إن الحملات الضريبية غير المسبوقة بدولة ما ، والتي تشنها حكومات الأردن على شعب فقير لا ذنب له بالمشكله مع علمها بأنه سلوك لا يجدي ولا يحل مشكلة وفاشل وهدام للمواطن وللدولة في المحصله ، يبدو أنه خيار قد اتخذته كخيار الصفر لمبررات مجهولة للمواطن ، وما كان لها أن تفعل ذلك تحت أي ظرف ، فالإستمرار فيه يوصل لطريق مسدود ومواجهة الحقيقه .*
المهم والخطير هنا أنها كسياسة أصبحت مستعرة لا رشاد فيها ولا مساومه ، يصعب تفسير اصرار الدولة عليها مع علمها بنتائجها الخطيرة إلا كخيار أصبح مفروضا عليها في سياق أنها دولة تفتقد للموارد المالية وتعاني كل انواع الاختلالات في موسساتها قد أصبحت بنفس الوقت تعاني من وقف المساعدات الخارجية وتضييق شروط الاقتراض أو وقف اقراضها بشكل كاف ، ليصبح الأمر برمته متعلق بتوفر شروط افلاس الدوله.
بمثل هذه الحالة تلجأ الدول عادة الى خيارات وطنية حره ، وهو ما لم نشاهده ، بل نشاهد تسويقا مغايرا من خلال النقاشات الاعلامية التي ترافق كل هجمة ضريبيه وخاصة الأخيره تصب في إخفاء ومنع النقاشات الاقتصادية السياسيه العلميه للحدث وأسبابه وكيفية الخروج منه . وتسهم بدلا من ذلك في تضليل المواطن وحرف الرأي العام عن كل ذلك لا سيما عندما تجعل من امر حقنة الضرائب وكأنه قد قُضِي وأصبح مقبولا تقنينه ، ولا يتعدى احتجاج المواطن التذمر من تجار مستغلون يخرقون تطبيقات الضرائب.
الأردن الان يتصرف كمن على شفا هاويه يأكل كبيره صغيره . وكأن هناك دوله عميقه خارجية او غير وطنية لا نعلمها وراء ما يجري من سياسات . الشعب محيد ومستسلم ، والسياسيون يرقصون على حبال من الهواء ، والاقتصاديون الوطنيون معزولون ، والدولة القائمه نراها ولا نحس بها بل بسوطها ، فلا هي آخذة لزمام الأمور بحقيقتها ولا مسلمة الأمانة لأهلها . الوضع الاقتصادي في الأردن لا متناهي في تراجعه والوضع المالي غير واضح الارقام.
هذا يقودنا الى صندوق النقد الدولي ، فمن غاياته الاساسية أن يمنع وصول الدول لحالة الافلاس كي لا تعلنه بنفسها وتصبح تلك الدول في حل من التزاماتها ، لكن الصندوق في حالتنا يسعى للتعميق من حالة الافلاس ، وحكوماتنا تحاول واهمة أو خاطئة أن لا تصل لمرحلة التهديد في اعلان إفلاسها كحل وطني لمشكله اسهم فيها العالم ، في حين أن مالكي الصندوق السياسي المتحكمين بالقرار المالي والسياسي بالعالم يريدون أن يكون قرار الافلاس بيدهم وفي وقته ، وأن يكون استخدام لعبتهم السهله في التأثير على قيمة العملات الوطنية كضربة قاضية ، وهي في حالتنا الاردنية تتمثل في إجبارنا على تعويم الدينار ، حيث عندها يصبح اعلان الافلاس من جانبهم ابتزازا سياسيا يرتب نتائج يفصلونها تفصيلا اأقلها الاستفراد بقرار الدولة .
كل المؤشرات التي تحيط بالحالة الاردنية تؤشر على أن المتهم هو” السياسه المبيته لهذه الدوله ” .النظام القائم بحكوماته المتعاقبه الذي لا نعلم مدى الحرية والقدرة التي يتمتع بها مطالب بتوضيح ما يجري وبحقيقة مشكلتنا ومن ورائها وعن رؤيته الاستراتيجية لحلها، ومتى تتخلى الحكومات عن الحملات الضريبية التي تودي بالمحصلة بالمواطن وبالدولة وتبحث عن غيرها . ومطالب أيضا بقرارات سياسية وطنية تقوم على تحالف النخبتين الوطنيتين السياسية والاقتصادية بعيدا عن أي خواجا أو عنصر أجنبي ، والمهمة هي اعادة هيكلة الدولة اداريا وقانونيا لحمايتها من السقوط سياسيا.
التاريخ السياسي الحديث يشير الى أن الدول المستهدفه سياسيا أو امبرياليا أو نتيجة مواقفها أو نتيجة السياسات الاقتصادية السلبية للدول المتقدمة ، ليس لها عندما تصل لنقطة معينة الا المواجهه الصريحه والتهديد بعدم الالتزام بالنتائج والاستحقاقات الظالمه من خلال قرار وطني مدروس بكل مستحقاته الإيجابية وهو الرد الحاسم على لنتائج التي اوصلتنا لها السياسة الامبريالية الجديدة . ولنا عبرة في عشرات الدول في امريكا اللاتينية والشمالية واسيا.
يبدو بل ويلاحظ أن المخطط الاقتصادي الصهيوني سري على كل دول الطوق العربيه مصر وسوريا والعراق ولبنان باستهدافها بالافلاس مع تأجيل القرار ليكون قرارا صهيونيا في وقته السياسي المطلوب وبعد أن تنال هذه السياسة من اللحمة الوطنية وثقة شعوبنا بدولها ومن استحكام اليأس في نفوسها وانبطاحها للنتائج.
هل يخرج الأخصائيون الاقتصاديون الوطنيون عن صمتهم ويتكلموا بالعلم والواقع كشركاء ؟ فلا مجاملة مطلوبة او مقبولة على حساب الشعب ومستقبل الدوله ولا تقصير بحق الوطن إلا جرما حوسب عليه صاحبه ام لم يحاسب . ليواجهوا الحكومات واصحاب القرار . فلعلنا نسمع منهم ردا منطقيا او تفسيرا . وليصبح الشأن وطنيا بامتياز والجهد وطنيا يخرج الدولة عن سياقها السياسي والاقتصادي والاداري القائم.
كاتب وباحث عربي