مؤتمر العسكريين.. حقائق لا بد من ذكرها

ما كان بودي أن أتكلم بموضوع بيني لفئتين من شعبنا الأردني متجانستي المهنه، وأعني بهذا الدعوة الأخيرة الى مؤتمر من قبل نخبة عسكرية أثارت جدلا. لكن ما دفعني للكتابة أن الموضوع له صلة هامة بالوضع العام ،إلى جانب صلة لي مع أفراد رفيعي المستوى والفكر من هذه النخبة، قامت إثر عمل سياسي عام ضم عسكريين ومدنيين اشتركت فيه وكان بمبادرة من تلك النخبة التي كان منها معظم الداعين الى المؤتمر ومنهم طارح الفكرة الاعلامي والمحلل السياسي الاستاذ خالد المجالي.
لا شك بداية في وطنية ونوايا الفريقين فهما رفاق سلاح، لكني أنطلق من موقف المؤيدين للمؤتمر بصفتهم من تعرض للإنتقاد دون سند من نقد . والنقد هنا يكون للفكرة بتوجه بناء ، وهو ما أحاول فعله في هذا المقال بما يطال إخراجها وكيف كان ممكنا أن يكون ، ودوافعها النبيلة والمشروعة وكيف ممكنا تحقيقها ، ودور المسئولين في هذا وفي المفترض بهم . ويستثني النقد موقف الفريق المنتقد ببيان كونهم فعلو ذلك بمعزل عن وجهة النظر الأخرى . على أن نستحضر بأن الفكرة المعلنه للداعين للمؤتمر هي البحث الجماعي في موضوع يجمع بين أهداف سياسية وطنية وبين تحقيق مطالب وحقوق لشريحة المتقاعدين العسكريين ، فوجهة المؤتمر هي الصالح العام لكن السلوك صبغته سياسية . وبمجمل الموضوع أتحدث بثلاث نقاط .
الأولى ، من غير المحبذ في أي دولة أن يعمل جيش المتقاعدين من العسكر في السياسة من خلال تجمع يضمهم كفئة مجتمعية إمكانياتها ووضعها معروف بخصوصيتة وبتأثيره . بصرف النظر عن الخطأ او الصواب في هذا . ومعروف من ناحية ثانيه بأن أي تجمع بأي مسمى لفئة مجتمعية متجانسة المهنه يكون عادة بمضمون النقابه ووصفها الوظيفي . وهو الدفاع عن حقوق المنتسبين وتطوير المهنة ،وهذا يكون بالتعاون المتوازن مع الحكومة . ولا ضير من واقع الدساتير وحقوق المواطنه أن يكون لهذا التجمع رأيه السياسي الذي يعبر عنه . من هنا أفترض بأن العقبة الأولى أمام الداعين للمؤتمر بشكله ومضممونه معروفة لديهم وتتمثل في عدم ترحيب الحكومة به ، و رغم أنه بإمكانهم عقده كاجتماع في مكان لا يشكل إحراجا لطرف . لكن هذا لم يكن خيارهم وفي ذلك حكمة منهم وشفافية والتقاطا لرسالة .
