نظرة الغرب والعالم للعرب كشعب واحد وأصحاب وطن واحد لا يأخذوا بها عندما يتعلق الأمر بقضية قُطرية، وهم يعتبرون القضية الفلسطينية قضية قُطرية رغم أنها ولدت قضية عربية ولها رمزية دينية كبيرة بل واحتلت فلسطين على مرحلتين من العرب.. فالغرب والعالم يتعامل مع القضية الفلسطينية سواء قانونيا أو سياسيا كشأن يخص الشعب الفلسطيني فقط، ولذلك فإن حيوية القضية الفلسطينية التي قامت على الاحتلال الاحلالي لا يقيمها على الأجندة الدولية أو يميتها إلا موقف وسلوك الشعب الفلسطيني.
ومن هنا فإن تراجع اهتمام الغرب والشرق على المستويين الرسمي والشعبي بالقضية الفلسطينية وتراجع القضية الفلسطينية نفسها لا يعود الى التراجع العربي ولا للخيانات العربية فهي لم تنقطع ولا للتغول الأمريكي بقدر ما يعود إلى تراجع الحالة الفلسطينية وانقسام الشعب الفلسطيني وبروز أوسلو وتعاون سلطتها مع الاحتلال نفسه ورفضها مبدأ المقاومة وتشتيت القرار الفلسطيني، وكل هذا يفترض أن يكون حافزا للانقلاب على الحالة الفلسطينية القائمة
يبدو للمتابع أن الدول الأوروبية دأبت في البداية على دعم حقوق الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة في نطاق دعمها وتمسكها بدولة اسرائيل طبقا لخطة التقسيم في القرار 181، بل إنها هي مع امريكا من وتبنت القرار رقم 194 الذي يتضمن العودة والتعويض رغم أن العرب هم من عارضوه في حينه، وتلكأت اسرائيل بتنفيذه وربطته بشروط منها الاعتراف بعضويتها في الأمم المتحدة وكان لها ذلك ولم تف بوعدها ولم يؤخذ بحقها إجراء، لكن الواقع أن بريطانيا وفرنسا وأمريكا بالتعاون مع الوكالة اليهودية هي الدول التي رسمت ليكون احتلال ال 48 بحدوده، وامتداداتها حسب تفاهمات حرب ال 48 . ولتكون معه خطة التقسيم ضمن الاراضي الفلسطينية فقط كمرحلة انتقاليه وليس نهائية، فهي نفسها الدول التي كانت قد اقنعت مسبقا عصبة الأمم بتبني تنفيذ وعد بلفور في فلسطين وأن تعتمد العصبة حدود فلسطين لتشمل شرق الأردن كي يكون ضمن الوعد وقرار التقسيم، وهذا ما تنطوي عليه المادة 25 من صك الانتداب.
ولذلك لم يكن احتلال ال 67 الذي استكمل احتلال فلسطين كلها قضية بالنسبة للثالوث ولا للسوفييت.
إلا أن بروز عاملين في مرحلة لاحقه أجبرا الدول الغربية على تغيير معادلتهم وعلى نقاشات بإعادة النظر بدعمهم للمشروع الصهيوني في احتلال كل فلسطين وكذلك بإعادة النظر في الأردن كوطن بديل، والعاملان هما،
1 – بروز المقاومة الفلسطينية كأوسع وأشهر مقاومه لاحتلال في التاريخ والذي كان في مواجهة الصهيونية وأقوى القوى الدولية المتحالفة معها مع تواطؤ العرب بني جلدتهم، واستطاعت هذه المقاومة فرض الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية في فلسطين وترسيخ الاعتراف الدولي بأن القضية هي احتلال، وردت كيد التآمر والتواطؤ العربي الذليل إلى نحره وإلى جحره وعلى رأسه الأفعى السعودي
2- استطاعة الملك حسين كشخصيه غير عاديه بدهائه أن يتحول من متعامل يقود الدور الوظيفي للأردن الى صديق ند للغرب مستندا على ثقة ودعم كل المكونات الشعبية الأردنية ومحبتهم واحترامهم واستطاع ترسيخ الأردن ككيان سياسي على الخارطة الدوليه لا كوطن بديل، بصرف النظر عن أن كل ذلك انهار فيما بعد، فللبعض نصيب من أسمائهم
