كانت الكذبة الكبرى قبل ثلاثة قرون هي القول بأن متهودي الخزر الذين يحتلون فلسطين اليوم هم يهود ومن احفاد ابراهيم وبني اسرائيل(يعقوب ) ولم يقف العرب بوجهها، وترتب عليها ارضية للمشروع الصهيوني واحتلال فلسطين، أما كذبة العصر الطازجه موضوع المقال هي قول ترامب بأن أمريكا لها حقوق ماليه وسياسيه عند دول الخليج والسعودية بالذات مقابل حمايتها لها، دون أن نسمع جوابا أو تعليقا أو تعقيبا من حاكم خليجي ولا من مؤسسة خليجية خاصة، فهل السكوت تواطؤ أم حقيقة وعلى أية خلفية.
سؤال يوجه الى شعب الجزيرة الشقيق قد يكون جديرا بالبحث، وأطرح السؤال الواجب سؤاله وهو، عندما يقول ترمب أن امريكا تحمي دولهم ، وأن الثمن المطلوب هو اخضاعها سياسيا للصهيونية ونهب أموالها تحت الابتزاز والتهديد (خاوه)، فمن من تحميها يا ترى؟ فهل من أمريكا نفسها أم من اسرائيل أم شعوبها أم من ايران، ومع أن يقيني بأن ايران هي المقصودة وأن رسالة ترامب هي لشعب الجزيرة لا لأنظمته، فإني مع ذلك أمر عليها كفرضيات ساقطة، ثم نناقش منها ايران بصفتها المقصوده، وصولا الى الحقيقة المنطقية.
فحماية تلك الدول من امريكا نفسها افتراض ساقط، لأنه يعني تهديدا دوليا غير مقبول ولا ممكن عمليا، إذ ليس من دولة قادرة سياسيا وقانونيا واعلاميا على أن تهجم على دولة عضو في الأمم المتحدة وتحتلها مهما كان الادعاء فكيف إذا كان سخيفا، أما افتراض حمايتها من اسرائيل فهذا أمر أسقط من ساقط لأن اسرائيل أكبر مستفيدة من هذه الأنظمه، وهذه الأنظمة أكبر مستفيد من اسرائيل ومن الاحتلال، بل باعتقادي أن سقوط اسرائيل سيسقطها كلها كأنظمة، أما حمايتها من شعبها فهو ساقط أيضا لأسباب كثيرة ، فعلاوة على أن اي حاكم سعودي يعلم بأن أمريكا لا تستطيع عمليا حماية حاكم من شعبه عندما يتحرك و يثور، فإن الشواهد التاريخية تؤكد أن أمريكا لم تتحرك مرة واحدة لنجدة حاكم من ثورة الشعب بل أنها تحاول ركوب ثورته فتنجح احيانا وتفشل احيانا.
بقي أمامنا حمايتها من ايران . ولو انتزعنا من كلام ترمب مطالبته العلنية بثمن هذه الحماية المزعومه لأصبحنا أمام السياسة الأمريكية التقليدية مع الأنظمة الخليجية والعربية بلا جديد، وهي خلق فزاعة لها بالمنطقه وأخذ الثمن بخدمات استراتيجية ونهب مالي وإخضاع سياسي بطريقة ناعمة، فقد كانت الشيوعية والاشتراكية فزاعة وكان صدام فزاعة والارهاب فزاعة والهلال الشيعي فزاعة واليوم ايران تستخدم كفزاعه، وأنا اناقش هنا على افتراض أن شعب الجزيرة لا يعلم بأنها فزاعه، وأن أنظمته تعلم يقينا وتسهم في خلق هذه الفزاعة لتمرير عملية تسليم مقدرات الأمة السياسية والمادية للصهيونية ومشروعها.