أما النقطة الثانية ،فهي أساسية وتتعلق بمفهوم الإقصائية . وأقول فيها أنه إذا كانت لدى الداعين للمؤتمر رغبة كأفراد بأن يكون عملهم سياسي من خلال حزب أو تجمع ، فسواء كانوا عسكريين او مدنيين فلن ينجح عملهم إذا كان هذا التجمع طبقيا من لون واحد من الوان المجتمع حتى لو دعمتهم الحكومه ، لأنه عمل إقصائي ، وإقصائي للأخرين وللكفاءات المطلوبة والعقول والرؤى الأخرى. فهو في المحصله تجمع معزول . وإن كان في حالة العسكر ليس عقائديا بل برامجيا وطنيا مختلفا في هذا عن الأحزاب الايدولوجية أو الدينية ، إلا أن الحالتين اقصائيتين . ومن هنا فشل حزب الاخوان بحجمه الكبير بسبب أحادية لونه المحتكر للحقيقة والعقل والكفاءة والرافض لمن سواه ، ليفقد شرعيته المجتمعية ويحفز كل الأخرين من أحزاب وأفراد على سرعة تشيكل حلف واسع لإسقاطه . ومن هنا كانت حكمة حكمائه بالمراجعة الجذريه المفضية لحزب أخر بأسس جديدة شكلا وموضوعا . وهو ما يشكل تجربة جاهزة فيها عضة يستفيد منها الداعين للمؤتمر
ففي الحالة التي أمامنا أقول ، إذا أراد العسكر عملا سياسيا لتحقيق أهدافهم ، فبإمكانهم أن يكونوا رياديين في تأسيس حزب أو تجمع لا يفترض طغيان لون ولا إقصاء لون . وعندها يكون العمل على تحقيق رؤاهم السياسية ومطالب وحقوق شريحتهم ضمن المطالبة الاساسية بعملية الاصلاح الشامل التي تخدم الوطن ومستقبله كما تخدم مصالح كل المواطنيين وحقوقهم . وقد يقول قائل بأن الدولة كانت قد عرقلت فكرة تأسيس حزب المؤتمر الذي كان يضم عسكريين ومدنيين ، ولكن لو نظرنا لواقع الحال لوجدنا أن نشأة وتركيبة وصبغة قيادة وعضوية ذلك الحزب المقترح هي عسكريه بشكل واضح لا يخفى على الدوله ، فكانت النتيجة من نوع المقدمات .
أما النقطة الثالثه والأهم ، فهي أن المسئولين في الأردن يدركون مشكلة تكدس أعداد كبيره من المتقاعدين العسكريين المتدربين على السلاح والمالكين له وللثقافة العسكرية ، وأن معظمهم من فئات عمرية شابة تملك الطاقات وتدخل في احتساب نسبة البطالة وفاقدة لجزء من دخلها المعتاد بلا بديل حالت الجندية دون صنعه ، ومعظم كبارهم من أصحاب الخبرات والنزعة القيادية . ويدرك المسئولون بأن هؤلاء قد تحولوا جميعا الى فئة مسلوخة رسمبا عن طبقتها وماضيها بكل جوانبه ، وأن أفرادها قد اكتسبوا بتقاعدهم حقوقا مدنية كانت محظورة عليهم كالعمل السياسي مثلا .
من هذا تصبح الدولة أمام تحد طبيعي وكبير ، فماذا فعلت لمواجهته ؟ سيما وأنها تواجهه بازدياد مع مرور كل يوم . إنها استنسخت شكل حل من الخارج مألوف دون مراعاة لمضمونه وللخصوصية الأردنية وقامت بخطوة غير كافية وأقرب للشكلية ووقفت عندها لليوم دون مراجعه ، فالحالة متعددة الجوانب وفي اتساع ، ومؤسات أو مؤسسة المتقاعدين بهيكلتها وطبيعة عملها غير قادرة على احتوائها ، وسياساتها لم تنجح في تأمين متطلبات المعيشة الكريمة لهذه الشريحة وتطور احتياجاتها ولا في تحقيق مطالبها المشروعة ولا تغطي الإهتمات الهامة الأخرى للبعض منها ، وهو بعض هام يمثل الشمعات التي تفتقدها الكعكة ، ورغم تواضع ما تقدمه فقد كرس استخدامها كثمن لتخلي المتقاعد المنتسب لها عن حقه في العمل السياسي الحر أو إبداء الرأي غير المتفق مع سياسة الدوله .
فشلت الحكومات في مواجهة التحدي من واقع الخلل في ترتيب أولويات الانفاق والنظرة المجتزأة ، ناسية بأنه تحد له جوانب سياسية وفنية ، وأخرى أكثر أهمية ، وعليها التعامل معه باهتمام يوازي أهميته ويرفع من درجة اولويته . المسئولون مطالبون بإعادة مأسسة التعامل مع هذه الشريحه لتغطية الجوانب الضامنه لاستقرارها المعيشي من ناحية ، وللتواصل المستمر مع القادة منهم والفنيين والأخصائيين وأصحاب الكفاءات المميزة في كافة المجالات . وليعلم كل مسئول على رأس عمله بأنه لها والوطن دائما للجميع .