ما حقيقة ما يجري في الأردن.. ولماذا؟

ما يجري داخليا في الأردن لا يمكن أن نأخذه في السياق الذي يتناوله الاعلام الأردني والكُتاب والمواطنون ،وفي ذلك تضليل للحقيقة ووسيلة لتمرير المطلوب ، فما نشهده لا يكون إلا بعمق تنفيذ سياسة خارجية بأيد محلية ، ممنهجه باصرار ولؤم، تستهدف الدولة وكيانها السياسي وهويتها ، وتستخدم في هذا اقتصادها ومُقدراتها وناسها وأمنهم واستقرارهم وحشرهم في زاويه . سياسة تجري في إطار من العزل التام للراي العلمي الاقتصادي والسياسي . وتجاهل مطبق لأراء المختصين ولمصالح الناس واستغاثاتهم ، وبوعي تام على تراجع المنظومة الإجتماعية والسلوكية ومؤسسات الدولة بنتائجه الرهيبة ..
لا يستقيم النظر الى ما يجري في الأردن كحاله بريئه ، ولا كحالة اقتصادية ، أو جهل مسئولين أو اختلاف في الرأي او مجرد فساد . إنها بالتأكيد حاله سياسية عميقه . والحكومات الثلاث الأخيره ليست حكومات تقليديه ولا علاقة لها بالشأن العام ولا بالقانون . جاءت ب mandate واحد هو تنفيذ اجراءات من شأنها هدم الدولة اقتصاديا واجتماعيا من الداخل ، وقطع روابط مواطنيها بها سياسيا وانتماء . والإعلام المحلي بأنواعه مسخر لدور تسويق افتراضات ونقاشات وحوارات من شأنها أن تحرف الناس على اختلاف ثقافاتهم عن البحث والتفكير غير النمطي بما يجري ،فتنصب مادة حديثهم على أخطاء المسئولين والحكومات والاتهامات والماكفات والفساد وطرح الحلول .
لا مجال لإنكار أن الدولة ترى نتائج سياساتها العكسية وتستمر بها وتعمقها . ولا لإنكار تفريغ مؤسسات النواب والاعيان والحكومات من دورها الدستوري ومن أي دور في صنع القرار او منعه ، واقتصار دورها على الديكورية والتنفيذ والفساد واغتنام الفرصه . ولا مجال للإنكار بأن مقدرات الشعب ومرافق الدولة الحيوية والأساسية تباع للأحنبي ، وانالقطاع الخاص الوطني مستهدف ويتدمر مع القطاع العام ، ومن لم يستطع بيع استثماره يغلقه .وان الاردن تحول نتيجة الفساد والسياسة الضريبيه وضعف القوة الشرائية والفوضى الإدارية الى بيئة طارده للاستثمار الخارجي والداخلي ولأي عمل منتج . ولم يعد الأردن صالحا إلا لاستقبال اللاجئين من أزمات الوطن العربي .
ولا مجال لإنكار المعنى الكبير الذي ينطوي عليه التلاعب بأموال الضمان الاجتماعي ، ولا حين يقوم الأثرياء والمتنفذون في البلد بنقل أموالهم النقدية للخارج وبالعملة الصعبة . ولا مجال لانكار أن الدينار الأردني في وضع الدوله الاقتصاديوالسياسي لا يساوي ربع ما يلبسه من سعر وقيمه . وأنه في أية لحظة سياسية سيأخذ حجمه وسيعلم المواطنون عندها حجم معاناة التآمر والضغوطات عليهم وعلى الخزينة والديون والقرار السياسي.
بالملخص ، هناك ما يشبه عملية التصفية للدولة حان وقتها ، وهناك مناقله مستمرة للجرائم بحقها ، ومواظبة على صنع الأردأ لطوي الرديء . وتغيير متسارع في التركيبة السكانية والطبقيه ، وبات الأردنيون في البادية والريف والمدن المغلقه عشائريا بلا ثقل سكاني ولا وزن سياسي. وحراكهم (يضرب بالقديم ) ولا يتعدى عمقه عمق أفواههم والحصول على حصة تافهة من كعكة الفساد المتآكله. شيوخنا خلفوا فسده بلا انتماء ، وسياسيينا خلفوا سحيجة وأعداء للوطن ، وقضاتنا خلفوا متهمين في رقابهم ذمم. فالدولة تأكل نفسها والمواطن يجري إذلاله للنيل من ارادته ومن الوطن ، حتى بات يلمس بأن مسمى الدولة الاردنية لم يعد قائما بمضمونه ، ولا مضمون مسمى الدولة الهاشمية قائما . ويتساءل الكثيرون عن هوية المسئول عن ما يجري ،والقليلون يتساءلون لمصلحة من ؟ ولا نسمع السؤال ، لماذا هذا يجري .
