يتساءل المواطن العربي باستمرار عن السبب أو المسبب فيما يحدث فينا ولنا . ونسمع ثلاثة اجوبه ليس منها ما هو معزول عن الأخر .. هي الصهيونيه الغربيه ، والانظمه العربيه والشعوب نفسها ، وليس هناك من اتفاق على واحده . فنسمع الغرب الصهيوني يقول أن الأنظمة العربية هي العاجزه عن حل مشاكل دولها وشعوبها وما نحن الا مدافعين عن مصالحنا . والأنظمه العربية لا تتعاطى بكلمه مع هذا القول ، وتقول بأنها على الطريق الصحيح وتعد شعوبها وتطلب وقتا دون أن تتعاطى مع مسئوليتها في اتباع نهج وطني .*
الشعوب العربيه معزولة عن الحدث السياسي وعاجزة عن بناء موقف موحد من السبب فيما هي فيه . ظهر فيها تياران معزولان عن التعامل مع الواقع المر بمكوناته المختلفه . يقول الأول أن ابتعادنا عن الدين هو سبب سبب ما نحن فيه . والثاني لغته التهامس يقول أن سبب ما نحن فيه هو الدين ، وطروحات التيارين غير واضحة لبعضهما وللأخر . وفي هذا تذكير بإشكالية دينية – سياسية نحن العرب أول من وضعنا ايدينا عليها قبل عشر قرون وتركناها بفعل سطوة الفكر التكفيري وغرقنا في الجهل والتخلف لهذا اليوم في دنيانا وديننا . بينما التقطها الغرب المسيحي وحلها وانتصر بحماية الدين اولا وتحقيق غايته في حماية حرية ورقي الانسان والدولة ثانيا .*
لو تعمقنا بما يقوله كل تيار لوجدنا كليهما على حق إذا سلمت النوايا وأخذنا بمضمون وروح قوليهما لا بمجرد منطوقه . فالدين كما يفهمه العقلاء غايته نفع الناس بإعمار الأرض وصلاحهم ونشر العدل والرحمة وارتقائهم ، ولهذا ميز الخالق الانسان بالعقل لاستخدامه بهذا الاتجاه وبكل اتجاه . وإن ابتعادنا عن الدين بهذا المفهوم هو تفريغ له من غايته وتكريس للتخلف وتعطيل لميزة العقل المنعم علينا بها وعودة للجاهليه . وعندما يقول التيار الثاني أن الدين هو سبب تخلفنا فإنما يقصد الدين الذي يبتعد عن رسالته ليستقر في خانة التوظيف والجمود وفي خدمة صاحب السطوه وأصحاب الغايات والمحيدين للعقل . لا حاجة للإطالة هنا ، لنتمعن في قول الحكيم العربي ، بأن الله لا يمكن أن يعطينا عقولاً ويعطينا شرائع مخالفة لها . فبعقلنا نفهم الدين ونُفعِّل الدين ونثوره لخدمة انفسنا والبشريه .*
نعيش اليوم في داخل دائرة وعلينا أن نبحث عن مخرج منها ، فنحن نريد التحرر والكرامة والحياة الكريمة والسلامة لأوطاننا أن تأتينا مكرمة على طبق ، أو منَّة من حكامنا أو هبة من السماء لأننا مجرد مسلمين . وحكامنا ليسوا انبياء ولا خلفاء راشدين ،ولا نحن قادرين على نيل مطالبنا ولا الوصول الى الحقيقة ما دمنا رازحين في أسرنا الثقافي وما دمنا لا نؤمن بالمؤاخاة بين العقل والعلم وبين الدين ، والتمترس خلف ما يعجبنا من منطوق أيات كتابنا دون الأخرى ناسين أنه كتاب محكم بكليته للحياة من ألفه إلى يائه .*
فالتغيير المطلوب نحو اللحاق بديننا وبالامم ونحو الخلاص لن يسقط علينا من السماء بمجرد الصوم والصلاة والأدعيه ونحن قاعدون ، ولا باحلال الماضي المرتبط بظرفه على الحاضر بظرفه . فذلنا وتخلفنا ليس مرتبطا بقلة المصلين وتاركات الحجاب وشاربي الخمرة بل بإحلالنا ذلك محل رسالة الدين والأديان القائمة على التعايش والقيم الأخلاقية والسلوكية وحماية حقوق الناس وكراماتهم . ولنتفكر بقول المستشارة الألمانية أن لدى الصين والهند مئات الأرباب والمعتقدات ويعيشون بامن وسلام ولدى العرب رب واحد وكتاب واحد ونبي واحد ويعيشون في دوامة التخلف ، القاتل منهم يصرخ الله أكبر والمقتول يصرخ الله أكبر *
السؤال هو ، فيما لو اتفق المتسائلون من الشعب افتراضا على هوية المتسبب بما آل اليه حالنا ، فهل يستطيع شعبنا فعل شيئ لتغيير الواقع ؟ بمعنى هل هو قادر على مواجهة الصهيونيه العالميه أو قادر على مواجهة انظمته او قادر على تغيير نفسه فكرا وسلوكا ؟ . أعتقد بأن ميزان التأثير اوالقوة مختل جدا بينه وبين الطرفين الأخرين المتحالفين ، ومختل جدا بينه كصاحب موروث ابوي وتلقيني ونزعة للأنانية ومحاربة الرأي الاخر وبين التغيير المطلوب والسير للأمام ، مما يحول حتى دون التقائهم على قواسم مشتركة للتغيير. *
يرزح العرب والمسلمون تحت الاستعمار والتخلف منذ الحقبة الثالثة للدولة العباسية والى اليوم . لقد طوروا فينا ثقافة الدروشه والاتكالية والبكاء على الاطلال والتعلق بالماضي نجتره لنعود به للوراء . وما وصلنا اليه اليوم ليس مفاجئا ولا من فراغ بل نتيجة لسياسات مرحلية طويلة النفس اشتغلت على تكريس وتوجيه تعلقنا بالغيبيات والاسرائيليات بعيدا عن الواقع وعن العقل وعلى حسابه . إن الأمل بالشعوب العربية مرتبط بتفعيل العقل لفهم وتفعيل رسالة الدين ، وبتغيير الثقافة السلبية الموروثة التي لا تخدمها في هذا العصر ، إنه أمل يحتاج لسنين من التنوير تبدأ بخطوة . .فنحن نعيش منذ قرون في ظلمة بلا لحظة تنوير واحدة فيها . *
المنطق يقول أن الشعوب هي رائدة التغيير حين تفتقد للتنويريين ، فهل نحن الشاذة التي تؤكد هذه القاعدة . نعلم أن المجتمعات لا يغيرها الحكم والحاكم فهل قدرنا انتظار قادة من اصحاب الطفرات الجينية القادرين على فك ارتباطهم بالنفعية وبكرسي الحكم ليقبلوا طواعية على إدارة تسمح وتهيء لبناء ثقافة التفكر والبحث وعدم احتكار الحقيقة، وثقافة المصلحة العامة والتخاطب بالمشتركات في دنيانا وحياتنا وصلاحها كثقافة تتفق مع رسالة الدين ،أم أننا قادرون على فعل ذلك بمعزل عن حكامنا . *