق الخلاص.