وقبل أن اتكلم عن فزاعة ايران وعن الحقيقه كما أفهمها، أذكر شعبنا الشقيق في الجزيره .أن امريكا ترمب التي تطلب ثمن حمايتها لدول الخليج والسعودية بالذات ، لا تطلب الشيء ذاته من دول أخرى شبه مستعمرة لها بل تنفق عليها، كما أنها تدفع أجرا ماليا أو متفقق على طبيعته لقواعدها العسكرية في كل دول العالم ولا تأخذ، وقد حاول ترامب أن يكرر المثال السعودي ويطلب شيئا يسيرا من كوريا الجنوبية فردته ردا صريحا ورفضت أن تقدم له أي مال أو أية خدمة سياسية لا تتوافق مع مصالحها، وكذلك رفض حلف الأطلسي أن يدفع له، وأخيرا فإن أمريكا تتكفل ماليا وسياسيا وعسكريا باسرائيل بالمجان وعلى حساب الخزينة الأمريكية والخزينة السعودية دون أن يكون لها مصلحه اقتصادية وجغرافية منها توازي شيئا مما قد تحصله من صداقتها النظيفة للعرب، أقول كل ذلك ليعلم شعب الجزيرة أن انظمتهم تعلم ذلك ومتواطئه مع الصهيونية وتنفذ اوامرها.
أعود لايران وأقول أن أمريكا لم تفتعل مشكلة مع ايران بل كانت تريد صداقتها، لكن ايران اتخذت خطا سياسيا معاديا لأمريكا واسرائيل بوعي، لأنها تعلم طبيعتها ومستحقات صداقتها وبأن مشروع أي دولة اقليمية في المنطقه لن يكتب له النجاح بوجود المشروع الصهيوني فيها . وقد حاولت أمريكا ايصال اشارات عديدة لايران بأنها تريد صداقتها ولا تقف بوجه بناء قوتها ، والهدف هو احتوائها لتسهيل المشروع الصهيوني الذي يستهدف الدول العربية وشعوبها بداية . ولم تقتصر الاشارات على تسليمها العراق ليحكم برأسين ( امريكي عن بعد – وايراني عن قرب ) بل على الملف النووي حين وقع اوباما على اتفاقيته وخرج يصرح مدافعا عن ايران وحقوقها . ومما قاله أن العرب هم اعداء انفسهم وليس هناك من يستطيع منع ايران من تطوير سلاح نووي.
الا أن ايران أصرت وتصر على معاداة اسرائيل وامريكا ، وهذا لا يعني انها تريد الدخول بحرب عسكرية مع اسرائيل او أمريكا ولكنها بالتأكيد تريد الحفاظ على استقلالها مصالحها ووقف المشروع الصهيوني ، وإن تعذر وقفه ، فبحصره بالحد الذي لا يتعارض مع مصالحها . وأمام صلابة موقف ايران عادت امريكا ترمب تفتعل التصعيد معها لفشلها باحتوائها . فايران لديها مشروع ولد من رحم ثورة الخميني . واسرائيل لديها المشروع الصهيوني ومحله فلسطين وصولا لاخضاع الدول العربية وشعوبها . والعرب يفترض بأن مشروعهم تحرري وحدوي نهضوي ، ومشروعهم هذا لا يمكن تحقيقه مالم يسقط المشروع الصهيوني في فلسطين أولا ، والمشروع الايراني من شأنه أن يفتح الطريق أمام تحقيق المشروع العربي ويتكامل معه .
نعود الى الحماية الأمريكية للسعودية التي تدعيها امريكا. فالحماية كلمة كبيره وتعني حماية لمستعمره أو لدولة من التهديد والاعتداءات أو الاحتلال أو من افتراس مقدراتها . فهل أيران تفعل شيئا من هذا مع السعودية، لا شك بأن الخلافات القائمه بين السعودية وايران سياسية مفتعله وليست وجودية فالدولتان تعترفان ببعضهما، نحن نريد من الشعب في الجزيرة ودول الخليج أن يتساءل ويطلب من أنظمته بأن تحدد الخطر الذي تواجهه من ايران ويستحق هذا الإذلال الأمريكي والارتماء بحضن الصهيونية الذي تتقبله أنظمتها، وأن ينظر بنفس الوقت لسياسة عمان صاحبة أكبر موقع جغرافي استراتيجي بالخليج، وعلاقة ايران بها، وينظر كيف أن النظام القطري في لحظة ما توجه ببرودة أعصاب لايران وكيف جَبُن ترامب عن فعل شيء لها.