أما لماذا هذا يجري ، فقد نشرت كتابا فيه ؟ والجواب أن الأردن عندما نُزع من وعد بلفور لم يُنزع من المشروع الصهيوني ، ولم يصمم كدولة بهدف البقاء بهوية سكانها كبقية الدول السيكوسبيكيه ، بل لدور ينتهي بتأمين محذورات قيام الدولة الصهيونية وإنجاح عملية هضم فلسطين بكاملها .وقد طمأنت بريطانيا آنذاك الوكالة اليهودية حين رفضت ذلك .والنظام يعلم هذه الحقيقه وأمضى عقودا وهو يحاول الانقلاب عليها ولكنه بنفس الوقت حارب تشكيل الهوية السياسية الأردنه هنا ،والهوية الفلسطينية هناك ولم يخرج عن النهج ، وفشِل .
السؤال المنتج هو ، هل الأردنيون واعون على طبيعة وحجم المؤامرة وسبب ما هم فيه ؟ وهل هم مؤهلون أوقادرون على مقاومتها وكيف . ؟ ومن أين البداية . وهل “العليق عند الغاره بفيد” . إن النزعة الفردية التي رباهم عليها السيستم حاضره في كل حركة أو تيار أو حزب أو نقابة أو أي تجمع سياسي أو وطني . والوطن عندهم كما هو عند الأنظمة العربية ، شماعه وصيغة خطاب ،ولا اولوية له . إننا شعب بلا هوية سياسية جامعه نلتقي عليها . بل هويتنا بدأت وانتهت مرتبطة بهوية الملك .إنها المعادلة التي أهملها كل العرب تحت ضغط السياسة الاستعمارية وفاتتنا ، وهي أن “العربي الذي لا يعتبر فلسطين قضية وطنية له ، والهوية الفلسطينية تعنيه ، لن تكون بلده يوما في آمانوستُفتح له قضيه وتُحارب هويته “.وهذا ما كان.
لا جبهة داخلية سليمة ولا موحدة لدينا اليوم . المكون الفلسطيني يعزل نفسه عن السياسة الأردنية منذ فك الارتباط مع الضفة ، ومعني بدرجة كبيرة بالشأن السياسي الفلسطيني وبالقضية الفلسطينية . ويعزل نفسه عن الحراكات الصوتية القائمه على عراك المحاصصه والحصول على المكاسب من وظائف الدولة وتسهيلاتها ، لأنه مكون يرى نفسه معزولا عن تلك المكاسب . والهجرة العربية من الأماكن الساخنه للأردن أثرت على اولوياته عندما أضرت بأسباب معيشته بصورة مباشره كونه مكونا مرتبطا بالقطاع الخاص المعتمد على فرص العمل والاستقرار الأمني . والشرق اردنيين يعتاشون بشكل عام على الوظيفة العامة ومرتباتها وتقاعداتها المتآكله ، واسباب معيشتهم ومكتسباتهم مرتبطة تماما ومباشرة بسلامة جهاز الدولة ونظامها.
الاردنيون وحدهم لا يستطيعون فعل شيء بمعزل عن الملك ، والملك وحدهدون شعبه لن يكون إلا راضخا .وإعلانه المواقف الرافضة لتهويد القدس ولتصفية القضية الفلسطينية يبقى كلاما مفرغا من مقومات تفعيله أمام فاعلية تفوق الصهيونية ومحورها . والكف لا يلاطم مخرز . والعنتريات للقبائل لا للدول . وبالتأكيد ليس للملك مصلحة شخصية بتصفية الدولة ولا بتصفية القضية الفلسطينيةولكنها المحددات الخارجية الضاغطه تستفرد به ، وهو صاحب الكلمة حين يدعمها نهجها والشعب . ولا شك لدي بأنه لا يتعاطى بالسياسة والشأن العام مع جهة داخلية ، إلا مع دائرة المخابرات .
إنها الجهة الأردنية التي تتحمل في هذا مسئولية وطنية وقومية كبيره في تطوير وتعميق مفهومها لأمن المواطن والدولة والملك ، وارتباط ذلك الوثيق بالقضية الفلسطينية وبما يجريعلى صعيدها وربطه بما يجري في الداخل . التحاور مع الملك في هذا والتأثير عليه ضرورة ، فمحددات الامن في الأردن طبيعتها سياسية ومخرجاتها كارثية . وكل جالس اليوم على كرسي سيتركه غدا .
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply