ما زل الأردنيون ينتظرون خطاب الملك.. فماذا يتوقعون؟

من المستبعد أن لا يكون الملك ورئيس وزرائه لا يعلمون باستحقاقات ومستحقات حرب كورونا بمرحلتيها على دولة بوضع الأردن اقتصاديا وماليا وسياسياً. إنه وضع صنعه أو شارك به النظام ونهجه المستعصي على التغيير. والأردنيون بغالبيتهم الواعية ينامون ويصحون على أمل أن يستدرك الملك رأس الدول ونظامها وصاحب قراره الشر الكبير الذي يسُاق إليه الأردن وشعبه ونظامه، وبأنه الظرف الأمثل والآمن للتغيير. فليس في هذه المرحلة دولة من دول الاستعمار العاتية والمتسلطة والمستهدفة للشعوب مهتمة بغير نفسها والدفاع عن حاضرها ومستقبلها من ثورة الطبيعة. وأن معركتها بعد كورونا ستكون ضد بعضها وقد تتجاوز السلمية للحرب. والأردن من أحوج الدول لاستغلال الظرف الآن قبل أن تحل مرحلة ما بعد كورونا التي يصعب السيطرة فيها على الوضع دون التأسيس له.
الأردنيون في السنين الأخيرة أصبحوا بغالبيتهم ينظرون أو يريدون أن ينظروا ويتعاملوا مع الملك ومؤسسة العرش كجهة قادرة على إصلاح نفسها بآمان للحد الذي يمكنها من تغيير النهج للمستوى الذي تستطيع معه من الإصلاح الجذري إنقاذا للدولة، سيما وأن الأيادي التي صنعت الوضع المتردي هي أياد اردنية تم تزكيتها لمناصبها ودعمها من ذات الجهات الخارجية ويمكن التعامل معها ونبذها. وإن ونظرة الشعب للملك هذه إن لم تكن واقعية أو عن كقناعة فإنها تعبر عن مدى وعيه على بقاء وسلامة مؤسسة العرش وعلى المأساة التي ستحل بغياب الملك على توازن العيش وعلى الاستقرار والأمن الهشين بفعل مبالغة سياسة النهج في عدم الرشد. حيث فشل الأردن كغيره من معظم الدول العربية في تأسيس دولة مستقرة على أسس وطنية سياسية واقتصادية، ولم تترك هذه الانظمة المستندة ديكتاتوريتها على قوة الأجنبي مجالا لبناء دولة مستدامه ومتطورة ولا لسلطة الشعب ولا لتبادل السلطة، وحرصت على أن يكون البديل عنها هي الفوضى وعدم الأمان وتدمير الدولة.
ورُبّ ما حركني لكتابة هذا المقال هو الإحباط الذي أصابني كما أصاب الكثيرين بعد سماع خطاب الملك الأخير. ليس لما جاء فيه، بل لما لم يجيء فيه. فالشعب المنتظر والمتأمل بالملك في كل الظروف كان يتوقع منه شيئا جديداً وقرارات جديدة في هذا الظرف الحاسم والمتوتر. والبعض توقع منه الإعلان عن استراتيجية للتغيير أو قرارات لصمود الدولة والمواطنين في الظرف الحالي أو لمواجهة نتائج ما بعد كورونا. ولقد كان أخر ما يمكن أن نتوقعه هو أن يكون الخطاب الملكي الذي انتظره الشعب سنيناً مقتصرأً على رسالة شكر للشعب على صبره وتعاونه وشد معنوياته، نسمعها يوميا من حكومته.
الدولة وشعبها بحاجة ماسة لتجاوز أثار مرحلتي ( هجمة الوباء وانسحابه ). وتبدأ الثانية بنفس اللحظة التي تنتهي بها الأولى. فالمرحلتان خطيرتان ومدمرتان. والتركيز على واحده دون الأخرى هو بالتأكيد يكون على حسابها. لا نريد أن ينجو الانسان من الموت الصامت في فترة الوباء ليموت بعدها بضجيج وفوضى ورعب وبالجملة وتصبح الدولة فريسة سهلة. وإن كنا بحاجة لدراسة حرب كورونا كما نراها لاستخلاص حكمة منها، نقول أنها حرب ليس هدفها قتل الإنسان، بل هدفها قتل اقتصاد الدول لتغيير سياساتها الظالمة، وقتل ظروف حياة الشعوب لتتحرك ضد أنظمتها وسياساتها.
فأي نظام اليوم يهمه بقاء دولته ومنعتها وسلامة شعبه وصموده بحياة آمِنة وكرامة، لا يمكن له أن يتعامل مع هذه الحرب الفاصلة بسطحية وارتجالية واحتكارية وبالقطعة. بل لا بد من وضع استراتيجية مسئولة تقوم على تكاملية المرحلتين لنجاة الوطن والدولة والمواطن. وهذه الإستراتيجية مسئولية لا يمكن أن تقتصر ولا أن تكون تحت رحمة أي شخص أو حكومة، وخاصة حكومتنا. ولا بد لهذه الإستراتيجية من إيفائها حقها ومستلزماتها من العلمية والسلامة والمصداقية واطمئنان الناس. وهذا يتطلب أن يتدارسها ويتشارك في نقاشها ووضعها واعتمادها العقل والخبرة والعلم والإختصاص الشعبي العام كله ممثلا بخبرائه وعلمائه وأخصائية ومفكريه وسياسييه ووطنيه وأحزابه ونقاباته. فنحن في مرحلة تُكَفِّر وتُخَون العمل بسلوك العصابات أو الحزب الواحد أو احتكارية الدولة والعزل الوطني، ولا بد للشعب أن يكون شريكاً بالمسئولية وبالقرار عندما يتعلق الأمر بمصيره ومصير دولته بهذا الحجم من الخطورة.
وإذا ما توفرت الإرادة السياسية لوضع واعتماد هذه الاستراتيجية المتكاملة والمطلوبة بتمام وصف واضعيها المشار اليهم، فإن ما ينقصها هو المال وبدونه لا تُنَفذ. فالمال عصبها. ونحتاجه كله حاضراً للمرحلتين لاستخدامه في هذه المرحلة التي نعيشها حاليا. نحتاجه لاستحقاقين الأول لتوفير حاجات ومستلزمات الوقاية من الوباء ومنح المواطنين الفقراء والذين انقطع رزقهم، المال اللازم لمعيشتهم وصمودهم في ظل الاجراءات الحكومية اللازمة والضرورية من إغلاق كلي أو جزئي لوسائل الانتاج وحظر او تقييد لحركة المواطن وسعيه للرزق. فالعطايا العينية لا تحل مشكلة ولا يمكن أن تشمل ملايين الفقراء والمحتاجين. بل يحلها تخصيص مرتبات نقدية اسبوعية أو شهرية يغطي الفترة لنهاية شهر تموز، وربما أبعد لكل من لا يستلم راتبا أو تقاعدا منهم. وبغير ذلك فلن يحتمل أو يقبل الفقير أن يموت مع أطفاله خوفاً من موت يحتمل قدومه. وبالتالي فلن يحتمل التعاون مع الدولة. وإذا استشعرت الدولة ذلك الخطر واستبقته بتخفيف القيود جزئيا، فإن ذلك علاوة على أنه سيكون على حساب نجاح جهودها الوقائية للمرحلة، فقد يكون غير كاف لتردي الأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية في هذا الظرف.
أما الإستحقاق الثاني للمال المطلوب، فهو لإنفاقه في هذه المرحلة لحساب مرحلة ما بعد الوباء. فنحن نحتاجه لإنفاقه على خطة تنفيذ بناء الحماية المسبقة في دعم وصمود بل وتعزيز كل مشاريع وشركات ومؤسسات القطاع الخاص المنتجة المتوسطة والصغيرة والتي تؤمن وستؤمن العمالة للناس واستمرار عجلة الإقتصاد. وأقصد تلك المتضررة والمهددة بالفشل والتراجع. وبغير ذلك وهذين الإنفاقين معاً فإن مرحلة ما بعد الوباء ستأتي بعد شح وحرمان وديون وعجوزات وإفلاس لحق بالمواطنين وبالمؤسسات الخاصة، وبشركات ومصانع ووسائل انتاج سنجدها مغلقة أو عاجزة تصنع بعجزها عجزاً رهيبا في فرص العمل والانتاج والقوة الشرائية لدرجات خطيرة على حياة وأمن واستقرار الدولة ككل. في حين أن الشركات التي ستكون قادره على الاستمرار فلن تستطيع استيعاب نصف العمالة السابقة.
إذاً، المال المطلوب حجمه كبير على دولة بوضع الأردن وتريد النجاة والبقاء الآمِن. فنحن بتقديري نحتاج لتوفير و صرف أكثر من مليار أو مليارين وربما أكون مخطئاً بصغر حجم هذا التقدير فالحسبة الدقيقة من اختصاص واضعي الاستراتيجية المطلوبة. وعلى الدولة توفيره مهما بلغ وبإمكانها ذلك. وليس بالضرورة أن يكون ذلك رهناً باستجابة أو عدم استجابة المؤسسات الدولية. فالدولة أولاً تستطيع إخراج كل الرواتب الشهرية المطلوبة للفقراء والعاطلين من الرواتب الخيالية والكبيرة في دولة كالأردن. كما للدولة دين ضخم بذمة كل من جمع عشرات ومئات الملايين من مواطنيها وشركائهم من دم هذا الشعب وترابه. وهذا ما يُفترض أن يكون من أهم استخدامات قانون الدفاع.