هنا، كثفت الدول الأوروبية والدول الفاعلة في العالم طبقا لتلك المعطيات الجديدة خلال تلك الحقبة دعمها الجاد لحقوق الشعب الفلسطيني ووقوفها الجاد لجانب تفريغ مكونات القضية الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 67 وتنميتها ورفض ومقاومة الاستيطان الاسرائيلي ورفض التضيق الاقتصادي على الشعب الفلسطيني، وقد عايشت شخصيا جزءا من مواقف الدول الغربية هذه طوال عقد الثمانينيات ولمنتصف التسعينيات في الأمم المتحدة، وكانت الدول الأوروبية تقف ضد التدخل الأردني في الشأن الفلسطيني ولم تكن تتفق مع الرؤية الأردنية على لوحة التصويت في الجمعية العامة عندما تختلف مع الرؤية الفلسطينية وكان ذلك على خلفية الرغبة الاردنية في أن تكون له كلمة وقرارا في أية تسوية تخص القضية لا سيما مسألة اللاجئين والمكون الفلسطيني في الاردن وهذا موضوع ليس مجال بحثنا هنا، كما لم تثني اتفاقية كامب ديفيد الدول الأوروبية أو تغير من مواقفها إزاء القضية والشعب الفلسطيني، ولا التراجع العربي أيضا .
وأقفز لتطورات القضية وأقول أن الدول الأوروبية وغيرها من دول العالم عندما وقفت مع سلطة أوسلو فإنما وقفت في إطار ما تضمنته من اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، إلا أنها عندما رأت التطورات السلبية بين السلطة والاحتلال، لم تكن تملك لا هي ولا غيرها من دول العالم أن تتدخل بشأن القيادة الفلسطينية عندما انخرطت في التعاون مع سلطة الاحتلال لحماية الاحتلال وفي التنازلات والخضوع اليه والركون الى الوسيط الأمريكي، ولا في ما تسببته من إحداث شرخ في وحدة الشعب الفلسطيني على خلفية رفضها لمبدأ المقاومة وتأجيل وتعويم مسائل الحل النهائي التي تشكل المكونات الاساسية للقضية، ولم يعد أمام اوروبا والدول الفاعلة من حافز ولا من طريق للانخراط بتفاصيل القضية ولم تكن حتى مستعدة للقيام بدور يفعل رفضها للصفقة ولا لحضور ورشة البحرين.
إلا أن من أفظع الأخطاء العربية التي تبنتها السلطة الفلسطينية هي وضع كل اوراق الحل في يد أمريكا ذات التحالف الاستراتيجي مع الصهيونية الاسرائيلية وأطماعها، منتقصة بذلك من الاطار القانوني والتاريخي للقضية في الأمم المتحدة وجهود انصار الحقوق الفلسطينية على صعيدها، ومنتقصة بل ولاغية للدور الأوروبي والروسي وتأثيره، وكل ذلك جاء في غياب المقاومة الفلسطينية تماما والتي انعشت عودتها حماس .
واليوم على الشعب الفلسطيني أن يستوعب استحقاقات ما يعلمه الجميع في هذا العالم عليه، بأن الدول العربية كلها ساقطه عسكريا ومعظمها في تناول اليد، وشعوبها في الحضيض فاقدة لكل اعتباراتها الانسانية ومواطنيتها، والأنظمة العربية الرسمية قسم منها خانع لارادة الصهيو امريكي ويضطلع بكل مهامه القذرة ضد القضية والشعب الفلسطيني والقسم الأخر لم تعد تخصه القضية الفلسطينية وفلسطين ولا تخصهم حتى أقطارهم وقضايا شعوبهم بل يقايضونها بسلطتهم . والقسم الثالث في الدائرة الرمادية..
وألخص السبب لهذا الوضع العربي بعدم اعتبار العرب أنظمة وشعوبا بأن المشروع الصهيوني في فلسطين هو منطلق اليهم، وبأن القضية الفلسطينية قضيتهم تخصهم كما تخص الفلسطينيين، وبأن الشعب الفلسطيني شعبهم وأقدر منهم على التعايش مع الصعاب، فالدول العربية وشعوبها استمعوا للخطاب الصهيوني وما زالوا على أنهم واقطارهم وشعوبهم شيء وفلسطين والفلسطينيون شيء أخر وبأن انفصالهم وبيعهم فلسطين للصهيونية وخذلانهم للشعب الفلسطيني والقضية سينجيهم.