لكن هناك تساؤلات مشروعة عما إذا كان المشروع الإيراني ينال من وحدة وسيادة الدول العربية ، ومع أن السعودية وحلفاءها لا يحق لهم بأي معيار خلقي أو سياسي أو قومي الحديث بذلك ، إلا أننا لا نستطيع انكار أن ايران واقعة في حرب تخوضها ضدها دول عربية حليفة للصهيونية مما يشكل خطرا عليها وعلينا كشعب عربي، ولا أدري إن كان تدخلها وسلوكها الوحيد غير المقبول في العراق هو في هذا السياق . ومع ذلك فإن ايران تتطلع لصداقة أية دولة عربية وتعلن استعدادها لدعمها دون شروط . ونحن كشعب عربي مطلوب منا أن نتحالف مع كل من تتقاطع مصالحه مع مصلحتنا القومية وقضيتنا القومية وهي القضية الفلسطينيه.. فايران هي الوحيدة في العالم التي تعلن عداءها للمشروع الصهيوني الأمريكي قولا وعملا، والوحيدة التي تقف مع مقاومة الشعب الفلسطيني، ولا يمكن إلا أن نكون بصفها ، فأي مصلحة يا ترى لنا أكبر من فلسطين، ولا يمكن لعربي حر وصادق إلا أن يرفع رأسه بحزب الله الذي أذل اسرائيل وأمريكا وحمى لبنان باسم العرب والمسلمين لا باسم ايران.
في الختام نصل للنتيجة، وهي أن الحماية المدعى بها امريكيا للسعودية وغيرها من خطر ايران غير صحيحه وأنها تجيء لسبب من اثنين وهما، لأول، أن هذه الفزاعة الكاذبة موجهة لشعب الجزيرة والخليج العربي وليس لأنظمتهم التي تعرف الحقيقة وتعرف أن بإمكانها لو كانت نظيفه أن تكون صديقة لايران ومستفيدة من الصداقة، وأن اعتراف السعودية وغيرها بتلك الحماية الكاذبة من خلال سكوتها المتعمد ما هو إلا بقصد تبرير رضوخها لأمريكا أمام شعوبها.
الثاني ، ويتعلق بالحقيقة وهي، أنه إذا لم تكن تلك الأنظمة هي بمثابة أحصنة طروادة في بلادنا وبداخلها يهود وصهاينه، وأنها مجرد انظمة تقبع في الدرك الأسفل لأوطى أنواع العمالة والخيانة المستأجرة والمعمدة ماسونيا، فإن القول بالحماية والتهديد والابتزاز بها يكون حقيقيا وقائما على ابتزاز تلك الأنظمة بادخال عصابات الارهاب لدولها التي تمتلك أكبر وأوسع حاضنة للارهاب بفعل الفكر الوهابي الذي تخلى عنه النظام السعودي وبقي سائدا ومتأصلا في قطاعات واسعة من شعب السعودية بالذات.
وأخيرا وبنفس السياق والفزاعه، فإني اتكلم الى الشعب الأردني على خلفية الناتو العربي، وأقول نحن بكل مكوناتنا أصحاب القضية مباشرة وأمام هجمة أمريكا واسرائل مباشرة، ولا يجوز سكوتنا حتى لو سكت كل العرب والأعراب، نسأل مَن ذاك الذي يقرر باسمنا ويدخلنا بحلف صهيوني التوجه والهدف يخوض حربا ضد وجودنا وأوطاننا وقيمنا، ويحولنا الى مجاهدين في سبيل هذا الكيان المحتل ضد إخوان لنا يخوضون حربا هلى ذاك الكيان، قد تفقروا شعبنا وتقتلوه ولكنكم لن تستطيعوا تغيير عقيدته ولا نزعه من جلده ولا نزع فلسطين من روحه، ولن تستطيعوا تغيير عدونا، وأطالب كل الأحزاب التي تخدم نهج النظام بديكوريتها، أن تخرج زكاة لهذا الشعب ببيان ترفض فيه وتدين هذا الاعتداء السافر على شعبنا.
كاتب وباحث عربي