الشعب الفلسطيني اليوم وحده في مواجهة الاحتلال والصهيونية اليهودية والأمريكية والعربية، ولا أمل له إلا بالإنتفاض وبالمقاومة الميدانية، ولا طريق لهذا قبل توحده على قاعدة المقاومة، ولا أمل في هذا وسلطة اوسلو قائمة بدعم صهيوني تنخر بالجسم الفلسطيني وتعمل مع المحتل من فوق الطاولة ومن تحتها، ليست المقاومة طريقا لدحر الصهيونية ومشروعها في فلسطين فقط بل في كل الوطن العربي.
ما أريد تأكيده هو أن الأمريكيين والأوروبيين والعالم يعلمون بأن كل خيانات ومعاهدات واتفاقيات وتطبيع وتعاون الأنظمة العربية مع أمريكا وسلطة الاحتلال لا يساوي شيئا، ولا ينهي الوصف الاحتلالي لفلسطين ولا يقيم حقا لما حققته وتحققه اسرائيل ولا يصنع استقرارا ولا سلاما بدون الرقم الفلسطيني، والقادر حتى بمجرد رفضه على أن يجعل من كل ما تحقق أو سيتحقق افتراضيا وكلفة مهدورة على الاحتلال ومعاونيه .وإن تحييد الدول العربية ثم اعترافها وتعاونها مع اسرائيل كله جاء لمحاصرة الشعب الفلسطيني وتركيعه، لكنه الرقم المعجزة عندما يكون قوامه وحدته والصمود والمقاومة المشروعة القائمة على القانون الدولي والمنطق التاريخي.
وفي الختام ألفت النظر الى أن الشعب الفلسطيني وقضيته يواجه اليوم ولأول مرة أغرب وأقذر وألعن دور إعلامي في حملة همجية تمس حقوق وعقيدة كل عربي وكل مسلم على هذه الأرض، تقوم به معظم دول الخليج وبالذات المحور السعودي الاماراتي البحربيني، دور أوكلتها به الصهيونية اليهودية والأمريكية. فجميعنا نتابع ما يبثه حثالة بشرية من إساءات وادعاءات وتجريح وإفك وسوقيات أهل المواخير بحق شعب فلسطين وصلت بل هدفت الى طعن تاريخ الشعب الفلسطيني وحقوقه في وطنه وحقنا كعرب في فلسطين وعروبتها وفي طعن عقيدتنا والأقصى والاساءة اليه، بما لم يسبق وأن تجرأ على قوله صهيوني. ونحن في هذا لا نعول على مسؤولي الذل في مواخير الخيانة من حكامهم، فهم من وراء تلك الحملة، ولكنا نعول على أحرار الجزيرة والخليج بأن يتحركوا لنصرة عروبتهم وفلسطين وعقيدتهم ولا يتركوا الساحة.
خطابي ليس موجها الى تلك القلة من النفاية البشرية بل الى بعرانهم الذين يوجهونهم تنفيذا لأوامر من مستعبديهم الصهاينة، وأقول أين أنتم وأين أسيادكم الطارئين على التاريخ من الشعب الفلسطيني؟ صاحب الفضل عليكم ولا منة فالعرب شعب واحد بوطن واحد ومقدرات واحدة، أين أنتم من الشعب الفلسطيني الذي يمثل الأنفة البشرية وعمق التاريخ والحضارة، أسيادكم ومستعبدوكم يعرفون وأنتم لا تعرفون أنه الشعب الذي حاكى التاريخ وبنى فلسطين وقهر الغزاة، الشعب الذي ذكرته توراتهم والعهد القديم بالاسم ” الفلسطينيون ” مرات، وذكر وطنه بالاسم ” فلسطين: “مرات ليكون إسما خالدا ومكرما، فالله كرَّم هذا الشعب بكرمه ليكون هو صانع العبرة للبشرية جمعاء، وهي أن لا مفر من شر الشيطان مهما أكرِمته، وأن لا مخرج من شره إلا بمقاومتة والانتصار عليه، ولا يقدر على ذلك الا المؤمنون الجبابرة، أما الخزي والذلة فهي للنفايات البشرية.